شهادات لناجين وناشطين.. كيف كسرت أحداث القامشلي ٢٠٠٤ حاجز الخوف؟

الاحتجاجات في القامشلي ٢٠٠٤ - stj-sy
لم تكن مظاهرات القامشلي ضد النظام السوري في عام 2004، حدثاً عابراً إذ كانت الأولى من نوعها في عهد رئيس النظام السوري بشار الأسد، والآن تمر ذكراها الـ 17، في آذار الشهر الذي حمل معه انطلاق الثورة ضد النظام ذاته في 2011، ولا تزال شعاراتها الأولى مطلباً للسوريين.
الشرارة الأولى، انطلقت إثر مقتل مدنيين على أيدي عناصر مسلحة تابعة للنظام السوري، أثناء أحداث شغب في مباراة لكرة القدم بين نادي الجهاد ونادي الفتوة، في الملعب البلدي بمدينة القامشلي في الـ 11 من آذار 2004.
دور برنامج ملاعبنا الخضراء والمحافظ في تصاعد الغليان
وبعد دقائق مما حصل في الملعب، أعلن برنامج "ملاعبنا الخضراء" على إذاعة دمشق نبأ إيقاف المباراة نتيجة اشتباك بين الجمهور، وذكر أنّ ثلاثة أطفال قتلوا دهساً تحت الأقدام، وكان لهذا الخبر أثره البالغ في غليان المدينة، واتضح فيما بعد، أنّه كان خبراً كاذباً وملفَّقاً، بحسب مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا.
وفور انتشار الخبر توجه الآلاف من الأهالي نحو المعلب، كي يعرفوا ماذا جرى لأبنائهم، لكن قوات الأمن حالت دون دخلوهم، وأصوات الصراخ والشجار والأعيرة الناريَّة كانت تصدر من داخل المعلب.
واستمرَّ الغليان في تصاعد، إلى أن وصل محافظ الحسكة، سليم كبّول، (وهو رئيس اللجنة الأمنيَّة التي تضمُّ أفرع المخابرات في المحافظة) إلى المكان وأمر بإطلاق الرصاص الحيّ على الجموع المحتشدة، وقيل إنّه “باشر إطلاق النار من مسدسه الشخصي على المدنيين العزَّل”، وهنا بدأت المجزرة، وسقط قتلى وجرحى، بحسب المركز.
وانفجر الغضب الشعبي في اليوم التالي 12 آذار، بعد إطلاق عناصر الأمن التابع للنظام السوري النار على مواكب تشييع القتلى، ما أدى لمقتل عدد من المدنيين كذلك.
وهنا اتسعت رقعة التظاهرات المنددة بالنظام السوري في القامشلي والقرى المجاورة لها، ومزق المتظاهرون صوراً لبشار الأسد، وحطموا تمثالاً للرئيس السابق حافظ الأسد في بلدة عامودا قرب القامشلي.
شهادة من أحد الناشطين على ما حصل في 2004 في الفيديو التالي:
الاحتجاجات تصل إلى مدينتي دمشق وحلب والاعتقالات طالت طلبة جامعيين
كما وصلت الاحتجاجات المساندة للقامشلي إلى أحياء الشيخ مقصود والأشرفية التي يقطنها أكراد في حلب، وإلى أحياء في العاصمة دمشق منها وادي المشاريع قرب دمر، وحي ركن الدين، وفي المدينة الجامعية بحي المزة، إذ عوقب طلاب أكراد شاركوا بالاحتجاج بالفصل من الدراسة الجامعية.
ونصبت أجهزة الأمن حواجز طيارة لاعتقال مواطنين أكراد في دمشق، كما قامت بتطويق أحياء يعيش فيها أكراد كوادي المشاريق وركن الدين وشنت حملة مداهمات واعتقالات هناك.
وقالت الناشطة المدنية سلافا أحمد، لروزنة إن "ما حدث في القامشلي لم يكن مخطط له مسبقاً ولكن كانت ردة فعل على هجوم الأمن على المشجعين وقتل عدد منهم، بالإضافة إلى أن المكون الكردي كان في حالة احتقان لأنه يعاني أصلاً من التهميش والظلم نتيجة ممارسات النظام السوري على مدار عشرات السنين".
"الشعب الكردي شعر في 2004 بظلم مضاعف، لغياب التعاطف مع الحراك، وفي 2011 فكان تفاؤلهم مضاعف أيضاً بأن هناك فرصة جديدة أمام جميع السوريين للوقوف ضد النظام وتحقيق العدالة، الحرية و الكرامة في سوريا"، بحسب أحمد.
وأضافت أن "ما حصل في 2011 كان امتداداً لانتفاضة القامشلي، التي طمست بصورة سريعة، أما في 2011 فساعدت ثورات الربيع العربي، على تشجيع السوريين من مختلف المناطق ودفعهم للخروج ضد النظام الذي استخدم أساليب القمع ذاتها".
وسارع النظام السوري إلى استخدام الحل الآمني والعنف للقضاء على الاحتجاجات الكردية في ٢٠٠٤، وطالت الاعتقالات موظفين أكراد في دوائر الدولة، كذلك قررت مؤسسات منع موظفين أكراد من العمل خلال الأيام التي تلت انطلاق الأحداث في القامشلي.
اقرأ أيضاً: مصير الأسد أهم محاور النقاش… مصادر: مناف طلاس يلتقي مظلوم عبدي
الناشطة السياسية، سلمى سليمان، لفتت إلى أنه لا فرق بين ما حصل في 2004 و2001، إذ كسر السوريون حاجز الخوف بعد سنوات من القمع والاستبداد وكم الأفواه، مطالبة بالحرية والكرامة".
(الناشطة السياسية سلمى سليمان)
وإلى جانب الضحايا والاعتقالات خلال أحداث القامشلي ٢٠٠٤، فرّ الآلاف هرباً من القبضة الأمنية للنظام، إلى إقليم كردستان شمالي العراق، حيث يعيش قسم ممن بقي هناك إلى الآن في مخيم أطلق عليه اسم "القامشلي".
أما النظام السوري فوصف، عبر وسائل الإعلام التابعة له، ما حصل في القامشلي على أنه عبارة عن أعمال مفتعلة لبعض الغوغائيين ضد استقرار الوطن والمواطن وأمنهما، وأن ما حصل يعد جريمة جنائية من مخالفي قانون ومخربين.
كما أعلن النظام السوري عن تشكيل ما أسماه بـ "لجنة تحقيق" وهدفها لكشف ملابسات الأعمال التخريبية في القامشلي وضبط الأعمال الجرمية هناك، بحسب وكالة (سانا) حينئذٍ.
قتل المدنيين العزل قاسم مشترك بين آذار ٢٠٠٤ وآذار ٢٠١١
الصحفي السوري مسعود عكو وصف لروزنة ما حصل في 2004 بقوله "انتفض المدنيون وخرجت الجموع، في كل المدن والبلدات والقرى الكردية، وحتى الأحياء الكردية من حلب ودمشق، رجالاً ونساءً وأطفالاً للتنديد بقتل أبنائهم بدم بارد".
وأضاف أن "الانتفاضة الكردية والثورة السورية جاءتا رداً على قتل المدنيين العزل، ما دفع بالناس إلى مواجهة آلة القتل بالتظاهرات السلمية، قبل أن تتحول الثورة السورية إلى مسلحة، في حين ظلت الانتفاضة الكردية سلمية حتى وأدها النظام، بزج الآلاف في السجون، واتباع منهجية أمنية للنيل من المدن الكردية".
وبلغ عدد ضحايا انتفاضة القامشلي، نحو ٤٠ قتيلاً ومئات الجرحى، ولا يوجد إحصاءات دقيقة عن عدد الضحايا، وكذلك ٣ آلاف معتقل لدى أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري، إذ قتل عدد منهم تحت التعذيب، وأفرج عن كثير من المتبقين فيما بعد، منهم أفرج عنهم وفق مرسوم العفو الذي أصدره بشار الأسد في ٣٠ آذار عام ٢٠٠٥، بحسب المحامي محمود عمر من القامشلي لروزنة.
شهادة معتقل على خلفية الأحداث في القامشلي 2004 في الفيديو التالي:
ويشكل الإحصاء السكاني في الحسكة حيث تعيش أغلبية كردية شمال شرقي سوريا، المعروف بإحصاء 1962، نقطة ظلم وتهميش للمكون الكردي، بحسب وصفهم، إذ نجم عنه تقسيم الأكراد إلى ثلاثة فئات، الأولى يتمتعون بالجنسية السورية.
والفئة الثانية مجردون من الجنسية ويسجلون كأجانب، والفئة الثالثة مجردون من الجنسية وغير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية، ويطلق عليهم "مكتومو القيد".
وبعد وصول بشار الأسد" إلى الحكم في سوريا عام 2000، وعد بتسوية وضع الأكراد وهم أكثر من مليوني نسمة، لكن لم يطرأ جديد، حتى انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، ضد النظام، إذ أصدر الأسد في نيسان من العام نفسه مرسوماً يقضي بتجنيس الأكراد في شمال شرقي سورية ممن كانوا مسجلين كأجانب.

(من فعاليات إحياء ذكرى انتفاضة القامشلي التي تنظم كل عام في ١٢ آذار)
يذكر أن المناطق الكردية شاركت في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري التي انطلقت في 2011، وفي عام 2016 أعلنت مكونات كردية إقامة نظام فيدرالي في مناطق يسيطرون عليها شمالي وشمال شرقي سوريا.
الكلمات المفتاحية