ساعات عمل طويلة لا تمنح ميسم (39 عاماً) الوقت لمحاولة إيجاد مصدر دخل آخر، وهو الذي يعمل ممّرضا في أحد مستشفيات العاصمة دمشق، براتب شهري يقدّر بمئة ألف ليرة سورية (نحو 11 دولاراً).
"كممرض لا أملك رفاهية العثور على عمل إضافي بسبب عملي الشاق والطويل"، يقول ميسم، فدخله الشهري "لا يكفي مصروف لأحد أطفاله" في ظل التضخم المعيشي والاقتصادي بالبلاد.
فكرة.. مجرد فكرة لإضراب عام!
ناقش ميسم وأصدقاؤه فكرة الدعوة لإضراب عام في سوريا، بسبب ضعف الرواتب وعدم كفايتها، مع متطلبات الحياة القاسية، لكن تخلّوا عنها خوفاً من الاعتقال و"الذهاب ما وراء الشمس" (مصطلح محلي للدلالة عن الاعتقال في سجون النظام).
قدّم ميسم طلب الاستقالة لإدارته عدة مرات، وفي كل مرة يأتي الرد "مع الرفض"، ما دفعه لطلب "إكرامية" من المرضى: "لا أخجل من فعل ذلك وبشكل علني، حتى لو تعرّضت للعقاب.. أصلاً، أتمنى أن تطردني الإدارة من الوظيفة".
ويبلغ عدد الممرضين في سوريا نحو 64 ألفاً في عام 2022، بحسب نقيب التمريض والمهن الطبية والصحية المساعدة، يسرا ماليل، في انخفاض نسبته نحو 35 بالمئة عن عام 2019، إذ كان عدد الممرضين والممرضات في سوريا نحو 100 ألف شخص، حسب إحصاءات سابقة.
رئيس نقابة التمريض والمهن الصحية في ريف دمشق، عدنان يونس، اعتبر أن التمريض هي "الفئة الأكثر ظلماً" من الفئات التي تعمل ضمن المستشفيات، خلال تصريح لصحيفة "الوطن" في نيسان 2022.
"المستشفيات قائمة على أكتاف الممرضين، إذ يعمل الممرض بمهمات مختلفة ولكن بنفس الأجور المتدنية، مقابل ثماني ساعات عمل يومياً" وفق يونس.
اقرأ أيضاً: شاورما وحضن أم.. أطفال الشوارع في سوريا يحلمون بأبسط حقوقهم

إجازات بلا راتب.. "ميؤوس منها"
رزان ( 37 عاماً)، تملكها اليأس خلال التقديم المتكرر لطلب إجازة بلا راتب من المستشفى ذاته، حيث ترغب باللحاق بصديقتها التي تعمل في ليبيا براتب يتجاوز 700 دولار شهرياً، ومع إقامة مؤمنة.
لا تحصل رزان سوى على مئة ألف ليرة سورية شهرياً، وربما تصل إلى 250 ألف في أحسن الأحوال، حال صادفت مرضى "دفيعة"، على حد وصفها، في إشارة منها إلى "الإكرامية" التي يدفعها مرافقو المرضى.
ويبلغ متوسط تكاليف معيشة أسرة مكوّنة من خمسة أفراد، وفقاً لـ"مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة" إلى 4 ملايين ليرة سورية (وصل الحد الأدنى لتكاليف المعيشة للأسرة السورية إلى 2,507,611 ليرة سورية). ويتسارع هذا الارتفاع في التكاليف وسط وقوع أكثر من 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.
تشرح رزان أن المشكلة ليست فقط في قلة الراتب، فتلك مشكلة عامة في سوريا: "المشكلة أننا نحن الممرضون والممرضات في مستشفيات وزارة الصحة لا نحصل على أي طبيعة عمل أكثر من ستة آلاف ليرة شهرياً، ولا أي مكافأة، بينما زملاؤنا في مستشفيات وزارة التعليم يحصلون على مكافآت وطبيعة عمل توازي راتبهم أو تزيد عنه للضعف شهرياً".
تتساءل الممرضة: "لماذا تحصل زميلتي في المستشفى القريب بالبلد ذاته، على ثلاثة أضعاف، ونحن نقوم بالعمل ذاته".
وفشلت كل مطالبات الممرضين والممرضات، أن تتم معاملتهم بطريقة واحدة، رغم الوعود المتكررة من وزارة الصحة بحل مشكلتهم في القريب العاجل، تسخر رزان: "هالقريب العاجل صرلوا سنتين وما عرف يوصل".
نصف الراتب مواصلات!
دعاء (29 عاماً) تنتظر بفارغ الصبر انتهاء سنوات العقد الملزم، لتقدم طلب استقالة، رغم أنها غير متأكدة من قبوله "لكنها ستعمل ما بوسعها"، خصوصاً أنها تعيش في اللاذقية وتعمل في ريف دمشق.
وتعمل دعاء في مستشفى حكومي بريف دمشق، بنظام الورديات، أي تذهب مرة واحدة شهرياً وتقيم في المستشفى لمدة أسبوع، وهذا ما يكلفها أجور نقل تطيح بنصف راتبها تماماً.
توضح دعاء بحسرة: "لم أترك وسيلة إلا وجربتها ليوافقوا على طلب نقلي، ودائماً كان الطلب يأتي مع الرفض، على الرغم من أن مهنة التمريض شاغرها محدث، بمعنى أنه يحق لنا الانتقال كون كل المستشفيات تعاني من نقص الكادر التمريضي".
وفي أيار الجاري، ذكر رئيس نقابة التمريض والمهن الطبية والصحية في حماة، حيان يوسف، عن إنفاق الممرضين لـ70 بالمئة من رواتبهم على المواصلات، بسبب أزمة المحروقات المستمرة منذ سنوات، وفق موقع "أثر برس".
قد يهمك: "من حقي أن أعيش".. سوريون رفضت حكومة النظام طلبات استقالاتهم!

لا نقابة تمريض "تضمن حقوقنا"
يطالب عدد كبير من الممرضين والممرضات، بتفعيل نقابة التمريض، التي أعلن عنها بموجب مرسوم رئاسي يحمل الرقم 38 لعام 2012.
ورغم وجود مرسوم بها إلا أنها لم تُفعّل وبقيت حبراً على ورق، دون حتى انتخاب نقيب لها.
نبيل ( 37 عاماً ) وهو ممرض في أحد مستشفيات العاصمة، يقول: "إن تفعيل نقابة التمريض، يعني وضع نظام داخلي ومالي وهو ما يضمن حقوق الممرضين والممرضات".
ويضيف نبيل، أن مرسوم إحداث نقابة التمريض الذي صدر منذ 2012، لم تصدر تعليماته التنفيذية إلا بعد أربع سنوات، عام 2016، "ومع ذلك ورغم تفاؤلنا حينها، إلا أن النقابة لم تُفعّل وليس لها أي وجود".
تعدّي على المهنة
يتطلع نبيل والعديد من الممرضين والممرضات إلى إقرار النقابة وتفعيلها، ويرون أنها ستساعدهم في تحسين رواتبهم وحوافزهم، وتحصيل حقوقهم، كما أنها ستضمن عدم وجود دخلاء على المهنة.
"كنت شاهداً كيف تحوّل حارس على باب المستشفى، إلى ممرض بعد أن تعلم كيف يعطي الحقن!"، وفق الممرض المستاء.
يتحدث نبيل أيضاً أن " أي موظف أو موظفة في المستشفى يستطيعون أن يصبحوا ممرضين فيها، باتباع بعض الدورات أو حتى باللجوء إلى واسطاتهم، وفي هذا خطر كبير على حياة المرضى، لكن لو كان هناك نقابة فاعلة فإن مثل هذا الخطأ لن يجد طريقه ليصبح واقعاً".
يسرا ماليل، نقيبة التمريض والمهن الطبية والصحية المساعدة بالمجلس المؤقت، تصر على أن النقابة مفعّلة، إذ قالت في تصريحات نقلتها "الوطن" المحلية، إن النقابة مفعلة بدليل وجود فروع لها في المحافظات.
في اللقاء ذاته، ذكرت ماليل إنهم كانوا يعملون (العام الفائت)، على وضع النظامين الداخلي والمالي للنقابة، على أن يسلم خلال أسبوع واحد لوزارة الصحة، ومنذ ذلك الوقت لا جديد حول الأمر.
"نقابات وهمية بعثية"
تيماء ( 34 عاماً) تسخر كثيراً من فكرة وجود نقابة، وتتساءل ما الذي يمكن أن تقدمه لهم،: "ماذا قدمت نقابة المحامين للمحامين، ونقابة العمال للعمال، دعونا لا نضحك على أنفسنا، كلها نقابات وهمية تابعة لحزب البعث الوصي عليها، ولن تخرج عنه، بالتأكيد لن تسمح لنا النقابة بالإضراب عن العمل، ولن تطالب بحقوقنا فلماذا نريدها؟".
تختم تيماء وهي ممرضة في أحد مستشفيات مدينة حمص حديثها قائلة: "ربما تساعدنا بإحداث صندوق تقاعد، وهذا كل ما تستطيع فعله".
هموم ومطالب الممرضين والممرضات واحدة على امتداد المحافظات السورية، الراتب قليل لا يكفي، ولا سبيل لممارسة أي عمل آخر، والحل الوحيد المتاح لدى الكادر التمريضي، هو طلب الإكرامية من المرضى، الذين هم أساساً يعيشون حالة فقر مدقع، وإلا ما الذي يدفعهم لزيارة مشافي الحكومة؟.
استقالات بالجملة
مصدر في اتحاد العمل قال لصحيفة "الوطن" المحلية مطلع العام الجاري، إن 31 ممرضاً وممرضة، تقدموا بطلب استقالتهم في محافظة اللاذقية بسبب تدني الدخل، وعدم تغطية رواتبهم حتى لمصاريف التنقل والوصول إلى عملهم.
وفي سوريا لا يتجاوز راتب الممرض/ة الـ100 ألف ليرة شهرياً في مستشفيات وزارة الصحة، وقد يتضاعف الراتب لثلاث مرات في مستشفيات وزارة التعليم العالي، كونها هيئات مستقلة، تقدم خدمات مأجورة للمرضى.
وشهد قطاع التمريض نزيفاً كبيراً، وغادر الكثير منهم البلاد بحثاً عن فرص عمل أفضل، وغالباً ما تكون الوجهات محدودة، العراق، ليبيا، اليمن، الصومال، حيث يتقاضى الممرضون رواتب تتراوح بين 500 وحتى 1500 دولار شهرياً، مع مزايا مثل السكن والطعام.
الكلمات المفتاحية