يجمع سوار ديركي كل شهر حصة عائلته من مدخول الفرن الذي يعمل فيه، ليرسلها عبر أحد مكاتب التحويلات التي تنشط في مخيم "دوميز" بالقرب من مدينة دهوك في إقليم كردستان العراق، إلى سوريا.
سوار بدأ العمل في فرن للمعجنات بالمدينة وسكن في إحدى الخيم مع 3 أصدقاء آخرين قبل خمس سنوات.
يقول سوار لـ"روزنة": "انتقلت من عمل إلى آخر منذ وصولي إلى هنا، وفي كل مرة كنت أقوم بإرسال 200 دولار شهرياً إلى عائلتي".
تخلّص سوار من تكاليف الإيجار بعدما قرر بناء خيمة على هيئة مسكن صغير داخل المخيم، كما تخلص من تكاليف المواصلات بعدما افتتح الفرن الخاص به داخل المخيم ايضاً، ويتحضر الآن لإتمام مراسم زواجه.
ديركي بعد 5 سنوات من اللجوء بدأ يفكر في الارتباط والاستقرار، فهو ينسق مع أهله كي يتمم زواجه هذا العام: "أرسل لأهلي بعض المال وفق المتاح، وأدّخر ما اقدر عليه حتى تمكنت من تأمين مستلزمات الزواج".
محمد شاب آخر أتى من القامشلي إلى المخيم أيضاً يقول لـ"روزنة": "أتيت إلى الإقليم منذ فترة قصيرة، والحمد لله الآن لي عملي الخاص وأملك سيارة خاصة بي، وأيضاً أساعد عائلتي التي بقيت في القامشلي كي تستطيع مقارعة الأوضاع الاقتصادية في البلد".
محلات صرافة وتحويلات مالية داخلية
ينتشر نحو 13 مكتباً للصرافة داخل المخيم، حيث تمر ملايين التحويلات المالية من تحت سقوف التوتياء.
أول مكاتب الصرافة في المخيم، كانت لصاحبه فرهاد حسن، الذي يقول لـ"روزنة" "هذه المكاتب لديها ارتباطات مع مخيمات السوريين الأخرى وتتراوح قيمتها من 200 إلى 1000 دولار، يرسلها شبان يعملون في إقليم كردستان يساعدون أهاليهم في سوريا".
ويضيف: "لا نستطيع أن نعطي أرقاماً دقيقة عن قيمة التحويلات الشهرية، يتم تحويل نحو 100 ألف دولار تقريبا بشكل وسطي شهرياً من مكتبي، وهناك أكثر من عشرة محلات في المخيم لذلك نستطيع القول إن ما مقداره مليون إلى مليون ونصف دولار يتم تحويله شهرياً".

بعد انفتاح التجارة بين شمال سوريا وإقليم كردستان العراق ارتفعت قيمة الحوالات بشكل طفيف، وفق حسن: "طرأ تغيّر على قيمة الحوالات مع الانفتاح التجاري بين سوريا والإقليم، إلا أنها ليست تغيرات كبيرة كون محلاتنا هنا ليست مرخصة وتحويل مبالغ كبيرة عن طريق محلات غير مرخصة لا يكون آمناً، إلا إذا كانت هناك معرفة شخصية بالتاجر".
أبو أحمد، صاحب محل صرافة في المخيم، يقول : "ما يتم تحويله من مخيم دوميز يشكل جزءاً كبيراً من مجمل ما يُحوّل من إقليم كردستان إلى المناطق الكردية في سوريا، وتقارب تحويلات دوميز المليون دولار شهرياً، طبعاً هناك تجارة متبادلة بين الطرفين والتحويل يتم بالحوالات التي غالباً ما تكون بنظام التحويل ضد الدفع".

وعن أسباب تزايد مبالغ التحويل يتحدث أبو أحمد: "السبب الرئيسي للتحويلات إلى سوريا هو دعم الأهالي هناك كي لا يضطروا إلى اللجوء أيضاً، فكل عائلة إذا لم تتمكن من إرسال أحد أبنائها إلى أوروبا لدعمها، ترسله إلى هنا للعمل".
وتعمل هذه المكاتب من دون ترخيص نظامي من سلطات الإقليم الكردي، إنما هي مرخصة وبعلم منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على أنها مكاتب لتصريف العملات وليس على أنها مكاتب تحويل أموال.
ما مدى استفادة النظام السوري من تحويلات اللاجئين السوريين ؟
يفترض بعض الاقتصاديين أن المستفيد الأول من قيمة التحويلات المالية عائدة لمصلحة النظام السوري، ويقول خورشيد عليكا، الباحث الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاديين الكرد لـ"روزنة": "إنَّ استمرار تدفق التحويلات المالية سواء الدولار، اليورو، الليرة التركية، الدينار العراقي، يعني دخول النقد الأجنبي، وبالتالي تحسين قيمة العملة المحلية (الليرة السورية) نوعاً ما".

ويضيف عليكا أن النقد الأجنبي الداخل عبر التحويلات الخارجية يساهم في تخفيف الديون الخارجية: "كما يمكن أن تلعب تحويلات المهاجرين المالية دوراً متزايداً لتدخل محل التدفقات الرأسمالية من الخارج، وبالتالي تساعد في علاج مشكلة الاقتراض من الخارج، لسد العجز في ميزان المدفوعات، وتعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل احتياجات التنمية واستثمارها".
ويقول جوان حمو لـ"روزنة"، وهو باحث اقتصادي حول أهمية التحويلات المالية للاجئين : "قد تتجه التحويلات المالية إلى أنشطة الاستثمار المتوسطة، مثل أسواق السلع الاستهلاكية وسوق خدمات الأعمال وأسواق الأراضي والعقارات، ما قد يحسن النمو الاقتصادي".
اقرأ أيضاً: المرحلة الرابعة... حجر عثرة أم إجراء روتيني يواجه المرشحين للجنسية التركية؟
يضيف حمو: "على مستوى الاقتصاد الكلي فإنَّ التحويلات المالية تشكّل أهمية حيوية بالنسبة إلى ميزان المدفوعات، وتنمية مصادر النقد الأجنبي من المصادر غير المنظورة".
تمثل قيمة هذه التحويلات الرئة التي يتنفس منها أهالي منطقة القامشلي في ظل الواقع الاقتصادي السيئ الذي تعاني منه منطقة الجزيرة خصوصاً، وسوريا عموماً، لكن الدراسة الاقتصادية للباحثين خورشيد عليكا وجوان حمو، والتي حملت عنوان "الآثار الاقتصادية الناجمة عن التحويلات المالية للمهاجرين على اقتصاد المنطقة الكردية في سوريا"، ترى أن هذه التحويلات المالية تساهم في زيادة البطالة المقنعة في البلاد وتدفع بهجرة الشباب.
الكلمات المفتاحية