كان لدى إبراهيم العلي، مربي أغنام، 50 رأس غنم العام الماضي، واليوم لم يتبقَ لديه سوى 6 فقط، بسبب أزمة الجفاف التي تعيشها البلاد، فمساحات الرعي تراجعت بشكل كبير، وأسعار الأعلاف ارتفعت ولم يعد بإمكانه شراؤها.
الأغنام تتناقص في الرقة
يبيع إبراهيم بعضاً من أغنامه في سوق الغنم بمدينة الرقة، ليؤمّن ثمن العلف للقسم المتبقي، في ظل ارتفاع ثمن الأعلاف، وبعد فترة يكرر الأمر نفسه.
"أسعار الأعلاف غالية والغنم رخيص، لدينا ماشية ماتت بسبب سوء التغذية، كنت أشتري طن تبن لإطعامها، أما اليوم لا أستطيع شراء سوى 200 كيلو وهي لا تكفي، لم يعد هناك ربح كما في السابق، نحاول فقط إطعام الأغنام"، يقول إبراهيم.
هبطت أسعار الأغنام بشكل كبير نتيجة الجفاف، رأس الغنم يساوي حالياً في الرقة حوالي 200 - 300 ألف ليرة سورية، فيما كان ثمنه حوالي المليون ليرة السنة الماضية، أما طن التبن الذي كان بـ 200 ألف ليرة منذ عام، ارتفع اليوم لمليون و200 ألف.
هل من دعم؟
يحاول إبراهيم أن يقترض الأعلاف من التجار ولكن لم يجد أحداً يقرضه، فهم يعرفون أنه غير قادر على السداد: "الوضع كارثي ولم أتلق أي دعم من أي جهة سواء الإدارة الذاتية أو المنظمات، في كل دول العالم عندما يحدث جفاف يحصل مربو الثروة الحيوانية على دعم ولكن لدينا لا يوجد هذا الشيء".
أما عبده السواس، وهو مربي أغنام، حصل على دعم من "الإدارة الذاتية" التي تحكم شمال شرقي البلاد، ولكن الكمية غير كافية: "يقدمون لنا 15 كيلو نخالة على الرأس كل سنة بـ 450 ليرة للكيلو، وهذا بالتأكيد غير كافٍ، النعجة الواحدة تحتاج على الأقل لنصف كيلو يومياً!".
في القامشلي ثمن كيس السكر يساوي ثمن الخروف
لا يختلف حال مربي الأغنام في القامشلي عن نظرائهم في الرقة، عايد العلوش مربي من القامشلي، يتخوف من الجفاف: "إذا استمر الجفاف فسيكون مصير الريف والثروة الحيوانية الدمار" على حد وصفه.
وبسبب الجفاف وسوء التغذية انتشرت الأمراض بين الأغنام في القامشلي، حسب العلوش الذي لم يتلقَ أيضاً أي دعم من أي جهة.
"أوضاع مأساوية نمر بها، الأغنام انتشرت بينها الأمراض بسبب الجفاف والجوع، هناك من يبيع النعجة بـ 100 ألف قبل أن تموت ليؤمن ثمن الخبز لأولاده، واليوم جميع المواد أصبحت أغلى من المواشي، تخيّل أن كيس السكر بـ 125 ألف ليرة والخروف بنفس السعر!".
تتراكم الكثير من الديون على العلوش نتيجة أزمة الجفاف الحاصلة، حيث اضطر للاقتراض من الناس ليطعم أغنامه ويؤمن مصاريف المعيشة.
وانتقد العلوش "الإدارة الذاتية" التي باعته نخالة تكفي لـ 25 رأس فقط في حين أن لديه 50 رأس من الأغنام.
نفوق وإجهاضات نتيجة سوء التغذية
الأعداد مرشحة للنقص مجدداً خلال الفترة القادمة نتيجة الإجهاضات التي تحدث للنعاج المصابة بسوء التغذية، كما يقول فادي الخلف وهو مساعد بيطري في الرقة "الأمراض انتشرت بشكل كبير بين الأغنام نتيجة الجفاف".
يوضح فادي بأن هناك مشكلةً في تكاثر الأغنام هذه السنة نتيجة ذلك الأمر الذي يهدّد وجود الثروة الحيوانية "الجفاف أدى لتدهور صحة الأغنام، أمراض سوء التغذية تفاقمت بشكل ملحوظ، بسبب غلاء العلف المربين قللوا الكمية لأغنامهم، مما يؤدي لأمراض سوء التغذية وبالتالي نفوق الأغنام".
وأشار إلى أن الكثير من المربين استغنوا عن الفيتامينات والأحماض الأمينية والمتممات الغذائية الموجودة في الأدوية، نتيجة عدم قدرتهم على شرائها، "المربي غير قادر على تأمين العلف فما بالك بالأدوية، لذلك أصبحوا لا يعطون أغنامهم هذه الفيتامينات اللازمة مما أدى إلى حدوث إجهاضات بنسب عالية".
ركود في الأسواق
نور الدين خلف أحد التجار في سوق الأغنام بالقامشلي، يتحدث عن ركود الأسواق قائلاً: "يتم إدخال حوالي 300 رأس للسوق يومياً، لا يباع منها إلا 10 - 20 رأس".
إغلاق معبر سيمالكا الحدودي مع كردستان العراق أثّر على حركة البيع والشراء سلباً، حيث أغلقت حكومة إقليم كردستان العراق معبر سيمالكا منتصف كانون الأول العام الفائت بعد هجوم على موظفي المعبر من قبل مجموعة تابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي".
"وتتفاوت أسعار المواشي في السوق، هناك من يبيع بأسعار بخسة في سبيل تأمين ثمن العلف لباقي أغنامه، وهذا ليس حلاَ بالطبع حتى لو قمت ببيع نصف الغنم لن تقدر على شراء العلف للنصف الآخر" وفق خلف.
عدد الأغنام
وبحسب إحصاء صادر عن مديرية الثروة الحيوانية في مقاطعة الجزيرة "الحسكة"، فقد بلغ عدد الأغنام العام الماضي مليون و200 ألف رأس ويصل لمليون ونصف مع الماعز الشامي وخراف الربط، والأبقار نحو 50 ألف، والجاموس 4700 رأس.
ومقارنةً بإحصائية صدرت عام 2009 عن مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بحكومة النظام في الحسكة، نلحظ تراجعاً طفيفاً بأعدادها حينها، حيث بلغ عدد الأغنام وقتها 1،536،170 رأس، والماعز 175،214 وأما الأبقار قدّر عددها وقتها بـ 83579 رأساً.
بينما في الرقة أفاد مكتب الثروة الحيوانية هناك لروزنة بأن عدد الأغنام وفق إحصاء 2021 بلغ مليون ونصف، والماعز الشامي 54، والأبقار 4673، و2300 رأساً من الإبل.
ونلحظ تراجعاً كبيراً بأعداد الأغنام التي كانت تقدّر بـ مليونين و900 ألف رأس، وفق إحصاء لمديرية الزراعة لدى حكومة النظام عام 2007.
ماذا تفعل الإدارة الذاتية؟
في نهاية العام الماضي عقد مكتب الثروة الحيوانية بالرقة اجتماعاً مع شركة "تطوير المجتمع الزراعي واتحاد الفلاحين"، لتشكيل لجان للوقوف على أزمة الجفاف ومساعدة مربي الثروة الحيوانية.
نتج عن هذه اللجان قرار بتقديم مادة النخالة للمربين بسعر "مدعوم" يبلغ 450 ليرة سورية للكيلو الواحد، إلا أن المربين يشتكون من أن المكتب يقدم كميات محدودة وغير كافية لهم.
روزنة نقلت هذه الشكاوى لمكتب الثروة الحيوانية في الرقة، والذي رد على لسان مديره منذر الصالح بأن "إمكانيات الإدارة محدودة، ولا توجد لديهم كميات كبيرة وهم يحاولون الوصول لجميع المربين حسب استطاعتهم".
وأشار إلى أنهم بصدد تجهيز مؤسسة عامة للأعلاف، إضافة لمصنع لإنتاج العلف في محافظة الرقة، والذي سيساعد كثيراً خلال الفترة المقبل، "وضع الجفاف أثّر كثيراً والدعم يحتاج لملايين الدولارات وإمكانيات هائلة غير متوفرة، حالياً هناك بعض المنظمات تقدم دعماً بالأعلاف والأدوية، ولكنه لا يشمل كامل الثروة الحيوانية، فكل منظمة تعمل بحسب إمكانيتها وتقدم الدعم لعدد محدود من المربين".
محمد كاظم، رئيس مديرية الثروة الحيوانية بالقامشلي، قال إنهم يقدمون اللقاحات اللازمة للمواشي إلى جانب الدعم بالأعلاف كما في الرقة، "نقوم بتأمين الأدوية اللازمة واللقاحات للمربين، مثل اللقاحات القلاعية والدميّة والجدري، بالإضافة إلى الأدوية المعالجة كـ خافضات الحرارة".
ويبدي كاظم تفاؤله بعد سقوط الثلوج والأمطار مؤخراً على القامشلي، "في حال هطلت المزيد من الأمطار سيتحسن الحال وستتوفر المراعي الكافية وستتأمن الأعلاف للمربين بأسعار مناسبة، ونحن سنقدم كل ما نقدر عليه للمربين".
وبحسب وزارة البيئة والإدارة المحلية التابعة للنظام السوري فإن البلاد تتعرض لأسوأ موجة جفاف منذ 70 عاماً، مما يشكّل خطراً محدقاً بالزراعة والثروة الحيوانية والأمن الغذائي للبلاد، ووفق مديرية الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة النظام السوري، فإن البلاد فقدت نحو 40 إلى 50 في المئة من ثروتها الحيوانية.
الكلمات المفتاحية