"الي نوفره بالصيف نحطه بالشتوية".. تأمين وسائل تدفئة يرهق السوريين

وسائل تدفئة في شمالي غربي سوريا - روزنة
في مجموعة خاصة على تطبيق "فيسبوك"، طرح أحد الأعضاء سؤالاً على بقية الأعضاء، حول أكثر وسائل التدفئة وفرةً وأرخصها ثمناً، وهو السؤال الذي يتكرر كل عام مع بداية فصل الشتاء، في ظل ارتفاع الأسعار وعدم قدرة الكثيرين على تأمين مستلزمات التدفئة لعائلاتهم، في شمالي غربي سوريا.
وبحسب تقرير أصدره فريق "منسقو استجابة سوريا"، فإن 94٪ من العائلات في المنطقة غير قادرة على تأمين مواد التدفئة لمواجهة الشتاء القادم، و 67٪ يسعون إلى تخفيض الاحتياجات الأساسية وخاصة الغذاء في محاولة الحصول على التدفئة.
لا كثير من الخيارات المتاحة
مع اشتداد البرد، لا يبقى أمام الأهالي الكثير من الوقت لتحديد خياراتهم، و"يبدو أن التفكير في وسيلة تدفئة توفيرية أو تناسب الإمكانيات المادية هو مجرد حلم أو ربما ضرب من الخيال"، قال أبو أحمد، الذي يعيش في مخيم الإحسان بالقرب من مدينة عفرين شمالي حلب.
اقرأ أيضاً: إحصائية: ارتفاع عدد الإصابات بالكوليرا في شمالي غربي سوريا
ويوضح أبو أحمد حديثه، بالقول: "نعتمد أساساً على المساعدات لنعيش، ننتظر المنظمات لتوزيع مواد التدفئة على أهالي المخيم، لكن الحصص غالباً لا تكفي إلا أياماً قليلة. ومع ذلك، بالنسبة لنا الرمد أحسن من العمى، نحن سكان مخيمات، والخيمة لا تمنع البرد، لذلك فالبطانيات هي خط دفاعنا الأول وربما الأخير".
مواد تدفئة مختلفة
تتوفر العديد من وسائل التدفئة في شمالي غربي سوريا، إلا أن جميعها مرتفعة الثمن ولا تتناسب مع الواقع المعيشي للأهالي الذين يبحثون غالباً عن المادة الأرخص ثمناً، وأكثر وفرة.
يقول لـ"روزنة" أبو خالد، الذي يقيم في مدينة عفرين: "طن الحطب لا يقل عن 150 دولاراً، والسعر يتباين حسب نوع الحطب. أما سعر ليتر المازوت فهو حوالي 19 ليرة تركية حالياً، بينما لا أعرف بالضبط سعر قشر الفستق اليوم، بسبب تقلبات سوق مواد التدفئة في شمالي غربي سوريا. بينما سعر الطن الواحد من البيرين (بقايا بذور الزيتون) حوالي 175 دولاراً".
يُفضّل أبو خالد استخدام المازوت، ويبرر ذلك بقوله: "بالنسبة لي، أفضل المازوت لأنني أستطيع توفيره بشكل يومي أول بأول، بحسب الاستطاعة، ويمكن استخدام الليتر لمدة تصل إلى 3 ساعات تقريباً، نستهلك يومياً بين ليترين وثلاثة كحد أقصى".
ويتابع أبو خالد حديثه: "نحن نحتاج خلال الشتاء لقرابة 250 ليتر من المازوت المكرر (المستخرج بشكل بدائي)، ويبلغ سعره 170 دولاراً أمريكياً، لكن المشكلة هي أننا غير قادرين على تأمين حتى ربع هذه الكمية دفعة واحدة، وبالنهاية لا تبدو هناك وسيلة توفيرية واحدة تلائم الجميع. الأمر يتعلق أكثر بالتكيف مع المتاح وفقاً للإمكانيات المادية".
"الحطب هو الأكثر دفئاً"، يقول عبد الرحمن من سكان مخيمات جنديرس بريف عفرين، ويضيف: "الأجواء الشتوية في الشمال السوري باردة جداً، لذلك كان اعتماد سكان المنطقة على الحطب غالباً، كونه يعطي حرارة أكثر من مدافئ المازوت".

ويشير إلى أنه يستهلك بشكل سنوي طن تقريباً، مع محاولاته بالتقنين والتوفير، "لكن بشرط أن يكون الحطب جافاً، إلا أن سعر الطن الجيد حالياً بحدود الـ180 دولاراً، ومن المؤكد أن سعره سيرتفع بشكل تدريجي ليتجاوز الـ200 دولار".
القشور أحد الخيارات
في منزله ببلدة الدانا شمالي إدلب، اعتاد رواد على استخدام قشور الفستق في التدفئة، معتبراً أنها الوسيلة الأفضل من خلال تجربة البحث عن الأوفر والأسهل في الاستعمال، والأقل ضرراً على الصحة.
"سعر الطن الجيد حاليا 200 دولار، وهو قشر الفستق التركي ويمكن خلطه بأنواع أخرى مثل قشر البندق وحبيبات البيرين والتي تأتي بأسعار أقل، كمية استهلاك المدفأة مناسبة ولا تتجاوز ثلاثة أرباع الطن خلال فصل الشتاء، وهي مصدر جيد للحرارة، ولكن ثمن المدفأة مرهق، حيث تبدأ الأسعار من 100 دولار فما فوق"، قال رواد.

الفحم أقل تكلفة ولكن..
نصف طن من فحم الحراقات (بقايا مواد نفطية مكررة بشكل بدائي)، يكفي حسين المهجر من ريف دمشق، والذي يقيم في مدينة الباب شمالي شرقي سوريا، ليخرج من فصل الشتاء.
أخبرنا حسين بأن: "سعر طن الفحم تقريباً 135 دولاراً أمريكياً، ونحتاج فقط نصف طن خلال الشتاء. ولكن هناك شروط لاستخدام الفحم في التدفئة، فهو مناسب فقط للمنازل المكونة من طابق واحد فقط، ويجب أن تكون المدخنة في السقف مباشرة".

ضريبة استخدام الفحم ربما تكون كبيرة بسبب آثاره، حيث يؤكد حسين أن ما توفره العائلة من خلال شراء الفحم ستضطر لدفعه لاحقاً ثمن شراء أدوية، بسبب ما يخلفه من رائحة وملوثات تؤثر على الجهاز التنفسي، خاصة عند الأطفال.
بدائل جديدة
بقايا الخشب (النشارة الناعمة) هي الوسيلة الأوفر بحسب أبو الوليد، المقيم في مدينة إدلب، والذي أوضح في حديثه أن التكلفة الأسبوعية للتدفئة باستخدام النشارة هي أربعة دولارات فقط، وهي ثمن كيس واحد.
قد يهمّك: في تكرار للمشهد.. أضرار ضمن مخيمات الشمال السوري نتيجة العاصفة المطرية

وعن طريقة استخدام نشارة الخشب، يقول أبو الوليد: "نستخدم مدفأة فحم، ونملأ سطل المدفأة بالنشارة الناعمة بعد أن نضع أنبوبا بلاستيكياً وسط السطل، ونضغط النشارة على جانبي الأنبوب. بعد ذلك نقوم بسحب الأنبوب ونشعل المدفأة باستخدام قطعة قماش مبللة بالمازوت. يمكن أن تكفي التعبئة الواحدة للسطل 6 ساعات".
وتدخل الكهرباء كبديل مناسب للبعض، لكنها أقل دفئاً وفق ما أفاد أبو حمزة، المقيم في مدينة عفرين، والذي قال: "أستخدم شراشف أو حصر الكهرباء للتدفئة، بالرغم من أنها لا تعطي حرارة عالية، إلا أنها تكسر برد الغرفة وتكلفتها بسيطة، ما يقارب أقل من ثلاث ليرات تركية في الساعة الواحدة".
يتابع أبو حمزة: "حتى سعر الشرشف الكهربائي مناسب، لا يتعدى عشرة دولارات، بينما أنواع المدافئ الأخرى أكثر من هذا الرقم بأضعاف".
من جهته، يعتقد محمد، الذي يعيش في مخيمات أطمة في ريف إدلب الشمالي، أن تكلفة التدفئة السنوية تتراوح بين 200 إلى 250 دولاراً أمريكياً، بغض النظر عن المواد المستخدمة، كما يشير إلى أن فارق السعر بين مادة وأخرى بسيط، ويعتبر أن الجهات المسيطرة تتحمل مسؤولية تخفيف المعاناة عن طريق دعم السكان بمواد التدفئة.
وأوضح فكرته بأنه إذا كان لدى "حكومة الإنقاذ" الرغبة في مساعدة الأهالي، يجب عليها أن توفر المحروقات دون تحميل الناس أعباء إضافية من الضرائب على مواد التدفئة.
البحث عن الأوفر لا ينتهي حتى ينتهي فصل الشتاء، ويسرد سليمان أبو عمرو من سكان مدينة أعزاز معاناته السنوية، فيقول: "قضينا العمر يلي نوفره بالصيف نحطه بأول شهر بالشتوية، نركب مازوت يغلى المازوت، نرجع على الحطب يغلى الحطب، نروح على الفحم يغلى الفحم، نرجع على الجلة، أعزكم الله، وهي حالنا كل شتوية".
وتستمر معاناة الأهالي في شمالي غربي سوريا بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها، في ظل ارتفاع أسعار مواد التدفئة، وانخفاض مستوى دخل الفرد، وانتشار البطالة وقلة فرص العمل، إضافة إلى تدهور قيمة الليرة التركية، حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى 29،10 ليرة تركية.
الكلمات المفتاحية