السودان.. سوريون خائفون لروزنة:"لا مكان نلجأ إليه والسفارة غائبة"

بعد قصف جوي من اتجاه مطار الخرطوم - تويتر
بعد قصف جوي من اتجاه مطار الخرطوم - تويتر

سياسي | 19 أبريل 2023 | إيمان حمراوي - نور الدين الإسماعيل

"عتم وظلمة، انقطاع من المياه، أصوات القذائف المارة فوق الأبنية، والطائرات تعلو السماء" هي مشاهد اعتاد السوريون على مشاهدتها خلال سنوات الحرب، وتتكرر اليوم في السودان.


لا طائرات إجلاء تستطيع مساعدتهم، ولا من يسأل عنهم، تركوا وحدهم وسط اشتباكات بين طرفين متنازعين في مناطق متفرقة بالسودان، معظمها في العاصمة الخرطوم.

"أصوات القصف مستمرة منذ أيام، لا مياه ولا كهرباء ولا طعام، تلك مشيئة القدر أن نعيش مجدداً ما عايشناه  في مدينة حلب قبل سنوات"، تقول رانيا لروزنة، وهي سيدة سورية تعيش مع طفليها وزوجها في العاصمة السودانية الخرطوم، والتي تشهد اشتباكات وقصف قبل 4 أيام.

تحاول رانيا تأمين الطعام والشراب لعائلتها، تشرح عن حالهم بصوت يائس: "الآن جميع المحال التجارية مغلقة، لا أعلم ماذا أفعل، لم يبقَ إلا القليل من الطعام في المنزل، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه سنواجه كارثة قريباً".

هربت رانيا مع عائلتها من تحت القصف في مدينة حلب عام 2016، إلى لبنان، ومنها إلى السودان، طلباً للأمان، لكنها الآن مضطرة لمعايشة الواقع والاحتماء بمنزلها، في ظل ظروف قاسية، ينعدم فيها الأمان.
 


وتشهد السودان لليوم الخامس على التوالي، في مناطق متفرقة، اشتباكات عنيفة واتهامات متبادلة بين قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو، وقوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، تتركز معظمها في الخرطوم العاصمة.

ويحاول كل من الطرفين السيطرة على مقار حيوية، بينها القصر الجمهوري بالخرطوم ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وعدد من المطارات العسكرية والمدنية.

وعلى الرغم من إعلان الهدنة بين الطرفين المتنازعين، أمس الثلاثاء لمدة 24 ساعة، إلا أن الاشتباكات مازالت قائمة في مناطق عدة، بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، ما يزيد من صعوبة الوضع على المدنيين، ومن بينهم السوريون، الذين هربوا من سوريا بحثاً عن مكان أكثر أمناً.

خوف ولا إمكانية للهرب 

"لا نستطيع النوم منذ السبت الماضي" يقول كامل شاب سوري (23 عاماً) لروزنة، من مكان إقامته في سكن شبابي قرب مطار الخرطوم.

ويضيف كامل، الذي وصل إلى الخرطوم مع أول أيام رمضان، والتوتر والقلق بادٍ عليه: "سمعنا أنّ المسلحين يطرقون أبواب المنازل ليلاً ويدخلونها، الخوف يرافقنا كل الوقت".

هرب كامل من الزلزال والغلاء المعيشي في سوريا التي "توقفت فيها الحياة" على حد قوله،  "الآن حيث أقيم لا نستطيع الهرب إلى أي مكان وبخاصة مع إغلاق مطار المدينة ما جعل الوضع أسوأ بكثير، في وقت يستطيع المواطنون الفرار إلى أماكن أخرى".
 
الشاب كامل يتحدث عن المعاناة خلال الاشتباكات في الخرطوم

وأعلنت قوات الدعم السريع في الـ 15 من الشهر الجاري سيطرتها على مطار الخرطوم، كما أعلنت أمس الثلاثاء، سيطرتها على القصر الجمهوري.

ونشرت "الجزيرة" صوراً لمواطنين يغادرون الخرطوم إلى ولاية الجزيرة على متن شاحنة "دفار" هرباً من جحيم الحرب في العاصمة.
 
 

مواطنون يغادرون الخرطوم إلى ولاية الجزيرة على متن شاحنة "دفار" هرباً من جحيم الحرب في العاصمة #ألبوم #الجزيرة_السودان #تصوير: تاج الدين هجو

Posted by ‎الجزيرة - السودان‎ on Wednesday, April 19, 2023


حياة شبه معدومة والمياه بالتهريب

"حالياً الحياة شبه معدومة، لا مياه ولا كهرباء، وأصوات القصف وإطلاق النار مستمرة بشكل متقطع، وأحياناً قوية جداً"، يشرح كامل عن الوضع الراهن في الخرطوم.

يستطيع البعض تأمين المياه من نهر النيل التي تأتي عبر "التهريب"، لكون المياه مقطوعة بشكل كامل عن الأبنية والمنازل، أما الطعام، بعض المحال التجارية تفتح قبيل الإفطار بنصف ساعة، هنا من يستطيع الخروج من المنزل يشتري ما يحتاجه، يوضح كامل.

ويتابع: "شهدت أمام عيني إيقاف المسلحين لإحدى سيارات المارة، أخذوا السيارة من صاحبها بعد ضربه وسلبوا منه هاتفه وهربوا".

وفيات وإصابات

يقول المحامي السوري، أدهم الدهام، الذي يعيش في العاصمة السودانية، لروزنة: "في اليوم الثالث للاشتباكات سجلت حالة وفاة لشاب سوري، في السوق المركزي بالخرطوم، إضافة إلى تسجيل إصابتين، لشابين أصيبا بمنطقة الرياض في المدينة".

نقابة أطباء السودان "اللجنة التمهيدية"، ذكرت في تقريرها حول أمس الثلاثاء، اليوم الرابع للاشتباكات، أنّ الاشتباكات المستمرة في العاصمة وغيرها من المناطق المتضررة، أدت إلى وفاة 174 شخصاً وإصابة ألف و41 شخصاً بين المدنيين.

وأشارت النقابة إلى أن هناك عدد من الإصابات والوفيات غير مدرجة في هذا التقرير، بسبب عدم القدرة على  الوصول إلى المستشفيات جراء صعوبة التحركات والوضع الأمني في البلاد.

وتوقف 16 مستشفى عن العمل (9 منها في الخرطوم) بسبب الهجمات، وفق "منظمة الصحة العالمية"، في حين أنّ هناك أيضاً 16 مستشفى آخر في الخرطوم وولايات أخرى، منها دارفور، على وشك التوقف عن العمل بسبب إنهاك الطواقم والعاملين ونقص الإمدادات.

وفق المنظمة العالمية، إن مستشفيات الخرطوم التي تستقبل المصابين أبلغت عن نقص في الدم ومعدات نقل الدم والسوائل الوريدية والإمدادات الطبية وغيرها من الإمدادات المنقذة للحياة، كما يتم الإبلاغ عن نقص المياه والكهرباء والوقود والغذاء للمرضى.

وتعرّضت المرافق الصحية للضربات العسكرية واختطاف سيارات الإسعاف أثناء وجود المرضى والمسعفين داخلها، ونهب المرافق الصحية واحتلالها من قبل القوات العسكرية، وفق منظمة الصحة العالمية.
 


السفارة غائبة

تواصل كامل، الشاب العشريني، مع السفارة السورية في الخرطوم، دون وجود أي رد منهم "تمنينا لو أنّ السفارة أصدرت بياناً لدعمنا نفسياً كما فعلت سفارات البلدان الأخرى"، يقول بغصة "لا أحد يهتم بحالنا".

خليل علّق على فيسبوك حول ذات الأمر، قائلاً: "أرى أن السفارة السورية في الخرطوم لم تطمئن علينا نحن السوريون، إذا كنا بخير أم لا، حتى بيان شكلي لم تكتب".

وذكرت مها، ناشطة على فيسبوك، أن جارتها المصرية أرسلت إلى السفارة المصرية في الخرطوم صورة عن جوازات سفرهم، حيث تعمد السفارة إلى إحصاء المواطنين المصريين المتضررين لإجلائهم لاحقاَ، وفق قولها نقلاً عن الجارة.

ونشرت السفارة المصرية لدى الخرطوم منذ أيام أرقام هواتف لعدد من العاملين في السفارة من أجل التواصل معهم، وذلك في ظل التطورات التي يشهدها السودان، مؤكدة حرصها على متابعة أوضاع المصريين  المقيمين هناك، وطالبت المصريين بتوخى أقصى درجات الحيطة والحذر والتزام المنازل لحين استقرار الأوضاع، وفق موقع "اليوم السابع" المصري.

أما السفارة الأميركية في الخرطوم، قالت الإثنين، إنه ليس لديها أي خطط لإجلاء المواطنين الأميركيين في السودان بسبب الوضع الأمني غير المستقر وإغلاق المطار، ودعت إلى وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار في السودان.

"الخرطوم هي سوريا رقم 2"

عندما وصل كامل إلى الخرطوم، كانت سقف أحلامه وآماله عالية بتكوين حياة هادئة آمنة يتوفر فيها كل ما يحتاجه، يقول عن الوضع قبيل الاشتباكات: "كان الوضع أفضل بكثير من سوريا والشعب يحب السوريين، الآن انقلبت الموازين، نتمنى أن نتجاوز تلك المحنة على خير".

وصل كثير من السوريين حديثاً إلى السودان، مثل هاني، الذي قدم إلى الخرطوم مع زوجته وأطفاله الثلاثة قبل خمسة أشهر، يقول لروزنة: "الحركة محدودة جداً وبحذر، من أجل شراء الطعام والخبز، وأحياناً لا أجد".

يعمل هاني منذ شهرين بالإلكترونيات، بأجرة يومية، وبسبب الاشتباكات اضطر للاستدانة من رب العمل من أجل توفير المستلزمات الأساسية لعائلته في ظل تلك الظروف.

يتحدث هاني بحرقة: "خرجت من سوريا من أجل طفلتي المريضة، كان عندي مقابلة مع السفارة السويدية، لكنها التغت بسبب ظروف عدة، وحالياً أنتظر الفرج وانتهاء الأزمة الحالية على خير".

أما سامر الذي وصل قبل أيام قليلة علّق على فيسبوك: "وصلت السودان يوم الجمعة الماضي المسا، نمت وفقت لقيت حالي في سوريا رقم 2".

اقرأ أيضاً: محنة السوريين في السودان: حصار جديد وسط العمليات العسكرية



الشمّاسة يهجمون.. من هم!

ومع اندلاع الاشتباكات الأخيرة بين الطرفين المتنازعين في السودان بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني، بات وضع السوريين في السودان حرجاً، وهم الهاربين أساساَ من بلد مزقتها الحرب، بحثاً عن الأمان.

المحامي السوري الدهام أوضح أنّ "هناك في بعض المناطق أشخاص متفلّتين خارجين عن القانون، يطلق عليهم في السودان اسم (الشمّاسة)، انتشروا في المناطق الصناعية، حيث سجل في حي كافوري دخول مجموعة من الشماسة إلى ورشة تنجيد لشبان سوريين، قتلوا شخصين ضمن الورشة وسرقوا محتوياتها".

وأضاف الدهام بأن اعتداء آخر وقع من قبل بعض مجموعات "الشماسة" المنتشرين في أغلب المناطق من أسواق ومناطق صناعية وأحياء على ممتلكات مدنيين، منها تعود إلى لاجئين سوريين.

"الشماسة"، بحسب مواقع سودانية، هم "مجتمع متكامل من البنين والبنات، حتّمت عليهم ظروف حياتهم القاسية العيش في الطرقات والأسواق والأزقة، يقضون حياتهم بعيداً عن القيم والمثل والأخلاق والأعراف المتبعة في المجتمعات المتماسكة والمحافظة، ديدنهم الفوضى واللا مبالاة والانفلات، قانون الغاب هو قانونهم"، على حد وصف المواقع.

وأشار الدهام إلى أنّ أحوال السوريين في السودان تغيّرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث أن نسبة كبيرة من السوريين غادرت البلد بين عامي 2019 و2022 إلى دول مختلفة.

وشكلت السودان وجهة رئيسة للسوريين الذين غادروا بلادهم بحثاً عن الأمان منذ عام 2011، بسبب التسهيلات التي كانت تقدمها الحكومة السودانية لهم، إضافة إلى وجود حالة من الاستقرار وإمكانية افتتاح مشاريع وأعمال تساعدهم على الإقامة فيها.

وذكرت صحيفة  "The Observer " في عام 2021 أن الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة للأعداد الرسمية للاجئين السوريين تبلغ حوالي 100 ألف. بينما تشير التقديرات غير الرسمية إلى أكثر من ضعف هذا العدد.

ويعيش غالبية السوريين في السودان في ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث، خرطوم بحري وخرطوم العاصمة وأم درمان، فيما يتوزع عدد من السوريين على مدن سودانية أخرى بينها بورسودان والأُبيِّض.

و كانت الخرطوم التي ما زالت تعتمد بشدة على المساعدات الدولية، بمنأى عن الصراع رغم الانقلابات العسكرية والاحتجاجات الشعبية وإن كانت بعض الاحتجاجات قد قوبلت بالعنف، واتهم المحتجون قوات الدعم السريع بتنفيذ حملة دامية على اعتصام مناهض للجيش في عام 2019، وتنفي قوات الدعم السريع ذلك.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق