من الخرطوم إلى جدة.. رحلة مجهولة للمئات قد تنتهي بسوريا

سوريون ينتظرون في مدينة بورتسودان السودانية لإجلائهم إلى السعودية - روزنة
سوريون ينتظرون في مدينة بورتسودان السودانية لإجلائهم إلى السعودية - روزنة

اجتماعي | 27 أبريل 2023 | إيمان حمراوي

لم يكمل كامل، الشاب السوري شهراً كاملاً في الخرطوم، بعد مجيئه من سوريا، حتى اندلعت الاشتباكات، التي دفعته أمس الأربعاء، إلى النزوح لمدينة بورتسودان الساحلية شرقي البلاد، من أجل الانضمام إلى رحلة الإجلاء من قبل السعودية لمدينة جدة، مثل مئات السوريين، هرباً من نيران الحرب.


"تمنيت بناء مستقبل جديد خالٍ من المعاناة والإرهاق والحروب خارج سوريا، لكن الأقدار لم تشأ ما تمنيت، تفاجأت بحرب من نوع آخر في الخرطوم بعد أيام معدودة من وصولي إليها" يقول كامل.

ويواجه مئات السوريين المقيمين في السودان، معظمهم في الخرطوم، مستقبلاً مجهولاً، بعدما أجبرتهم الاشتباكات الدائرة في البلاد منذ 13 يوماً بين الجيش السوداني وقوات الرد السريع، على النزوح، إلى ولايات أخرى.

نسبة كبيرة من السوريين يتوجهون إلى مدينة بورتسودان الساحلية ينتظرون إجلاءهم إلى مدينة جدة السعودية، بعيداً عن الاشتباكات، لكن ما بعد الوصول إلى جدة مجهول، لا يعلمون إن كانوا يستطيع الدخول إلى دولة أخرى أو العودة إلى سوريا.
 

خلال 12 يوماً من الاشتباكات بين الطرفين المتنازعين "قوات الرد السريع  التي يقودها محمد حمدان دقلو، وقوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان"، تخلّلها ثلاث هدن منتهكة، علق كامل في المنزل مع أصدقائه.

أثناء ذلك، بدأ الطعام والشراب ينفد، وحتى الأموال، إلى أن قرّر السفر كما الكثيرين إلى مدينة بورتسودان التي تبعد 842 كيلو متراً عن الخرطوم، والتي يتم منها إجلاء المدنيين من جميع الجنسيات، بما فيهم السوريون.

سافر كامل من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان شمال شرقي السودان، أمس الأربعاء، في رحلة نزوح استغرقت أكثر من 14 ساعة، في سبيل النجاة بنفسه، و"البدء بطريق مجهول".

وحين الوصول إلى بورتسودان، أعداد غفيرة كانت تنتظر قدوم السفن لإجلائهم، في الشوارع والأراضي وفي كل مكان على ساحل "مدينة الإجلاء" كما أسماها كامل، منهم من انتظر 5 أيام، كان مشهداً مفاجئاً، يقول.
 

على ساحل تلك المدينة تأتي السفن السعودية لإجلاء المدنيين من مختلف الجنسيات، بعد التسجيل على قوائم الإجلاء، وأمس الأربعاء، قدم موظفون من سفارة النظام السوري في الخرطوم، لتنظيم قوائم الإجلاء.

 "الوضع أصبح أسوأ من قبل مع وصول موظفي السفارة" يقول أحمد، هو أيضاً شاب سوري سجل اسمه على القائمة، يجلس مع المنتظرين في ظل درجات حرارة تصل إلى الـ 47 درجة نهاراً.

ويضيف: "قبل وصول موظفي السفارة أجلت السفن السعودية مدنيين من مختلف الجنسيات بما فيهم السوريون، لكن مع وصولهم كأن الفوضى عمّت المكان، وتوقف الإجلاء، لا نعلم ما السبب".

أما كامل علم من ضباط البحارة السعوديين أن: "السفارة  السورية لم تتفق مع السفارة السعودية، لذلك لم يتم تنسيق قوائم إجلاء السوريين إلى الآن" ويضيف، "لا تجد سوى السوريين واليمنيين ينتظرون، اللبنانيون وغيرهم من الجنسيات تم إجلاؤهم".

ما عدا الانتظار، "موظفو السفارة السورية يعاملون السوريين معاملة سيئة، يحاولون إذلالهم، على عكس موظفي السفارة السعودية التي تجد منها المعاملة الراقية"، يشرح كامل كيفية تعرّضهم للإذلال.



ولليوم الثالث عشر على التوالي منذ بدء الاشتباكات في الخرطوم ومناطق أخرى بين قوات الرد السريع والجيش السوداني، لا يزال عشرات السوريين ينزحون من الخرطوم إلى بورتسودان أملاً بالنجاة، "مئات السوريين ربما يتجاوز عددهم الألف ينتظرون على الساحل"، يقول أحمد.
 


وأجلت السعودية مئات السوريين الراغبين بالإجلاء من مدينة بورتسودان، كما أجلت الأردن والجزائر عشرات السوريين، بحسب ما أعلنت، وزارة الخارجية لدى حكومة النظام السوري، أمس الأربعاء، في بيان لها.

وأشارت الخارجية إلى أنها أجرت اتصالات مع دول صديقة للمساعدة في عملية الإجلاء، وعملت السفارة السورية في الخرطوم بتسجيل قوائم بأسماء الراغبين بالإجلاء بالتعاون مع عدد من أبناء الجالية، وفق البيان.

وبيّنت أنّ شركة "أجنحة الشام للطيران" عبرت عن استعدادها لإنجاز رحلة إجلاء من مدينة بورتسودان، وفق القوائم المسجلة في السفارة السورية.

سمير، شاب سوري ينتظر على ساحل بورتسودان، يقول: "صعدت دفعة من السوريين إلى السفينة السعودية، أعرف بعض الأشخاص منهم وصلوا مدينة جدة، وهم لا يملكون بالأساس إقامات، أقاموا في فنادق لمدة 4 أيام مجاناً، ومن ثم أعطتهم السلطات مدة شهر من أجل تنظيم أمورهم للمغادرة إلى بلد آخر.

اقرأ أيضاً: عيد السوريين في السودان مختلف: "خائفون وعالقون في المنازل"



خيارات السوريين

هناك من يستطيع السفر إلى سوريا، في حال لم يكن مطلوباً للأجهزة الأمنية، أما النسبة الأكبر من السوريين، لا يريدون الإجلاء إلى سوريا، لكون جزء منهم متخلفون عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، ما عدا المطلوبين للأجهزة الأمنية أو المنشقين.

أبو هشام، سوري مقيم في بورتسودان، مطلع على أوضاع السوريين في السودان، يقول لروزنة، هناك من يرغب بالسفر إلى سوريا بعد الوصول إلى جدة، كما يوجد هناك من يرغب بالسفر إلى مصر أو ليبيا.

ويوضح، من انتهى جواز سفره أو لا يملك جواز سفر أبداً، لا طريق أمامه سوى العودة إلى سوريا بعد الوصول إلى مدينة جدة، وتصل تكلفة تذكرة الطيران ألفي ريال سعودي أي ما يعادل 533 دولار أميركي.

أما من لديه جواز سفر، يستطيع استخراج تأشيرة إلى مصر أو ليبيا بتكلفة تصل إلى 1700 دولار للتأشيرة المستعجلة، و1300 دولار للتأشيرة العادية، يضيف أبو هشام.

لكن المشكلة الأكبر بحسب أبو هشام، "لمن لا يملك بحوزته مال أبداً، هنا قد يواجه مستقبلاً مجهولاً".

وبخصوص الإجلاء من بورتسودان، يوضح، يتم تسجيل الأسماء من قبل رب العائلة عند مندوبي السفارات قبل أيام السفارة السعودية، والآن مندوب السفارة السورية بعد وصوله أمس الأربعاء، لافتاً إلى أن الطريق بين بورتسودان وجدة يتراوح ما بين 5 و7 ساعات.

ويضيف أبو هشام، "هناك سوريون وصلوا إلى جدة، لكن المندوب عن سفارة النظام السوري لم يصل من أجل تنظيم إجلاء السوريين، لأن البعض لا يملكون جوازات سفر وآخرون جوازاتهم منتهية.

وحتى ظهر أمس الأربعاء، بدأت أكثر من 50 دولة في إجلاء رعاياها من السودان، إما برا عبر مصر وإثيوبيا، أو بحرا عبر ميناء بورتسودان، أو جواً.

والسبت الفائت بدأت عمليات إجلاء رعايا العديد من الدول، وسط استمرار الاشتباكات بين الطرفين في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.

ومنذ 15 نيسان الجاري،  تشهد عدد من الولايات السودانية، أبرزها الخرطوم، اشتباكات واسعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها مئات الأشخاص بين قتيل وجريح معظمهم من المدنيين.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق