أجهزة تتبع المواصلات في سوريا: "لا خير منها.. استغلال وسرقات"

حافلات نقل عام صغيرة "سرافيس" في سوريا - موقع رئاسة مجلس الوزراء
حافلات نقل عام صغيرة "سرافيس" في سوريا - موقع رئاسة مجلس الوزراء

خدمي | 19 يوليو 2023 | أحمد خضور 

عندما أصدرت "وزارة النقل السورية"، في شهر آب الماضي، قراراً يلزم جميع سائقي وسائل النقل العامة، بتركيب أجهزة التتبع "gps"، لتتبّع حركتهم، استبشر السوريون خيراً.


لتأتي الصدمة لاحقاً، بعد تعرّض المواطنين للاستغلال من قبل سائقي "السرافيس" (حافلات النقل الصغيرة) من حيث التسعيرة، الذين يتذرعون بـ"الغلاء وقلة المخصّصات"، في ظل انتشار الفقر بين معظم السوريين.

القرار بدأ تطبيقه العام الفائت في دمشق وريفها وبعدها في بقية المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، بهدف ضمان نقل المواطنين والحد من بيع الوقود في السوق السوداء.

مساعدة للمواطنين أم جباية للأموال!

عند بدء تطبيق القرار ألزمت وزارة النقل سائقي "السرافيس" في محافظة دمشق، العام الفائت، بتركيب أجهزة تتبع الآليات العامة، بواسطة شركة "محروقات" المنفذة للمشروع.

ومنعت آنذاك دمشق وريفها السائقين من التزود بالوقود عبر البطاقة الذكية، في حال لم يدفعوا 350 ألف ليرة ثمن جهاز التتبع، إضافة إلى 30 ألفاً ثمناً للمعاملة والطوابع، لتصل التكلفة إلى 380 ألفاً، وفق صحيفة "الوطن".

 محمد، سائق سرفيس على أحد خطوط اللاذقية، يقول لروزنة: "لن تطرح الحكومة مشروعاً أو قراراً لا تستفيد منه".

وبرأيه أن القرار محاولة لسحب النقود من المواطنين، حيث يباع الجهاز بثلاثة أضعاف سعره الحقيقي، إذ يبلغ ثمنه 350 ألف ليرة سورية، إضافة إلى اشتراك شهري بقيمة 2500 ليرة سورية.

يتحدث محمد بغضب وقلة حيلة: "مهنتي شاقة وشبه خاسرة (…) هنالك مدفوعات أضطر لدفعها كتبديل زيت المركبة وإصلاحها وصيانتها بشكل دائم، هذه الأمور لم تدخلها الحكومة بحساباتها في تسعير أجرة الركوب".

كيف يعمل جهاز التتبع؟

يركّب جهاز التتبع "gps" ضمن وسيلة النقل، وهدفه تحديد مكان السيارة وسرعتها والمسافة التي تقطعها، وكمية الوقود الموجود فيها ومتى أقلعت أو توقفت، وكم توقفت، إضافة لكل معلومات السيارة وأجهزتها التقنية، وفق ما أوضح لروزنة، مهندس الميكانيك علي، الذي فضل عدم ذكر اسم عائلته.

وفي حال خرجت الشبكة عن الخدمة، يستمر الجهاز بتسجيل المعلومات ويرسلها عند عودة الاتصال بالشبكة. 

ويتابع المهندس علي: "يوصل الجهاز ببطارية السيارة أو بطارية الجهاز نفسه بحيث يبقى يعمل،  وفي حال مخالفة السائق للسرعة المسموحة يرسل الجهاز تقريراً بذلك ويتم حفظها في سجلات مديريات النقل في المحافظات".

ويصل عدد السرافيس في دمشق وحدها إلى 8510 سرافيس، إضافة إلى 176 باصاً للشركات الخاصة، و140 باصاً لشركة النقل الداخلي، أما الريف فيضم 8 آلاف سرفيس، ضمنها 3 آلاف سرفيس تحصل على وقودها من دمشق، بحسب جريدة "الوطن".

اقرأ أيضاً: "خليك بالبيت".. أزمة مواصلات في اللاذقية بسبب "مخصصات السرافيس"

التفاف على القرار

رواد، طالب جامعي في اللاذقية، يقطن في ريف المحافظة، يقول لنا بأنه يعاني الأمرين كلما ذهب إلى جامعته، إذ لا يستطيع التغيب عن محاضراته في حين لا تساعده الظروف ووسائل النقل على الالتزام بالدوام.

يشرح لروزنة: "استبشرنا خيراً عند صدور قانون التتبع وتوقعنا أنّ أزمتنا انتهت، لكن الواقع عكس ذلك تماماً، فالسائقون يعملون حتى ساعة محددة ثم يتوقفون عن العمل بحجة انتهاء مخصصاتهم".

وفق رواد، على السائق تجاوز كيلومترات محدّدة كل يوم على خط سيره نفسه ليسمح له بتعبئة مخصصاته من الوقود، ويفترض أن تكون هذه الطريقة ضابطاً ورقيباً على السائقين.

سائقون يحتالون

بعض السائقين يعملون ابتداءً من الظهيرة ويتقاضون ضعف الأجرة بحجة أنّ المخصصات بالسعر المدعوم لديهم انتهت، وأنهم يقودون مركباتهم باستخدام وقود من السوق السوداء، وهكذا يعملون بمخصصاتهم ولكن يتقاضون أجوراً مضاعفة.

ويبلغ سعر ليتر البنزين 8600 ليرة سورية،  في حين يبدأ سعر ليتر البنزين في السوق السوداء بدمشق من 13 ألف ليرة وقد يصل إلى 20 ألف ليرة، ما يجعل أي خط توصيل مهما قل عدد كيلومتراته، مكلفاً جداً. 

ومن طرق الاحتيال الأخرى،حسب رصد معد المادة، يتبادل السائقون أجهزة التتبع فيما بينهم وبذلك يسير جهاز التتبع وفق المسار المحدد، ويستطيع السائق تعبئة مخصصاته وبيعها في اليوم التالي بسعر السوق السوداء.

 جهاز التتبع لديه بطارية خاصة به يستطيع أي شخص وضعه في جيبه ونقله عبر خط السرفيس، فيبدو وكأن السائق قد قطع الطريق المخصص له.

 لم يستطع كل السائقين تنفيذ تلك الحيلة،  فكل فترة توقف شرطة المرور سائقين وبحوزتهم أجهزة تتبع لرفاقهم ينقلونها معهم خلال العمل، ووصل العدد في إحدى المرات لـ 90 جهاز واحتجزت الشرطة 5 سرافيس.

عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية في محافظة دمشق، محمد قيس رمضان، قال في تصريحات صحفية، الشهر الجاري، إن نزع الجهاز وتركيبه على آلية أخرى يعتبر جرماً جزائياً كبيراً ويعرض صاحبه للحبس ما بين 5 إلى 7 سنوات.

 عملية تعبئة البنزين سابقاً؟

سابقاً كان يضطر كل السائقين للتنقل من محطة وقود لأخرى والانتظار لساعات، وأحياناً لمدة تصل اليومين لتعبئة خزان المركبة بالكامل بسبب انقطاع مادة البنزين. 

عندما انطلق العمل بنظام البطاقة الذكية (تكامل) في آب 2018، حددت وزارة النقل محطة وقود محددة يشتري السائق منها وقوداً، وفق رسالة تصله على هاتفه المحمول.

حتى هذه الطريقة لم تكن مجدية إذ خلقت أزمة بين مركبات النقل العامة وبين مركبات النقل المخصصة لنقل الناس (سرافيس وباصات نقل داخلي). 

بعد ذلك أصبحت تعبئة "السرافيس" وحافلات النقل الداخلي وحافلات "البولمان" (لشركات السفر) من المحروقات، حصراً في كراج كل مدينة، عبر محطة وقود استحدثت مؤخراً، مع تحديد كمية من الليترات يومياً لا يحق للسائق تجاوزها.

وأجبر سائقو السرافيس على الحصول على توقيعين من موظف ضمن الكراج في كل نقلة عبر خط تنقل السرفيس، وفق رصد روزنة.

"رشوة لعمال محطات الوقود والشرطة"

مازن، مواطن من اللاذقية، يستخدم المواصلات العامة بشكل متكرر، يقول إن هذه الطريقة نفعت لأسبوعين على الأكثر وبعدها بدأ السائقون بالحصول على توقيع واحد وتعبئة مخصصاتهم ومن ثم بيع المخصصات، إضافة لدفع رشوة لعمال الكازية وشرطة الكراج. 

وحتى هذه الطريقة لم تثمر مع السائقين، إذ خُفضت مخصصات السرافيس، وحرموا من المخصصات في يوم الجمعة ونصفها في يوم السبت، وأيام العطل الرسمية، "بحسب مزاج وزارة النقل التي تمنح المخصصات أو تمنع."، على حد وصفه.

وبين الحين والآخر تحصل أزمة كبيرة في المواصلات ويضرب السائقون عن العمل، أو تكثر مشاهد انتظار الموظفين وطلاب الجامعات في الطرقات لوسيلة نقل تقلهم إلى منازلهم، مع إهدار الكثير من الوقت من نهارهم، والجهد على حد سواء.

وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 90 بالمئة من السوريين هم تحت خط الفقر.

ووصل متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية المكوّنة من خمسة أفراد، نهاية شهر آذار الماضي إلى ما يقارب الـ 5.6 مليون ليرة، كما ارتفعت تكاليف المعيشة منذ كانون الثاني الماضي إلى آذار ما نسبته 41 في المئة، بحسب دراسة نشرتها جريدة "قاسيون" التابعة لـ"حزب الإرادة الشهرية".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق