في رحلة البحث عن خيمة.. سوريون يهجرون الأبنية الطابقية

الإعلامي عارف وتد أمام الخيمة التي حصل عليها
الإعلامي عارف وتد أمام الخيمة التي حصل عليها

اجتماعي | 25 فبراير 2023 | نور الدين الإسماعيل

لم يكن يتوقع الإعلامي والمصور عارف وتد أن يزاحم سكان المخيمات في البحث عن خيمة، وهو الذي أمضى ما يقارب 11 عاماً في العمل الإعلامي، غطى خلالها معاناة سكان المخيمات ومآسيهم، وذلك بعد تصدّع المبنى السكني الذي يقيم فيه نتيجة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في السادس من شباط الجاري.


اقرأ أيضاً: الزلزال يزيد الخناق على أهالي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب

من المفارقات في المأساة السورية، وبعد سنوات عاشها أكثر من مليون سوري في المخيمات، نتيجة النزوح والعمليات العسكرية، واجهوا خلالها برداً وحراً وعوامل جوية متقلبة، وما تبعها من حملات التبرعات الخيرية التي انطلقت خلال السنوات الماضية لاستبدال الخيام القماشية بمجمعات سكنية من الإسمنت، تعود إلى الواجهة عمليات البحث والطلب للحصول على الخيام القماشية، هرباً من الأبنية الطابقية بعد الزلزال، فبات سكان المنازل الإسمنتية اليوم يبحثون عن خيام لا تنهدم جدرانها وسقوفها فوق رؤوسهم.


سكان في أبنية متصدعة


وثق فريق "منسقو استجابة سوريا" 1298 منزلاً مهدماً نتيجة الزلزال، إضافة إلى تصدع أكثر من 11176 منزلاً في مختلف مناطق شمالي غربي سوريا، مع وجود منازل أخرى متصدعة بدرجات متفاوتة، لم يبلغ عنها أصحابها، وتضرر أكثر من مليون شخص.

يقيم الإعلامي عارف وتد في شقة اشتراها قبل عام ونصف بمدينة الدنا شمالي إدلب، وهو يعمل مصوراً لـ"روزنة" و"وكالة الصحافة الفرنسية"، ويغطي الأحداث الجارية في منطقة إدلب وريف حلب الشمالي.

تعرض المبنى السكني الذي يقيم فيه لتصدعات واضحة في جدران المبنى، وبعد الكشف الهندسي عليه طُلب منهم إخلاء المبنى خوفاً من حدوث هزّات ارتدادية قوية قد تؤدي إلى انهياره.

                                                  
             
                                                                                       فسحة مصعد البناء السكني الذي يقيم فيه عارف وتد

"لم يعد في مقدوري الابتعاد خارج المنطقة، وكان من الضروري بقائي مع عائلتي حيث أقمنا داخل سيارتي الخاصة عدة أيام، في نفس الوقت الذي كان يتوجب عليّ توثيق الأضرار الناجمة عن الزلزال وتصويرها للوكالات الإعلامية، فوقعت بين نارين، لقد كانت أياماً عصيبة"، قال عارف وتد.

وأضاف في حديثه لـ"روزنة" عن قراره بالحصول على خيمة: "نقلت عائلتي إلى منزل أهلي غير المتصدع، وذهبت لتصوير عمليات البحث عن ناجين في مدينة حارم، وفي الطريق شعرت بهزة ارتدادية قوية، توقفت لأطمئن على أهلي وعائلتي لكنني لم أوفق بسبب عدم توفر شبكة إنترنت في المنطقة التي كنت فيها، ما اضطرني للعودة على وجه السرعة، ومن هنا بدأت بالتفكير في الخيمة".

وبحسب وتد، فإنه من الصعب جداً العمل وتغطية حدث أنت جزء منه، وتحاول قدر الإمكان أن تكون متوازناً، "إنه أمر صعب للغاية، فأنا والدٌ لطفلتين صغيرتين، سلامتهما وتأمين حياة آمنة لهما أولوية بالنسبة لي، ألا يحق لأطفالنا الحصول على الأمان"! يضيف بألم.

بعد محاولات كثيرة للحصول على خيمة قماشية، قدم أحد الفرق التطوعية له الخيمة، تاركاً فيها العائلة ليتابع عمله الصحفي في تغطية نتائج الكارثة.


ارتفاع أسعار وزيادة طلب


في وقت سابق لم يكن سعر الخيمة يتجاوز 100 دولار أمريكي، إلا أنها شهدت ارتفاعاً جنونياً بعد الزلزال، نتيجة الإقبال الكبير من الأهالي للحصول عليها، وقلة أعداد الخيام المقدمة من الأمم المتحدة، والتي انحصرت في المتضررين فقط من الزلزال الأخير.

يروي أحمد أبو حمزة وهو ناشط إنساني في أحد الفرق التطوعية بمنطقة جشر الشغور أنهم منذ اليوم الثاني لوقوع الزلزال بدؤوا بشراء الخيام، ويوم أمس اشتروا الخيمة الجاهزة بـ 275 دولاراً بقياس 6×4، بينما وصل سعر الخيمة التفصيل إلى ما بين 140 – 150 دولاراً، بحسب جودتها وميزاتها.

وعن الفرق بين الخيمتين، الجاهزة والتفصيل، قال أبو حمزة: "هناك فرق كبير، فالخيام الجاهزة أفضل من حيث جودة الشادر، إضافة إلى وجود باب وميزات أخرى تجعلها مرغوبة من قبل الأهالي".

وللتأكد حاولنا في "روزنة" التواصل مع أحد تجار الخيام للوقوف على الأسعار، إلا أننا لم نلق رداً منه.


ضيوف نازحون إلى نازحين


مع زيادة الطلب على الخيام القماشية، وقلة تواجدها في مناطق شمالي غربي سوريا، ارتفعت أسعار الخيام بشكل كبير، وبات الحصول عليها بمثابة حلم صعب المنال لذوي الدخل المحدود أو العاطلين عن العمل، ممن لا دخل لهم.

قد يهمّك: منكوبو الزلزال: لا خطة إسكان ولا سكن بديل.. مراكز الإيواء خيار وحيد

وفي ظل ارتفاع وتيرة الهزات الارتدادية، خصوصاً تلك التي حدثت مساء الإثنين الماضي 20 شباط، والتي بلغت شدتها أكثر من 6،1 درجة على مقياس ريختر، زادت حالة الهلع لدى سكان المنازل الطابقية، وانتشروا في الساحات والطرقات العامة ليمضوا ليلتهم الباردة في العراء.

مع بزوغ الصباح من اليوم التالي لتلك الهزة القوية، لم يفكر كثيراً مصطفى العبد الله الذي يقيم في الطابق الرابع من أحد المباني السكنية بمدينة إدلب، فانطلق بزوجته وطفلته الصغيرة إلى أقاربه الذين يقيمون في مخيم كفرلوسين على الحدود السورية التركية.

يتحدث مصطفى لـ"روزنة" عن فشل جميع محاولاته بالحصول على خيمة، فيقول: "ارتفع سعر الخيام القماشية بشكل جنوني، ولست قادراً على شرائها، حتى وإن اشتريتها لا أملك أرضاً لبنائها عليها، استقبلني أقاربي في خيمتهم الصغيرة، ريثما تنتهي الهزات القوية".

بينما كان الأمر أكثر صعوبة على محمد وعائلته، فهو بحاجة إلى خيمتين لإيواء عائلته وأهله، فيقول: "أسكن في الطابق الأول، بينما يقيم أهلي في قبو تعرض سابقاً للقصف بمدينة إدلب، ولم أعد قادراً على تحمل رؤية الخوف الذي يعيشه أطفالي مع كل هزة ارتدادية، فابني أحمد البالغ من عمر 5 سنوات بات يعاني من كوابيس يستيقظ على إثرها مع صراخ وبكاء".

فوجد محمد أن الحل الأفضل، مؤقتاً، هو تأمين العائلة والأهل عند الأقارب في مخيم باريشا غرب سرمدا على الحدود السورية التركية، ريثما تخف حدة تلك الهزات، كما تابع في عدة تقارير تحدثت عن أنها أمر طبيعي ناتج عن الزلزال، وستنتهي قريباً.
 

تأثير الشائعات على الأهالي


كان للشائعات دور كبير في حدوث حالة الهلع التي يعيشها السكان في مناطق شمالي غربي سوريا، خاصة مع انتشار حسابات مزورة على وسائل التواصل الاجتماعي، تحذر من وقوع زلزال مدمر في يوم معين وساعة محددة، ما دفع بالأهالي للهرب خارج الأبنية الطابقية.

الغالبية من السكان عمدوا إلى تنزيل تطبيقات لقياس الزلازل، بعضها يعطي تحذيرات في اللحظات الأولى للهزة مع قياس شدتها ومكانها، الأمر الذي دفع بالبعض من غير المختصين، والباحثين عن زيادة أعداد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي لاستغلالها في برنامج "تيك توك" لإطلاق تحذيرات مبكرة، مع شرح لا يعتمد على قواعد علمية عبر ميزة البث المباشر.

 
                     
                             صور لمعلومات هزة ارتدادية جديدة تم تحديدها عبر أحد التطبيقات أثناء إعداد التقرير 

وأعلن المركز الوطني لرصد الزلازل، يوم أمس، انخفاض عدد الهزات الارتدادية بشكل متواتر، واصفاً ذلك بأنه "مرحلة انتقالية متوسطة إلى ضعيفة الزلزالية"، تشهدها منطقة لواء اسكندرون.

على الرغم من وجود الهزات الأرضية قبل الزلزال في المنطقة، إلا أنها باتت بعد وقوع الكارثة تحت الضوء، يتابعها الأهالي بجميع تفاصيلها، الموقع والشدة والعمق، ولتصبح هاجساً جديداً يؤرق السوريين من بين الهواجس الكثيرة التي تحاصرهم منذ سنوات.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق