التين السوري في جبل الزاوية.. سمعة مهددة وخسائر غير متوقعة
مزارع يحمل التين في أرض زراعية بإدلب - روزنة
"سأضطر لاستدانة المال، لتأمين ثمن مواد التدفئة وشراء مستلزمات المدرسة لأبنائي"، يخبرنا المزارع علي السرحان من سكان منطقة جبل الزاوية في إدلب، عن الآثار الاقتصادية القاسية والخسائر التي لحقت به هذا الموسم، هو وغالبية مزراعي التين.
تراجع سعر كيلو التين المجفف المعدّ للتصدير، والذي تشتهر به مناطق جبل الزاوية، إلى نحو دولارين ونصف فقط هذا الموسم.
يرجع مزارعون غاضبون سبب التراجع، إلى سماح "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، باستيراد التين المجفف من تركيا "ذو الجودة المنخفضة"، ما دفع بعض التجار "الجشعين" إلى خلط المستورد بالتين المحلي، ما أثر على "سمعة التين السوري".
"السعر غير متوقع"
رغم خطورة العمل في الأراضي الزراعية بجبل الزاوية وجني محاصيلها، ومنها التين، نتيجة قربها من خطوط التماس مع قوات النظام السوري، إلا أنه من أهم المواسم التي يعتمد عليها المزارعون في تلك المنطقة، في تأمين مدخولهم.
اقرأ أيضاً: في الأرض التي تنتجه.. إدلب: ارتفاع سعر زيت الزيتون قرابة 100 بالمئة!

فوجئ علي سرحان وهو من أهالي بلدة إحسم في جبل الزاوية بسعر التين المنخفض هذا العام، بعد آماله الكبيرة بالحصول على سعر يتناسب مع الجهد الكبير المبذول في عملية جمع المحصول.
يصف علي، لـ"روزنة" صدمته بالسعر الجديد: "كنت أضع آمالي على محصولي من التين في هذا العام، ولكن كان السعر غير متوقع! فالسعر لم ينخفض منذ عدة سنوات تحت عتبة 3,5 دولار، ولكن هذا العام كان أفضل سعر لا يتجاوز 2,5 دولار!".
ويضيف: "السعر المنخفض جاء في محصول غير جيد هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية، حيث تعرض لأمراض عديدة، منها الدود".
ويختم بحسرة: "عقدت الآمال على ما سأجنيه من موسم التين. لقد خسرت. الكثير، وسأستدين المال لتدبر أمري. حصل كل هذا رغم جنينا المحصول في خوف وفزع، نتيجة القصف الكثيف الذي طال الكثير من البساتين".
سبب المشكلة
سمحت "حكومة الإنقاذ" باستيراد التين المجفف من تركيا، الأمر الذي يراه تجار محليون في جبل الزاوية، سبباً رئيسياً بالتأثير على أسعار التين المحلي.
وتزامنت المرحلة الثانية من موسم جمع التين المجفف لهذا العام مع عمليات القصف المكثف التي شنتها الطائرات الروسية وقوات النظام السوري على المناطق القريبة من خطوط التماس، وغيرها من قرى جبل الزاوية البعيدة نسبياً عن خطوط الاشتباكات.

ومن بين التجار، يونس الحسن، الذي أوضح لروزنة: "التين التركي يفتقر للجودة التي يتمتع بها التين السوري. مع استيراده إلى السوق المحلية، خلط تجار يسيطرون على السوق، التين التركي بالسوري، لمضاعفة الربح، وبالتالي انخفضت أسعار المنتج المحلي".
ويرى التاجر "الحسن"، أن التلاعب بمحاصيل التين المعدّة للتصدير، سيؤثر على "سمعة جودة التين السوري، الذي يحظى باسم معروف. إلا أن التجار المتلاعبين، يتجاهلون التأثير على كامل مستقبل تجارة التين في سوريا".
وأشار أيضاً إلى سبب آخر، وهو تغيير طريق التصدير المباشرة المتاحة قبل انطلاق الثورة السورية، إذ يضطر التجار الآن لتصدير التين المجفف عبر تركيا، إلى أسواق عديدة، أبرزها العراق ومصر والمملكة العربية السعودية.
ما الذي جاء بالتين التركي؟
عوامل عديدة دفعت التجار إلى اللجوء لشراء التين التركي، منها قلة الإنتاج وتأثره بالحرب والقصف على مناطق جبل الزاوية.
قد يهمّك: "مكدوس أيش يا عين عمك".. المؤونة في إدلب رفاهية غير متوفرة

تحدث عادل أبو علي لروزنة، وهو صاحب مشغل تين من قرية نحليا، عن رأيه في انعكاسات استيراد التين من تركيا وأسبابه.
وقال: "التين التركي أقل جودة من السوري، لكن التين التركي فتح أبواباً للأيدي العاملة، حيث كانت المشاغل تعمل سابقاً لعدة أشهر، وبعدد قليل من العمال، بينما في الوقت الحاضر تعمل المشاغل بشكل دائم، وبعضها لفترة 8 أشهر، الأمر الذي عاد بالفائدة على مئات العائلات".
واعتبر عادل، أنه لا يوجد تأثير على سعر التين السوري، حيث أن سعره ما زال ضمن المقبول والمناسب، مقدّرا إنتاج أقل مشغل للتين ما يقارب ٣٠٠ طن سنوياً، وبعض المشاغل تنتج ضعف هذه الكمية، حسب اطلاعه.

تشير تقديرات لمديرية الزراعة في "الإنقاذ"، اطلعنا عليها، إلى تحسن إنتاج التين العام الحالي بنسبة واحد بالمئة فقط مقارنة بالعام الفائت، وتصدير نحو 4 آلاف طن إلى الخارج.
كذلك، يمتلك المزارعون المحليون 1850 هكتاراً مزروعة بأشجار التين، إذ يصل الإنتاج السنوي إلى 5700 طن من التين الأخضر والمجفف، يستهلك محلياً 60 بالمئة من الأخضر، و40 بالمئة للمجفف الذي يصدر قسم كبير منه.

موسم التين في جبل الزاوية
يبدأ موسم التين في جبل الزاوية مع بداية شهر آب، ويجمعه المزارعون على عدة مراحل، حيث ينضج على دفعات، ما يدفع المزارعين لجمعه وفرز التين الجاف من الرطب الذي ينشر على الأسطح أو في الأراضي الزراعية حتى يجف.
ينقل التجار التين إلى مشاغل محلية تعمل على غسله بماء الأوكسجين لتنقيته من الشوائب، ولكي يحصل على لون أبيض، ثم يعلّب في قوالب خاصة، أو يجمع في قلائد طويلة.

وتأثر محصول التين في ريف إدلب الجنوبي بشكل كبير، بعد سيطرة قوات النظام على مناطق واسعة من حقول التين في منطقة كفرنبل، التي تعتبر المصدر الأول للتين في المحافظة.
ويشكل جمع التين في مناطق جبل الزاوية خطورة على حياة المزارعين، بسبب قربه من خطوط التماس، كما لقي العديد من المزارعين حتفهم نتيجة انفجار ألغام مزروعة في بساتينهم التي تقع على خطوط التماس بشكل مباشر.

وأصدرت القوى المسيطرة تعميماً، في وقت سابق، يمنع الأهالي من الاقتراب من بساتينهم عند خطوط التماس، بسبب استهدافهم المتكرر من قبل قوات النظام السوري، سواء بالقناصات أو حتى بالقذائف المدفعية والصاروخية.
ويعاني القطاع الزراعي في سوريا من ضعف الإنتاج، نتيجة صعوبات وعقبات كثيرة خلّفتها الحرب التي تعيشها البلاد منذ أكثر من 12 عاماً، والتي تسببت بتضرر الأراضي الزراعية والمحاصيل ونزوح المزارعين وتهجيرهم، إضافة إلى توقف التصدير أو صعوباته.
الكلمات المفتاحية