على الملأ يعلن شباب سوريون عدم رغبتهم في الزواج، وكأنه شبح، يتهرّبون حتى من ذكر اسمه، بعدما تجاوز سعر محبس الذهب النصف مليون ليرة سورية.
وهناك مصاريف أخرى للزواج يتحمل معظمها الشاب في ظل انهيار الاقتصاد، الذي جعل نسبة 83 في المئة من الشعب السوري يعاني من الفقر، وفق تقارير أممية.
وفي خضّم ارتفاع الأسعار وعزوف الكثير من الشباب عن الزواج، ظهرت مؤخراً حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، تحت اسم "حقو يتزوج" أطلقتها شابات من حمص، مرفقة بعبارة "معك بعيش بلا بيت ملك وبلا ذهب"، وسرعان ما انتشرت على مجموعات وصفحات السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، في مختلف المحافظات.
وتباينت الآراء حول الحملة، فهناك من أيدها في سبيل استمرار الحياة رغم مرارتها، فيما اعتبرها آخرون مجرد كلام لا أكثر، وآخرون رفضوها بهدف تأمين مستقبل أفضل للفتاة وحمايتها، ولم يخلُ الأمر أيضاً من بعض التعليقات التهكمية.
لكن السؤال، هل هذه الحملة هي حقيقة على أرض الواقع ويمكن تنفيذها؟ أم مجرد كلام على "السوشيال ميديا"، لا سيما أن الذهب وحفل الزفاف من أساسيات وطقوس الزواج في سوريا.
إبراهيم، 34 عاماً، من ريف دمشق، يقول لـ"روزنة": "شاهدت الحملة على فيسبوك، هنالك الكثير من الأشخاص علّقوا عليها وأيّدوها، لكن على أرض الواقع هذا مجرد كلام".
ويتابع "نعم حقي أن أتزوّج، لكن كيف، حتى لو لم تكن تريد منزل ملك، حتماً سأستأجر منزلاً، كيف لي أن أستأجر وأنا بالكاد راتبي شهرياً 60 ألف ليرة، فيما إيجار أقل منزل يحتاج إلى مئة ألف ليرة؟".
يتفق عبدلله، 29 عاماً، من حمص، مع إبراهيم، حيث يقول لـ"روزنة": "الزواج بكل الأحوال أصبح حلماً بالنسبة لنا كشباب، لا أحد يفكّر بالزواج لا أنا ولا أصدقائي، هذا عدا عن كون الفتاة عند الجد، تطلب أموراً ليس باستطاعة أي شاب الآن تحقيقها".
ويردف عبد الله "حملة حقو يتزوج تقول إن الفتاة يمكنها العيش مع الشاب بمنزل غير مملوك، وهل يستطيع أحد هذه الأيام أصلاً شراء منزل!؟ حتى الأغنياء لا يستطيعون، وحتى إيجار منزل بات صعباً للغاية".
اقرأ أيضاً: الحرب والهجرة أسباب تدفع الشباب السوري للعزوف عن الزواج

ومع انهيار الليرة السورية بات المواطن السوري بحاجة لأكثر من 4 أضعاف راتبه من أجل الاستمرار في الحياة وتلبية مطالبه الشهرية من طعام وشراب، والذي يقدر وسطياً بـ 40 ألف ليرة سورية.
وفي دراسة لمركز "فرات للدراسات" في تموز الشهر الماضي، ذهب أن العائلة السورية المؤلفة من 5 أفراد، تحتاج إلى 686 ألف ليرة لتأمين احتياجاتها الشهرية من الطعام فقط، حتى تعيش بمستوى عامي 2009 و2010.
أم باسم، 43 عاماً، مقيمة في ريف دمشق، تقول لـ"روزنة": "زوجت ابنتي العام الماضي لشاب يسكن عند أهله، لم نطلب شيئاً، سوى محبس الزواج، والمهر على ورق فقط، المهم كان بالنسبة لي كان أخلاق الشاب واحترامه لابنتي.. هناك نسبة كبيرة من العائلات أصبحت تيسّر أمور الزواج الآن في ظل الغلاء الفاحش".
وتضيف، "العائلات التي لم تتأثر بالوضع الاقتصادي في البلد لا تزال تطلب نقداً مرتفعاً بأسعار خيالية من أجل تزويج ابنتها، لكنها قليلة، ويتراوح المهر المطلوب بين 10 و20 ليرة ذهبية متقدم ومثلها متأخر، و5 مليون ليرة ملبوس بدن، ما عدا الذهب".
أم محمد، من حماة، حاولت البحث عن عروس لابنها لكنها فشلت في "فهم" كل طلبات أهالي الفتيات من ذهب وغيره، وتوضح لـ"روزنة": "الآن أصبح أهل الفتاة يطلبون المستحيل، ويقولون أن ذلك ضمان لابنتهم في ظل الأوضاع الحالية، فلا يستطيعون تزويج ابنتهم لشاب بوضع أقل من متوسط".
ما وضع العسكري؟
يقول وسام، 31 عاماً، مقيم في دمشق، لـ"روزنة"، "الحرب والوضع الاقتصادي لم يستطيعا تغيير العادات والتقاليد إلى الآن، كثير من العائلات لا تزال تطلب ذهباً لتزويج البنت رغم أن سعره تجاوز 130 ألف ليرة، كما ترفض عائلة الفتاة الشاب العسكري أو المطلوب للاحتياط".
ويضيف، "صديقي منذ عام 2015 قرر أن يخطب لكنه طلب للخدمة الاحتياطية آنذاك وإلى الآن لم يتزوج، رغم أنه يعمل إلى جانب خدمته، لكن العائلات تخاف من موضوع ارتباط ابنتها مع شاب يخدم في جيش النظام".
وهو ما تؤيده أم باسم بقولها: "الناس ما عاد قدّرت وضع بعضها، ماعاد حدا زوج ابنته لشاب عسكري أو مطلوب للاحتياط… في كتير شباب عندهم أولاد وطلبوا للاحتياط، معقول زوجاتهم تطلب الطلاق مثلاً؟"، تقول متسائلة.
قد يهمك: عزوف الشباب عن الزواج هل يدفع الفتيات في سوريا إلى الانتحار؟

زواج جماعي في حمص
تكاليف الزواج الباهظة دفعت إحدى العائلات في بلدة شين بريف حمص إلى إقامة حفل زفاف لأربعة إخوة بيوم واحد، وانتشر الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي في الـ 27 من الشهر الحالي، وحصدت الصور آلاف الإعجابات والتعليقات.
وعبر السوريون عن إعجابهم بالفكرة وتأييدهم لها، والتي تعبر عن ارتفاع الوعي الاجتماعي من أجل تخفيف تكاليف الزواج هذه الأيام.
زفاف اربع أخوة في يوم واحد ، _ وذلك لتخفيف تكاليف الزواج الباهظة ، تم مساء أمس عقد قران اربع أخوة على زوجاتهم في صالة أفراح جارة الوادي في شين .
Posted by صاحبة الجلالة - الاحتياطية on Friday, November 27, 2020
ارتفاع سعر الذهب
خرج الذهب من حسابات الكثير من السوريين بعدما ارتفع سعره، وبات للرفاهية، ولم يعد عند البعض بذات الأهمية التي كان عليها سابقاً، وإنما أصبح الهم الأول، تأمين لقمة العيش اليومية.
رئيس الجمعية الحرفية للصاغة في دمشق، غسان جزماتي، قال في الـ 8 من الشهر الحالي، إن خاتم الزواج المصنوع من الذهب ارتفع إلى أكثر من 600 ألف ليرة سورية، ووصف جزماتي الارتفاع بالكبير جداً، وبرر السبب لارتفاع سعره عالمياً، إذ وصل سعر الأونصة إلى 1950 دولاراً، فضلاً عن ارتفاع سعر الصرف محلياً، وفق صحيفة "تشرين".
وبلغ غرام الذهب عيار21، أمس الأحد، وفق "الجمعية الحرفية لصياغة الذهب"، بـ 136 ألف ليرة مبيع، وغرام الـ 18 بلغ سعر المبيع 116 ألف و571 ليرة.
البيت أصبح حلماً!
وذكرت صحيفة "البعث" في تقرير لها في أيار عام 2018 ، أن الحصول على منزل في هذا الوقت أصبح حلماً يراود المقبلين على الزواج، كما أن المتطلبات المادية اللازمة للزواج التي يصعب تأمينها من قبل أغلبية الشباب بمن فيهم المستقرون مادياً أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة في سوريا.
ودفعت دعوات الاحتياط والدعوات إلى الخدمة الإلزامية مئات آلاف الشباب السوريين إلى الفرار إما خارج البلاد أو إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام السوري، فيما لجأ شباب آخرون إلى الاختباء والتزام منازلهم خوفاً من الاعتقال والسوق، فضلاً عن الشباب الملتزمين في الخدمة إن كانت إلزامية أو احتياطية لسنوات طويلة بلغت للبعض 9 سنوات.
ونشرت صحيفة "الفايننشال تايمز" تقريراً، في كانون الثاني عام 2019، أشارت فيه إلى تناقص عدد الرجال في سوريا بسبب الحرب، ما دفع النساء إلى العمل خارج المنزل، بشكل لم يألفه المجتمع السوري التقليدي.
وبيّنت أن الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام، وعمليات التجنيد الإجباري، أحدثت تغييراً ديموغرافياً في البلاد، إذ قتلت نحو 500 ألف شخص في الحرب، 80 في المئة منهم رجال، وفق "المركز السوري للدراسات".
الكلمات المفتاحية