حضر بشار الأسد إلى جدة ليشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية بعد تعليق مشاركته لمدة 12 عاماً على إثر قمع المظاهرات المناهضة له في عام 2011، حيث تعتبر القمة العربية 32 نقطة تحول في العلاقات مع النظام السوري بعد كل هذه القطيعة.
هذه العودة لم تلق ترحيباً من بعض مناهضي بشار الأسد خصوصاً قاطني المخيمات والنازحين والمقيمين في شمالي سوريا وفي بلدان اللجوء، لعدم وضوح خطوات التقارب الجديدة في ظل توقف العملية السياسية الأممية.
اقرأ أيضاً: مبادرة "خطوة بخطوة" تعيد سوريا للجامعة العربية.. تعرف عليها

غياب القرار 2254 عن البيان الختامي
أغفل البيان النهائي القرار الأممي رقم 2254 والدعوة إلى إنجاز حل سياسي في سوريا واكتفى بالترحيب بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها.
وأمل البيان في أن تسهم هذه العودة في دعم استقرار سوريا، والحفاظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وأهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدتها على تجاوز أزمتها، اتساقاً مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة.
وكان الملك عبدالله بن الحسين الثاني أكد في بيانه على ضرورة العمل على إنجاز مبادرة خطوة بخطوة التي تقدمت بها الأردن، والتي كانت بوابة عودة النظام السوري إلى شغل مقعد سوريا مقابل المضي قدماً في الحل السياسي المبني على القرار الأممي 2254.
كيف قرأ سوريون معارضون تلك العودة؟
تصدرت قضية إعادة اللاجئين في البلدان المجاورة إلى سوريا صدارة التصريحات العربية والبيانات التي قدمها الحكام العرب في القمة دون التطرق للأسباب التي تسببت بتهجيرهم.
وتحدث رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي خلال كلمته أمام الجامعة العربية عن ضرورة عودة اللاجئين السوريين من لبنان، بسبب ما وصفه "عدم قدرة لبنان على استيعاب الأعداد المتزايدة للاجئين".
في تصريح لـ "روزنة" قالت السورية الأمريكية شادية مارتيني، المرشحة السابقة لمجلس نواب ولاية مشيغان الأمريكية عن الحزب الديمقراطي: "لا يمكن لشخص يحترم نفسه أن يصافح مجرماً بحق شعبه…المشكلة الوحيدة هي أن نتوقف عن العمل ضد هذا النظام لأننا ما دمنا مستمرين، فقضيتنا مستمرة".
على عكس المناخ العام السائد، قال الكاتب الصحفي السوري عبد الله أمين حلاق، الذي يقيم في إيطاليا، إن ما حصل أمر طبيعي، وهي ليست المرة الأولى في تاريخ القمم العربية، بل ربما ترقى إلى أن تكون عرفاً عربياً.
ليس ثمة خصوصية سورية في الموضوع يضيف الحلاق ويتابع: "لا أعتبر ما حصل مؤامرة على الشعب السوري أو خيانة له، كما يروج سوريون كثر. فالعيش في المظلومية عدمي، وكلمات مثل المؤامرة والخيانة ليست مصطلحات سياسية، ولا تنتج ثقافة سياسية جديدة تساعد على فهم واقعنا وأزمتنا".
ويوضح حديثه بالقول: "فيما يتعلق بما يسمى تطبيعاً مع النظام السوري، لنتذكر أنه ما يزال حتى اللحظة هو ممثل سوريا في الأمم المتحدة من خلال مندوبه الدائم فيها، رغم شبه الإجماع الدولي على دعم الثورة السورية في البدايات، وما شهدته الأمم المتحدة نفسها من سجالات وجدالات ومشاريع القرارات ذات الصلة بسوريا. ولكن السؤال الأهم برأيي هو: هل سينتج عن حضوره القمة أي مردود سياسي يستفيد منه؟ لا أعتقد ذلك".
وتوقع أن تستمر القرارات الأمريكية المتلاحقة "غالباً" في ملاحقة أي فرصة للتطبيع مع الأسد ونظامه، "وستغلق هذه الأبواب بالتدريج إلى أن تحين لحظة الحل النهائي والطاولة الدولية لوضع حد لما يحصل في البلاد. حتى الآن ليس هناك ما يشير إلى توجه دولي للتطبيع مع النظام بعد كل جرائمه، ولا أعتقد أن هذا سيطرح لاحقاً في أي وقت".
بينما كان للناشط الحقوقي، المحامي ياسر السليم، أحد مهندسي لافتات كفرنبل سابقاً، والذي يعيش اليوم في فرنسا، رأي آخر، حيث اعتبر أن إعادة النظام إلى الجامعة العربية هي محاولة لتحريك الجمود الذي وصل إليه الوضع السوري.
وأوضح وجهة نظره بأن المطمئن في الأمر ما جاء في كلمات بعض قادة الدول العربية، وذلك بتسليطهم الضوء على أن يكون الحل النهائي وفق قرار الأمم المتحدة 2254، "ويبقى هذا المسار أفضل من مسار سوتشي، الذي سلّم سوريا للنظام بدون أية خطوة مقابلة منه".
قد يهمّك: "سوريا لا يمثّلها بشار".. مظاهرات تستنكر حضور الأسد للقمة العربية

وفي حين تراهن بعض الدول العربية على عودة النظام السوري، لتقديم ما يمكن تقديمه في وقف تهريب المخدرات إليها، يعتبر البعض أنه لن يقدم لهم شيئاً.
تزامن عقد القمة العربية في جدة مع انطلاق مظاهرات في عدة مناطق من شمالي غربي سوريا، احتجاجاً على إعادة النظام السوري لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية.
واستنكر المتظاهرون خلال مظاهرات أطلقوا عليها "سوريا لا يمثلها بشار"، بحضور رئيس النظام السوري بشار الأسد ممثلاً عن سوريا في القمة العربية بمدينة جدة، مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين من السجون.
وبحسب رئيس "رابطة الإعلاميين السوريين" عمر حاج أحمد، الذي يقيم في مدينة إدلب فإن عودة بشار الأسد للجامعة العربية لا قيمة سياسية منها، ولا تشكل دفعة اقتصادية قد تُغيّر الواقع الاقتصادي المزري لنظامه، والدليل أن الليرة السورية تهاوت أكثر بعد مرحلة بدء التطبيع عما كانت عليه من قبل، وربما يكون ذلك تمهيداً لمرحلة قادمة، ترتكز على تعويم الأسد عربياً، وقد يؤثر ذلك على القرارات والحلول الدولية.
وتحدثت لـ"روزنة" الناشطة الحقوقية حلا إبراهيم، والتي تقيم في مدينة الدانا شمالي إدلب، قائلة: "الجرائم التي ارتكبها النظام السوري مازالت موجودة وموثقة حتى الآن لدى المنظمات الحقوقية، إلا أن ما قامت به الجامعة العربية هي آخر محاولات الحل السياسي في سوريا، في ظل غياب أي ممثل حقيقي معترف به دولياً للمعارضة، ما اضطرهم لإعادته لطي الملف السوري".
وانتهت، يوم الجمعة، أعمال القمة العربية الـ32 ببيان ختامي يتحدث في العموميات، دون الخوض في تفاصيل القضايا العربية الهامة، وبحضور رئيس النظام السوري بشار الأسد، لأول مرة منذ 12 عاماً.
الكلمات المفتاحية