تقارير | 25 05 2020
بينما تقبع معتقلات في سجون الأسد وسجون أنظمة استبدادية أخرى نجد أن من يدعون محاربة هذه الأنظمة يقتلون المرأة بلا تردد. والأدهى أن الحرب على المرأة في العالم حرب صامتة، تشي بكراهية الرجل لجزء كبير من نفسه، ومن إنسانيته.
فكما تجد معتقلات رأي في الأنظمة العلمانية، تجد ضحايا تهم أخلاقية مع الجماعات الإسلامية، وتجد ضحايا شرف في الأجواء القبلية، وتجد ضحايا العنف الأسري أو العاطفي في الغرب. أرقام القتلى من النساء في الولايات المتحدة لوحدها هي أضعاف ما يموت من جنودها كلهم مجتمعين في حروبها عبر القارات. وبينما الضوء مسلط على كل جندي أمريكي يُقتل في الغربة وتابوته الذي يحمل جثمانه فإن النساء الأمريكيات المقتولات الشهيدات نتيجة العنف الذكوري يدفن بصمت.
وعندما أرى الآن رجالاً من جبهة النصرة أو الجبهات الإسلامية يحاصرون امرأة مقيدة ويقومون باعدامها بشكل علني فإننا هنا نواجه غرائز قديمة -على الأقل صارت معيبة في المجتمعات الأخرى- لتقديمها كطقوس احتفالية في ساحات المدن. فالغرب مر بمرحلة استهداف النساء وأيضا لأسباب دينية وروحية عندما حرق ما يقدر بثلاثمائة ألف امرأة عبر ثلاثة قرون بتهمة السحر والشعوذة بل وحتى إقامة علاقات حميمة مع الشيطان. أي أن رجل الدين لما كان غير قادر على إيجاد تهمة علاقة أرضية واضحة لقتل المرأة فإنه كان قادر أن يدبر لها علاقة غرامية مع الشيطان كما أرانا الرجل الأوربي في تاريخه العتيد. ولكن هذا التاريخ الأوربي بحد ذاته يعطينا أملا بالقدرة على الخروج من هذه المنظومات الظلامية. وإذا أردت أن تعرف طبيعة المحاكم فانظر إلى التهم التي تكيلها. فقد كانت المحاكم الأروبية القروسطية تكيل الخرافة والشعوذة والعلاقات مع الشياطين بينما كانت هذه الصفات أكثر دلالة على أجواء هذه المحاكم مما كانت تصف تلك النساء المسكينات. تماما كمحاكم تدعي الروح الوطنية وتجعل من أي إنسان يحمل هموما وطنية عدوا. وإذا كانت تهم انعدام الشرف هي ما تكيل به المحاكم الدينية الحالية فإنها تكشف مستويات الشرف عندها هي. يبدو أن الإنسان يتهم الآخر بما ينضح به إنائه.
وهناك العديد من البرامج الوثاقية والأفلام التي تناولت ملاحقة النساء ومنها فيلم The Crucible
حيث يقوم بتصوير مشهد تاريخي معين يوضح آلية التفكير الديني والثقافي الذي يعتري مجتمعات تواجهها مشكلات غير قادرة على حلها فتصير جهات مختلفة تتصيد الأضعف–النساء في هذه الحالة—في المجتمع لتقدمهم قرابين لآلهة متعطشة لدماء المستضعفين. في مثل هذه الأجواء المحتقنة نتساءل، من الذي يقيم فعلا علاقات غرامية مع الشياطين وخاصة عندما يكون ضحايا مثل هؤلاء القضاة وجلاديهم من النساء والمسنين والأطفال؟ هل الذي يقتلون العزل والمدنيين هم من يحارب الشيطان؟
إن مثل هذه الاعدامات العلنية في طقوس استعراضية تحت مسوغات دينية هي انتصارات وهمية لهوية متهاوية، تماما كما كان يحدث في القرون الوسطى في مجتمعات كانت تقتاتها الأوبئة والطاعون بعد أن يكون بطش الاستبداد قد شبع من امتصاص طاقاتها ومصادرها. وزعيق القضاة والجماهير المحتشدة أمام المعلقين على الصلبان والمحارق هو دائما صدى لصوت تحت معايير العقل والضمير.
ونجد أيضا في الوقت الراهن أن الأجهزة الأمنية التي تتطرف في أنواع التعذيب أو المحاكم الميدانية التابعة لأطراف مسلحة تلاحق كلها شرائح معينة من المجتمع. تماما كما نجد أنه في تاريخ أوربا تم ملاحقة العلماء واصحاب الفكر النير والحر وتم حرق الفلكي جيوردانو بورنو في ساحة روما مع تبركة الدولة ورجال الكنسية بتهم الردة والهرطقة ليكون عبرة لغيره. كما تم قتل الكثير من المصلحين والعلماء ومحاكمتهم خلال فترات داكنة. ولم تنج القطط أيضا من طيش أوهامهم القاتلة حيث كانوا يتشائمون منها ويقتلونها، لدرجة كادت القطط تنقرض من القارة، وكانت النتيجة أن الجرذان انفلتت من معاقلها وتكاثرت لتنشر الأوبئة بغياب ترصد القطط. ولكن هل تراجع أهل القرون الوسطى عن افكارهم حينها؟ لا، بل كان هذا سببا في زيادة استهداف النساء ومطاردة المسنات بتهمة نشر الفتن والشرور على خلفية أنهن ساحرات شريرات. هذا ما يحدث للإنسان عندما ينضغط بين الفقر والجهل مع انتشار الخرافات. ولكن انهارت خرافات الأوربيين امام قدوم عصر التنوير وبدء الحركة العلمية العقلية.
عندما نصبح قادرين على رؤية وحدة الجنس البشري سنفهم ما يشوه الإنسان ويجعله عاجزاً عن تسخير المحيط حوله. وسنعرف ما يجعله يقوم بقتل النساء وقتل العلماء وتحويل الأطفال إلى قتلة. وسنعرف أيضا ما يساعد على جعله إنسانا سويا يحب التعاون وخدمة المساكين والتشارك في السلطة.
الأمر الرائع أن هناك أثمان دفعها غيرنا للخروج من هذه المسرحيات ولا داعي لإعادة دفعها من حسابنا.
هذه كلها أمور تجعلنا نعرف أن الخير والشر لا طوائف ولا أديان لهما، بل سياقات من النقاء أو التلوث الفكري تخرج أفضل إمكاناتنا أو أظلمها. وفي الحالتين نحن جنس مبدع.
*مقالات الرأي تعبّر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبّر عن رأي روزنة.
*تم نشر هذا المقال بموجب اتفاق الشراكة بين روزنة وهنا صوتك.