تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو رصدت أضواءً ساطعة ظهرت في سماء المناطق التي ضربها زلزال تركيا المدمر في السادس من شباط الحالي، والزلزال الثاني في العشرين منه، ما أثار الكثير من التساؤلات حول طبيعة هذه الأضواء، كما انتشرت الشائعات والأخبار المضللة حول علاقة هذه الظاهرة ببرنامج الأبحاث "هارب" (H.A.A.R.P) التابع لحلف شمال الأطلسي، وغيرها من التوقعات والتخمينات التي لا تعتمد على أساس علمي.
اقرأ أيضاً: من مقياس ريختر إلى أجهزة الإنذار التي ابتكرها سوريون

ما حقيقة أضواء الزلازل؟

تسمى هذه الأضواء الساطعة ظاهرة "أضواء الزلازل" (Earthquake lights) وتعرف اختصاراً (EQL)، وقد رصدت مع عدد من الزلازل خصوصاً تلك التي تحدث على الصدوع القارية.
يعود الرصد الأول المسجل لهذه الظاهرة إلى عام 869 م، مع زلزال سانريكو المدمر في اليابان، وقدرت قوة الزلزال بما يزيد عن 8.0 درجات بمقياس ريختر، وذكرت وثائق من السجل التاريخي الوطني لليابان، أن "زلزالاً كبيراً وقع في مقاطعة موتسو مع وجود بعض الضوء الغريب في السماء".
سجل أرشيف الزلازل التاريخي الياباني حوالي 55 حالة من هذه الأضواء عبر تاريخ اليابان، كما ظهرت أضواء الزلازل أيضاً في أماكن أخرى حول العالم، لاسيما أثناء الزلازل التي بلغت قوتها 5.0 درجة وما فوق، مثل زلازل 1811-1812 في ولاية ميزوري الأمريكية، وزلزال سان فرانسيسكو المدمر عام 1906، وزلزال ساجويني في كندا عام 1988، وزلزال لاكويلا 2009 في إيطاليا، وزلزال تشياباس 2017 في المكسيك، وغيرها الكثير.
وما تزال هذه الأضواء تحير العلماء، حيث لم يتوصلوا بعد لنتيجة حتمية حول أسباب هذه الظاهرة، خصوصاً أنها تترافق مع الزلازل التي لم يتوصل العلم حتى الآن إلى إمكانية التنبؤ الدقيق بموعد ومكان حدوثها، وبالتالي فإن إمكانية رصدها ودراستها تخضع للصدفة البحتة.
يرى بعض العلماء أنه من المحتمل أن يكون لهذه الأضواء علاقة بأنواع الصخور الموجودة، مثل الجرانيت والحجر الجيري وصخور الحمم البركانية وغيرها، أثناء حدوث الانهيارات الأرضية المرافقة للزلازل، حيث وجدوا أن الصخور التي تحتوي على الكوارتز أكثر عرضة للتفاعلات المضيئة، ومن الممكن أثناء الزلزال، عندما تتكسر الصخور المختلفة وتحتك مع بعضها البعض، فإنها تخلق هذه الأضواء الفريدة، ومع ذلك، لم يثبت بعد أن الانهيارات الأرضية مسؤولة بالكامل عن هذه الظاهرة.
يقترح بعض العلماء أن المستويات العالية من الإجهاد في الصخور أثناء الزلزال تتسبب في تكسر الروابط الكيميائية في الصخور وتأين الأكسجين، تهرب هذه الأيونات من الصخور وتنتقل إلى الغلاف الجوي حيث تنبعث منها الضوء.
ورغم اختبار فرضية التأين هذه في المختبر، وبيان صحة أن الصخور تحت الضغط تطلق الأيونات، فإن هذه النظرية ما تزال قيد النظر.
كما قد يلعب المجال المغناطيسي للأرض أو الأيونوسفير دوراً أيضاً حيث من المحتمل أن تحدث عملية مشابهة لتكوين الشفق القطبي في المناطق ذات التوتر الكهرطيسي العالي، لكن هذه النظرية أقل شيوعاً.
وترى دراسة بحثية جديدة أن أضواء الزلازل تحدث بسبب الخصائص الكهربائية لبعض الصخور في أماكن محددة.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة فريدمان فرويند، أستاذ الفيزياء المساعد في جامعة ولاية سان خوسيه وباحث رئيس في مركز أبحاث أميس التابع لوكالة ناسا، في مقابلة أجرتها مجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 2014، إن الأضواء تسمى أحياناً برق الزلزال، ويمكن أن تتخذ العديد من الأشكال والألوان المختلفة.
يقول فرويند إن الأشكال الشائعة لأضواء الزلازل تشمل اللهب المزرق الذي يبدو أنه يخرج من الأرض، كما تظهر على شكل كرة براقة تطفو في الهواء لعشرات الثواني أو حتى دقائق، أو على شكل ومضات سريعة من الضوء الساطع الذي يشبه ضربات البرق العادية، إلا أنها تخرج من الأرض بدلاً من السماء ويمكن أن تمتد حتى 200 متر.
وبتحليل 65 حالة أضواء زلزالية، افترض فرويند وزملاؤه أن الأضواء ناتجة عن الشحنات الكهربائية التي يتم تنشيطها في أنواع معينة من الصخور أثناء النشاط الزلزالي، "كما لو قمت بتشغيل بطارية في قشرة الأرض."
على سبيل المثال، تحتوي صخور البازلت على عيوب صغيرة في بلوراتها يمكن أن تطلق شحنات كهربائية في الهواء، قدّر العلماء أن الظروف التي تصلح لظهور الأضواء الزلزالية موجودة في أقل من 0.5 في المئة من الزلازل في جميع أنحاء العالم، وهو ما يفسر سبب ندرة هذه الزلازل نسبياً. كما أشاروا إلى أن أضواء الزلزال تظهر بشكل أكثر شيوعاً قبل أو أثناء الزلازل، وليس بعد الزلازل.
هل يمكن الاستفادة من هذه الظاهرة في توقع الزلازل؟
يعمل فرويند مع علماء آخرين على نظام عالمي للتنبؤ بالزلازل ويقول إن العلماء بدؤوا في تضمين أضواء الزلازل كمؤشر على احتمال حدوث هزة أرضية.
وعلى الرغم من ندرة حدوث أضواء الزلازل إلا أنه بحسب فرويند علينا توخي الحذر إذا تمت مشاهدتها.
قد يهمك: في رحلة البحث عن خيمة.. سوريون يهجرون الأبنية الطابقية

تشير بعض المشاهدات إلى إمكانية استخدام أضواء الزلازل بالفعل للمساعدة في التنبؤ بالزلازل، على سبيل المثال قبل زلزال لاكويلا الإيطالي في عام 2009 مباشرة، رأى رجل في مطبخه ومضات من الضوء الساطع، ولأنه قيل إنه قرأ عن أضواء الزلزال من قبل، فقد نقل عائلته إلى مكان أكثر أماناً.
أما في الصين فقد لجأ عالم جيولوجي إلى مكان آمن بعد رؤية الأضواء والتي أعقبها زلزال تانغشان المدمر عام 1979.
هل هي حقيقية؟
ما تزال الحقائق متضاربة حول ظاهرة أضواء الزلازل، وتتوخى هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية الحذر بشأن ما إذا كانت هذه الظاهرة موجودة بالفعل. حيث تقول الوكالة على موقعها على الإنترنت: "يختلف الجيوفيزيائيون في مدى اعتقادهم أن التقارير الفردية عن الأضواء غير العادية بالقرب من وقت ومركز الزلزال تمثل في الواقع أضواء زلزالية، يشك البعض في أن أياً من التقارير تشكل دليلاً قوياً على أضواء الزلازل، بينما يعتقد البعض الآخر أن بعض التقارير على الأقل تتوافق بشكل معقول معها.
طالما ظهرت نظريات علمية متضاربة، فإن الجدل حول أسباب ظاهرة أضواء الزلازل وإمكانية التنبؤ بالزلازل من خلالها ما يزال قائماً، لكن مع كل هذه النظريات والنتائج الواعدة، فربما بات حل هذا اللغز في متناول العلماء خلال وقت قريب.
الكلمات المفتاحية