في شهر آذار من عام 2017 تعرض سد الفرات بمحافظة الرقة لقصف جوي شنته مقاتلات التحالف الدولي، خلال المعارك الدائرة حينها بين قوات سوريا الديمقراطية المسندة من التحالف من جهة، وتنظيم داعش من جهة أخرى.
أدت الغارات حينها لخروج السد عن الخدمة، ومن هنا بدأت مشكلة انقطاع الكهرباء في الرقة.
في حزيران من ذات العام اندلعت حرب طرد التنظيم من مدينة الرقة، أدت المعارك الطاحنة والغارات الجوية والقصف المدفعي لتدمير معظم البنى التحتية للمحافظة، وتضررت شبكات الكهرباء والمحولات بشكل شبه كامل.
ومنذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الرقة وتأسيس المجلس المدني لإدارة شؤون المدينة، بدأ العمل على إعادة تأهيل شبكات الكهرباء.
منذ ست ستوات، ما تزال هناك أحياء في المدينة لم تصلها الشبكة الكهربائية "النظامية" بعد، في ظل شكاوى متعددة من قاطني مختلف الأحياء.
أحياء منسية
تعتمد مدينة الرقة في توليد الكهرباء على الخدمة "النظامية" المقدمة من لجنة الطاقة في "مجلس الرقة المدني"، أو المولدات الخاصة المعروفة بـ "الأمبيرات"، إلا أن هناك بعض الأحياء تفتقد تقريباً لكلا الخدمتين.
حي الفخّارة العشوائي الواقع على الأطراف الشرقية لمركز مدينة الرقة، لا توجد فيه مولدة أمبيرات، والكهرباء النظامية تعمل لمدة تتراوح بين ساعة وثلاث ساعات خلال الـ 24 ساعة.

يصف حميدي العبد (42 سنة) في حديثه مع روزنة، أن "الفخارة" حي منسي من قبل "المجلس المدني"، رغم تقديمهم طلباً لتشغيل مولدة "أمبيرات" في الحي".
يضيف: "ذهبنا عدة مرات للبلدية، وطالبنا بإيجاد حل لنا عبر الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن كل ذلك لم يجدي نفعاً، البلدية لا تكترث لنا ولا تهتم لمعاناتنا".
غياب الكهرباء عن حي الفخّارة غيّر نمط حياة سكان الحي، إذ يعتبر حميدي إنهم عادوا في الزمن عشرات السنين.
ويوضح: "الحياة بدون كهرباء صعبة جداً، ظلام دامس في الليل، وخلال أيام الصيف الحارة لا تستطيع النوم أو حتى الجلوس بدون مروحة، لذلك لجأنا إلى وسائل بدائية في تدبير أمورنا، مثل حفظ الطعام في النملية، وتبريد المياه في الأواني الفخارية".
اللجوء إلى الطاقة البديلة ليس حلاً مجدياً، فمعظم السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأسعار البطاريات وألواح الطاقة الشمسية مرتفعة جداً، وتزويد المنزل بالكهرباء بواسطة الطاقة البديلة يتطلب مبلغاً يتراوح بين 700 و1500 دولار أمريكي، لا يقوى الكثير على تأمينها.
ألم تصل الكهرباء بعد؟!
منذ ست سنوات، ينتظر سكان حي الحرامية عودة التيار الكهربائي، ولكن لغاية اليوم لم يتم ذلك، ويعتمد السكان على مولدات "الأمبيرات"، والتي يقول عنها أبو فارس (56 سنة) إنها غير مجدية، وتتعطل باستمرار.
وتوجد في الرقة 320 مولدة خاصة وفقاً لـ"مكتب الأمبيرات في البلدية"، تزود أحياء المدينة بالتيار الكهربائي، لمدة تتراوح بين 5 و9 ساعات في اليوم، مقابل اشتراك يتراوح بين 5 و10 آلاف ليرة سورية أسبوعياً.
يحدثنا أبو فارس: "لا يكاد يمر أسبوع إلا وتحدث مشكلة في الأمبيرات، إما بسبب عطل في المولدة كما يقول مالكها، أو بسبب عدم توفر المحروقات، وبالفترة الأخيرة توقفت كل الأمبيرات بسبب المعارك في دير الزور، حيث انقطع الطريق ولم تصل المحروقات للرقة".
ويضيف أبو فارس بأن معظم السكان يشتركون بـ 2 أو 3 أمبير فقط، لارتفاع تكلفتها.
شاهد: مع دخول الشتاء.. المطر يغرق الشوارع في الرقة
ويتابع: "كهرباء الأمبيرات لا تشغل سوى الإنارة والتلفاز والثلاجة في أحسن الأحوال، لا تستطيع تشغيل جهاز تكييف أو سخّان أو أي جهاز إضافي، أما الكهرباء النظامية تحل الكثير من المشاكل، وتستطيع تشغيل الكثير من الأجهزة وتكون مرتاح في بيتك".
ويختم أبو فارس متهكماً "الكثير من أحياء المدينة وصلتها الكهرباء النظامية ونحن مهملون تماماً، هل لأن اسم حارتنا هو (حي الحرامية)؟ هو مجرد اسم للحي، نحن لسنا كذلك! يا لجنة الطاقة لا تخافي لن نسرق شيئاً منكم".
"على ناس وناس يا كهرباء"
تتفاوت خدمة الكهرباء النظامية بين أحياء المدينة، معظم الأحياء تصلها الكهرباء لـ 3 إلى 4 ساعات في اليوم، أما الأحياء التي يوجد فيها "نظام الاستثمار"، فتصل ساعات التشغيل فيها إلى حوالي 9 ساعات يومياً.
بعد وصول الكهرباء النظامية لشارع أبو الهيس قررت سعاد (40 سنة) إلغاء اشتراك "الأمبيرات"، بغرض توفير المصاريف، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع الدخل بالنسبة للكثير من السوريين.
لاحقا، شعرت سعاد بالندم بعد ذلك، لأن ساعات تشغيل الكهرباء النظامية أصبحت أقل، وعندما حاولت إعادة اشتراك "الأمبيرات" رفض مالك المولدة ذلك، لأن المولدة وصلت لأقصى حد ولم تعد تتحمل المزيد من الاشتراكات.

تقارن سعاد وضع الكهرباء مع الحي الذي تسكن فيه، مع أحياء أخرى تصل فيها ساعات تشغيل الكهرباء و"الأمبيرات" إلى أكثر من 12 ساعة يومياً.
وتتساءل: "لماذا هذه التفرقة؟ أحياء تصلها الكهرباء ساعتين في اليوم، وأحياء أخرى تتنعم بالكهرباء؟ عدا عن الخطوط الخدمية لبعض المسؤولين الذين تعمل لديهم الكهرباء 24 ساعة، بينما لا تصلنا سوى ساعتين أو ثلاثة على الأكثر".
ريف الرقة.. "الكهربا مثل قلتها"!
لم تتضرر شبكات الكهرباء في الريف بشكل كبير خلال الحرب مثل مركز المدينة، والكهرباء النظامية وصلت لكل الريف كما يؤكد مجلس الرقة المدني.
رغم ذلك، يقول معتز (28 سنة) المقيم في قرية شرقي الرقة، لروزنة، أن ساعات التشغيل قليلة جداً وتتراوح بين ساعتين وأربع ساعات.
ويرى معتز إن الفرق بين المدينة والريف هو وجود مولدات الأمبيرات بالمدينة، "في الريف نعتمد بشكل كامل على الكهرباء النظامية، وهي مثل قلتها (لا نفع لها)، لا تصلنا إلا ساعتين وبالكثير 4 ساعات في فترة المساء".
ويشير: "بعض الناس كرهوا بيوتهم في الريف وانتقلوا للعيش في المدينة بسبب هذا الأمر".
انخفاض منسوب مياه السدود..
ويعتمد تشغيل الكهرباء في محافظة الرقة على السدود المائية، والتي تراجع منسوب المياه فيها خلال السنوات الماضية، نتيجة تقليل الوارد المائي من الجانب التركي، مخالفاً بذلك الاتفاقيات الخاصة بالمياه وفقاً للإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا.
ويؤكد محمد العبد الله نائب رئيس "لجنة الطاقة في مجلس الرقة المدني" أن انخفاض المنسوب أدى لتقنين الكهرباء، باعتباره المصدر الوحيد للطاقة.
ووصلت الكهرباء النظامية إلى 80% من أحياء مدينة الرقة بالإضافة لكامل قرى وبلدات الريف، والعمل جاري حالياً بهدف إنارة ما تبقى من أحياء في المدينة، وفقاً للعبدالله.

ويلفت: "حالياً انتهينا من أعمال شبكات التوتر المنخفض في حارة البدو، وتأهيل مركزين قرب شركة الكهرباء، وبالقريب العاجل ستدخل المحولات وتصل الكهرباء إليها، كما يتم العمل على الجمعيات قرب المستشفى الوطني".
ويوضح العبد الله أن هناك عقبات تواجه العمل لإيصال الكهرباء النظامية للمدينة، وهي نقص الأيدي العاملة والفنيين بالإضافة لنقص في الآليات، "وهناك سرقات وتعدي على الأملاك العامة من محولات وشبكات كهرباء في المدينة والريف، وهذه عقبة كبيرة تعترض عملنا، بسبب صعوبة توفير مواد بديلة".
ويشير العبد الله بأنه لا توجد فترة محددة لانتهاء أعمال تأهيل الكهرباء في كافة أنحاء المدينة، فالأمر يعتمد على الإمكانيات المتوفرة لدى اللجنة.
وبخصوص نظام الاستثمار فهو يعتمد على جلب مستثمرين لخدمة الكهرباء في كل حي، يقومون بتمديد الشبكات والجباية من الأهالي، وتشغيل فترة تتراوح بين 7 و9 ساعات يومياً، حسب ما قال.

وتبلغ فاتورة الكهرباء في الأحياء التي دخل إليها نظام الاستثمار 10 آلاف ليرة سورية مقابل 10 أمبيرات، ويتضاعف المبلغ في حال مضاعفة عدد الأمبيرات.
وعن هذا يشرح العبد الله إن تجربة الاستثمار نجحت، والعمل جارٍ على تعميمها لكل أنحاء المدينة.
ويتابع: "سبب زيادة الساعات في مناطق الاستثمار هو الالتزام بقواطع الـ 10 أمبير وتخفيف الحمولة الزائدة، بينما في الأحياء التي لا يوجد بها استثمار هناك استجرار عشوائي للشبكة ما يؤدي لنقص في ساعات التشغيل".
وأما المناطق التي دخل لها نظام الاستثمار هي كل من "الصناعة، رميلة، التل الأسود، شارع القطار القسم الشمالي، منطقة التصحيح، الدرعية الشرقية، وحي الفرات".
خدمة الكهرباء والتي تعد حقاً أساسياً، أصبحت حلماً بالنسبة للكثيرين في محافظة الرقة ومناطق سورية أخرى لا يختلف فيها الوضع كثيراً، حيث يبحث السوريون عن أبسط مقومات الحياة الكريمة.
الكلمات المفتاحية