باسكال صوما- مشهد الشاب السوري ب.ح. (مواليد 1968) وهو يحرق نفسه في منطقة تعلبايا اللبنانية، بسبب الأوضاع المعيشية، يكفي لإسكات الأصوات العنصرية المترنّحة شمالاً ويميناً، في دول اللجوء، ويكفي أيضاً لإسكات أصوات الحرب والدبابات المستعجلة والطائرات القابضة على أرواحنا. لكن حتى فايروس "كورونا" الذي أوقف العالم، لم يستطع إيقاف الحرب وقسوة اللجوء ضمناً، وعلى هامش الضحايا رحل شابٌ بريء، وهو من مدينة داريا في ريف دمشق، إذ سكب مادة البنزين على نفسه، انتقاماً من الأوضاع المعيشية الصعبة.
نُقل الشاب إلى المستشفى بحالة حرجة، وبحسب التحقيقات الأولية لقوى الأمن الداخلي، فإنّ الحروق في جسمه من الدرجة الثالثة. وتعلن وفاته.
ويخطر في البال أن حال السوريين في لبنان وربما في دول لجوء أخرى انعكاس للصراع الطبقي بين فقراء مهمّشين وأغنياء منزّهين، وهو ليس صراعاً عنصرياً بسبب اختلاف الجنسية.
فرجال الأعمال السوريون حظوا بحب الدولة اللبنانية وبركاتها، وقد عبّرت عن ذلك، مع صدور مرسوم تجنيس مئات منهم (مع رجال أعمال عراقيين وفلسطينيين) عام 2018، وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق، وبين هؤلاء رجال أعمال مقرّبون من النظام السوري ورئيسه. والمرسوم الذي كان يُراد إبقاؤه سرياً، فُضح وسرِّب إلى الإعلام، وأشعل جدالاً كبيراً حوله، كونه يتناقض مع مبدأ رفض التوطين والتجنيس في الدستور اللبناني.
قد يهمك :سوري يحرق نفسه في لبنان.... وعائلته: "لو غيّرنا المستشفى ما كان مات"
وتفيد بعض المعلومات بمشاركة رجال أعمال سوريين في مشاريع تجارية وسياحية في لبنان وإن بطريقة غير معلنة. وفي عالم رجال الأعمال الأغنياء، تختفي الفوارق، ويصير الجميع شركاء وأصدقاء، فيما تمدّ العنصرية ذيولها إلى اللاجئين الفقراء في المخيمات وفي مناطق مختلفة.
إذ يعاني آلاف اللاجئين السوريين من أوضاع معيشية واجتماعية صعبة جداً لا سيما في المخيمات، حيث تحصل كل عائلة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على ما لا يزيد عن 80 أو 150 دولاراً لكل عائلة، وهو مبلغ لا يكفي لشراء الطعام حتى. إضافةً إلى ظروف الحياة غير الإنسانية والمجحفة بحق هؤلاء، وقد أتى "كورونا" الآن ليزيد الطينة بلة، والعنصرية حدّةً.
ويذكر أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" ذكرت في بيان سابق، أن "21 بلدية لبنانية على الأقل فرضت قيوداً تمييزية على اللاجئين السوريين ولا تُطبق على السكان اللبنانيين، كجزء من جهودها لمكافحة الفيروس المتفشي في البلاد". هذا فيما يفرض "كورونا" المزيد من التضييق على الأوضاع المعيشية عموماً، وقد خسر الآلاف وظائفهم وأجّلوا حيواتهم ونشاطاتهم إلى وقت آخر، ويبدو الأمر أكثر قساوةً على السوريين الذين يعملون أصلاً مقابل أجور زهيدة وبظروف عمل مجهدة، ويتم الاستغناء عن خدماتهم بسهولة، فلا أحد يحميهم، وليس من يأبه للفقراء.
إضافة إلى التعامل العنصري معهم في الكثير من البلدات والمناطق، حتى أنه تم طرد البعض من بيوتهم أو الغرف التي يسكنون فيها مع عائلاتهم. وقد وّثقت منظمة العفو الدولية "أمنستي" عدداً وافراً من التجاوزات والانتهاكات لحقوق الإنسان واللاجئين في هذا السياق. كان منها قيام الأمن العام اللبناني بتسليم مساجين سوريين إلى أمن النظام السوري بعدما أنهوا فترة حكمهم، وهو ما يتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان واللاجئين، التي تمنع تسليم شخص لجهة أو دولة قد تعرّض سلامته أو حياته للخطر. ويمكن تخيّل ماذا ينتظر أي معارض سوري تصل أيدي النظام إلى عنقه.
في مقابل ذلك كله، هرج العنصرية ومرج اللاإنسانية في التعاطي مع اللاجئين، لا ينسحبان على رجال الأعمال السوريين، الموجودين في لبنان منذ الستينات، وقد شهد لبنان حركة اقتصادية بارزة وقتها، لعب فيها رجال الأعمال السوريون دوراً بارزاً، بعدما نزحوا لأسباب سياسية، منها موضوع الوحدة العربية والتأميم الذي ضمّ سوريا واقتصادها وثرواتها إلى مصر، فهربت رؤوس الأموال السورية إلى بيروت.
حتى أنّ شارع الحمراء وهو من أشهر شوارع بيروت، ما زال يطلق عليه أحياناً "شارع السوريين"، وذلك لكثرة المحال التجارية والمقاهي العائدة لمالكين سوريين موجودين في بيروت منذ عشرات السنين.
على سبيل المثال، فندق ومسبح "السمرلاند" الذي كان قائماً في منطقة الروشة قبل أن يتحول إلى منتجع "الموفينبيك"، وكان صاحب السمرلاند المليونير السوري حامد الآتاسي وشقيقه.
ومع اندلاع الحرب السورية عام 2011، شهد لبنان موجة جديدة من نزوح رجال الأعمال، وفتحت سلاسل مطاعم سورية راجت بشكل لافت، منها "بيت حلب" و"بندقجي"، وساهم رجال أعمال سوريون في بناء عدد من المولات والمشاريع التجارية الضخمة. كما برزت سيدات أعمال سوريات، استطعن تحقيق إنجازات بارزة، واستثمار رؤوس أموالهنّ في بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية. هذا فيما ترزح آلاف النساء السوريات الأخريات تحت وطأة الاستغلال الجنسي والفقر والتحقير والعنصرية في المخيمات وسواها، وهو ربما باب نفتحه في نقاش لاحق.
في المحصّلة، تتساقط مخاوف العنصريين سريعاً حين يتعلّق الأمر برجالات النظام ورجال المال، فيما قد تقضي المخاوف ذاتها على مستقبل آلاف العائلات التي تواجه الموت و"كورونا" والجوع في العراء. وقد تنتهي حكاية شاب سوري مسكين حرقاً، فيما تشيّد الأبراج والمشاريع المشتركة بين سوريين ولبنانيين ويتم التخطيط لحكايات مجد لاحقة.
نُقل الشاب إلى المستشفى بحالة حرجة، وبحسب التحقيقات الأولية لقوى الأمن الداخلي، فإنّ الحروق في جسمه من الدرجة الثالثة. وتعلن وفاته.
ويخطر في البال أن حال السوريين في لبنان وربما في دول لجوء أخرى انعكاس للصراع الطبقي بين فقراء مهمّشين وأغنياء منزّهين، وهو ليس صراعاً عنصرياً بسبب اختلاف الجنسية.
فرجال الأعمال السوريون حظوا بحب الدولة اللبنانية وبركاتها، وقد عبّرت عن ذلك، مع صدور مرسوم تجنيس مئات منهم (مع رجال أعمال عراقيين وفلسطينيين) عام 2018، وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق، وبين هؤلاء رجال أعمال مقرّبون من النظام السوري ورئيسه. والمرسوم الذي كان يُراد إبقاؤه سرياً، فُضح وسرِّب إلى الإعلام، وأشعل جدالاً كبيراً حوله، كونه يتناقض مع مبدأ رفض التوطين والتجنيس في الدستور اللبناني.
قد يهمك :سوري يحرق نفسه في لبنان.... وعائلته: "لو غيّرنا المستشفى ما كان مات"
وتفيد بعض المعلومات بمشاركة رجال أعمال سوريين في مشاريع تجارية وسياحية في لبنان وإن بطريقة غير معلنة. وفي عالم رجال الأعمال الأغنياء، تختفي الفوارق، ويصير الجميع شركاء وأصدقاء، فيما تمدّ العنصرية ذيولها إلى اللاجئين الفقراء في المخيمات وفي مناطق مختلفة.
إذ يعاني آلاف اللاجئين السوريين من أوضاع معيشية واجتماعية صعبة جداً لا سيما في المخيمات، حيث تحصل كل عائلة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على ما لا يزيد عن 80 أو 150 دولاراً لكل عائلة، وهو مبلغ لا يكفي لشراء الطعام حتى. إضافةً إلى ظروف الحياة غير الإنسانية والمجحفة بحق هؤلاء، وقد أتى "كورونا" الآن ليزيد الطينة بلة، والعنصرية حدّةً.
ويذكر أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" ذكرت في بيان سابق، أن "21 بلدية لبنانية على الأقل فرضت قيوداً تمييزية على اللاجئين السوريين ولا تُطبق على السكان اللبنانيين، كجزء من جهودها لمكافحة الفيروس المتفشي في البلاد". هذا فيما يفرض "كورونا" المزيد من التضييق على الأوضاع المعيشية عموماً، وقد خسر الآلاف وظائفهم وأجّلوا حيواتهم ونشاطاتهم إلى وقت آخر، ويبدو الأمر أكثر قساوةً على السوريين الذين يعملون أصلاً مقابل أجور زهيدة وبظروف عمل مجهدة، ويتم الاستغناء عن خدماتهم بسهولة، فلا أحد يحميهم، وليس من يأبه للفقراء.
إضافة إلى التعامل العنصري معهم في الكثير من البلدات والمناطق، حتى أنه تم طرد البعض من بيوتهم أو الغرف التي يسكنون فيها مع عائلاتهم. وقد وّثقت منظمة العفو الدولية "أمنستي" عدداً وافراً من التجاوزات والانتهاكات لحقوق الإنسان واللاجئين في هذا السياق. كان منها قيام الأمن العام اللبناني بتسليم مساجين سوريين إلى أمن النظام السوري بعدما أنهوا فترة حكمهم، وهو ما يتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان واللاجئين، التي تمنع تسليم شخص لجهة أو دولة قد تعرّض سلامته أو حياته للخطر. ويمكن تخيّل ماذا ينتظر أي معارض سوري تصل أيدي النظام إلى عنقه.
في مقابل ذلك كله، هرج العنصرية ومرج اللاإنسانية في التعاطي مع اللاجئين، لا ينسحبان على رجال الأعمال السوريين، الموجودين في لبنان منذ الستينات، وقد شهد لبنان حركة اقتصادية بارزة وقتها، لعب فيها رجال الأعمال السوريون دوراً بارزاً، بعدما نزحوا لأسباب سياسية، منها موضوع الوحدة العربية والتأميم الذي ضمّ سوريا واقتصادها وثرواتها إلى مصر، فهربت رؤوس الأموال السورية إلى بيروت.
حتى أنّ شارع الحمراء وهو من أشهر شوارع بيروت، ما زال يطلق عليه أحياناً "شارع السوريين"، وذلك لكثرة المحال التجارية والمقاهي العائدة لمالكين سوريين موجودين في بيروت منذ عشرات السنين.
على سبيل المثال، فندق ومسبح "السمرلاند" الذي كان قائماً في منطقة الروشة قبل أن يتحول إلى منتجع "الموفينبيك"، وكان صاحب السمرلاند المليونير السوري حامد الآتاسي وشقيقه.
ومع اندلاع الحرب السورية عام 2011، شهد لبنان موجة جديدة من نزوح رجال الأعمال، وفتحت سلاسل مطاعم سورية راجت بشكل لافت، منها "بيت حلب" و"بندقجي"، وساهم رجال أعمال سوريون في بناء عدد من المولات والمشاريع التجارية الضخمة. كما برزت سيدات أعمال سوريات، استطعن تحقيق إنجازات بارزة، واستثمار رؤوس أموالهنّ في بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية. هذا فيما ترزح آلاف النساء السوريات الأخريات تحت وطأة الاستغلال الجنسي والفقر والتحقير والعنصرية في المخيمات وسواها، وهو ربما باب نفتحه في نقاش لاحق.
في المحصّلة، تتساقط مخاوف العنصريين سريعاً حين يتعلّق الأمر برجالات النظام ورجال المال، فيما قد تقضي المخاوف ذاتها على مستقبل آلاف العائلات التي تواجه الموت و"كورونا" والجوع في العراء. وقد تنتهي حكاية شاب سوري مسكين حرقاً، فيما تشيّد الأبراج والمشاريع المشتركة بين سوريين ولبنانيين ويتم التخطيط لحكايات مجد لاحقة.
الكلمات المفتاحية