يواجه النظام السوري أزمة نفطية خانقة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، و شح القطع الأجنبي، و بالأخص في مادة المحروقات. بينما يتمسك حليفه الايراني بدفع مستحقاته من تكلفة تدخله العسكري في البلاد و الذي يصل حد الـ 40 مليار بينما لا تصل كلفة المدفوعات السورية عبر الخط الائتماني الايراني أكثر من 7 مليار دولار.
وفي الوقت الذي تضرب مناطق النظام أزمة وقودٍ خانقة مع دخول فصل الشتاء، يتطلع الكثير من أركان النظام إلى طهران لتزويدهم بالمحروقات، ولهذا كانت زيارة وزير خارجيّة النظام السوري الجديد فيصل المقداد إلى طهران، أملاً بحصول نظامه على بعض النفط، غير أنّ الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران كما يؤكد الباحث بمعهد الشرق الأوسط الدكتور كرم شعار أكد لـ "روزنة" بدأ ينعكس على مقدرتِها على دعم النظام السوري اقتصادياً مؤخراً، ليس في مجال النفط فحسب، بل في مجالات أخرى كذلك.
المُتابع للسياسيات الإيرانية يُمكنه التّكهن بأنّ طهران وفي سوق السياسة الدوليّة اليوم ستُقلل من دعمها للنظام السوري أملاً بعقدِ صفقةٍ مع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، وهنا يُشير شعار إلى أنّ التزويد الإيراني للنظام السوري بالمحروقات خلال السنوات العشر الماضية مرّ بمراحل عدة من الارتفاع والانخفاض بسبب عوامل ترتبط بالعقوبات الغربية والتوافق السوري الإيراني على ملفات جيوسياسية واقتصادية عدة.
اقرأ أيضاً: تحريض إيراني للأسد ضد إسرائيل
وأضاف شعار: "وسطياً أعتقد أن إيران سلمت النظام السوري 60-80 ألف برميل يوميًا من النفط خلال السنوات الخمس الماضية".
وأشار إلى أنّ حركة الناقلات النفطية خلال الشهر الماضي أن سوريا استملت ما يقارب الوسطي اليومي خلال السنوات الماضية بعد انخفاض خلال الفترة أيلول-تشرين الثاني من العام الحالي والتي تزامنت مع صيانة مصفاة بانياس، مما تسبب بأزمة محروقات في معظم مناطق النظام.
ويؤكد شعار حصول النظام على كميات من النفط الخام في حقول البادية السورية وهي لا تتجاوز الـ 25 ألف برميل في اليوم، كما يتم تهريب بعض الكميات غير المؤكدة من مناطق قسد: "أستبعد أن تتجاوز الـ 20 ألف برميل يوميا" وفق شعار.
ورداً على بعض التقارير الصحفية من أنّ طهران استبدلت النظام السوري بفنزويلا من أجل تصدير النفط، يؤكد شعار أنّ طهران لديها ما يكفي من النفط لإمداد سوريا وفنزويلا معاً، يقول: "تعاني إيران من إيجاد أسواق لنفطها وقلة المشترين وليس العكس".
ويُضيف: "بينما كانت إيران تصدر 2.5 مليون برميل يومياً في عام 2018 عندما تم إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها، تصدر حالياً ما قد يصل إلى 1 مليون برميل يومياً فقط وهو ما يكفي لحاجة فنزويلا وسوريا ويزيد".
مؤكداً في الوقت ذاته أنّ أزمة النظام السوري بالدرجة الأولى هي أزمة تمويل المحروقات وليس أزمة توفر للنفط الخام أو المكرر.
وأكد شعار أن النظام السوري بصدد رفع الدعم عن المحروقات تدريجياً للتخفيف من أزمة عدم توفر القطع الأجنبي، منوّهاً بأنّ جذر الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام السوري تكمن في أن الإيرادات من القطع الأجنبي أقل من الإنفاق بسبب عجز ميزان المدفوعات لسنوات طويلة، حيث يشرح شح القطع الأجنبي معظم أزمات النظام المتكررة مؤخراً، بدءاً من المحروقات وانتهاءً بالخبز.
اقرأ أيضاً: تقرير يتحدث عن وصول أسلحة إيرانية إلى سوريا
أكثر من ذلك؛ فطهران التي تُعتبر الحليف الأبرز للنظام السوري حاولت ومنذ انطلاق الثورة السورية إمداد النظام بكلِّ سبل الحياة ابتداءً بالمال والمُرتزقة، مروراً بالأسلحة والنفط وأخيراً السلع الغذائية بعد فتح خط ائتماني بين طهران ودمشق لتزويد الأخيرة ببعض السّلع المفقودة في أسواق العاصمة، على الرّغم من مخالفتها لأدنى المواصفات القياسية، غير أنّ شعار يرى أنّ الخط الائتماني الإيراني إلى سوريا لا يعدو كونه غطاءً لتكاليف التدخل الإيراني الحقيقي في سوريا، فيما لا يتجاوز أعلى تقدير للخط الائتماني مع إيران 7 مليارات دولارات، في حين تتجاوز تكلفة التدخل الإيراني في البلاد الـ 40 مليار.
بدوره المعارض الإيراني ومدير موقع (آمدنيوز) المُعارض مسعود تهراني أكّد لـ "روزنة" أنّه وبعد سياسة الضغط الأقصى على طهران التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ فإنّ وصول النظام الإيراني إلى منابعه المالية انخفض بشكلٍ كبير، لذا يُحاول الخروج من هذا المأزق عبر إيجاد خيارات أخرى للخروج من هذه الأزمة، ومن هذه الزاوية يُمكننا رؤية تصدير الوقود إلى فنزويلا.
وأشار تهراني إلى أنّ النظام الإيراني بدأ يُفاضل بين النظام السوري والنظام الفنزويلي، فطهران تعتبر سوريا قاعدة مُتقدمة لها في مواجهة إسرائيل، أما فنزويلا فهي مُهمة لقربها من حدود الولايات المُتحدة الأمريكية، وأضاف تهراني: "بالنظر إلى وضع حلفاء طهران، يُمكننا أن نرى بوضوح أن النظام الإيراني مُتردد في الاختيار بين سوريا وفنزويلا، لذا فهو يحاول الاحتفاظ بكل الجماعات الداعمة له".
ونوّه تهراني بأنّ النظام الإيراني مسؤولٌ عن تمويل الجماعات الواقعة تحت حمايته، فالنظام السوري كحزب الله بحاجة إلى موارد ماليّة كبيرة للبقاء.
إذن؛ فالنظام السوري يعيش اليوم واحدةً رُبّما من أصعب فترات وجوده منذ نشأته قبل خمسين عاماً، فلا موارد ماليّة من شأنها حفظ استمراريّته، ولا أصدقاء قادرين على دعمه مجاناً، فهل سيرفع النظام الدعم عن المواد التموينيّة والمحروقات، الأمر الذي يُهدد بثورة جياع، أم أنّه سيواصل سياسة رهن البلاد لحلفائه مُقابل دعمه للبقاء رئيساً على شعبٍ من الجوعى؟.