"كنت أحمل آلة العود وأمشي في شوارع مدينتي متباهياً، أما الآن فأضعها داخل كيس قمامة، خشية أن ألاحق أو يتم اعتقالي فقط لأنني موسيقي".
وأضاف راسم (اسم مستعار) من مدينة إدلب، الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"، لـ روزنة "أخشى أن يلاحظ أحد أنني احمل آلة موسيقية".
وتساءل "هل من المعيب أن أحمل عودي أم أن المعيب حقاً هو أن أُسجن لأنني فقط عازف عود".
وأصدرت هيئة "سواعد الخير" أي جهاز الشرطة التابع لـ "هيئة تحرير الشام" قراراً يمنع المجاهرة بسماع أو عزف الموسيقى، وهددت المخالفين بعقوبات منها الاعتقال ودفع غرامات مالية.
وخاطب راسم الهيئة قائلاً "معركتكم ضد الموسيقى خاسرة.. أنتم تلاحقون من يعالج أوجاعنا ولو بجرعة من الفرح"، مضيفاً "لو أطلقوا الرصاص على كل الآلات الموسيقية فالموسيقى باقية ما بقي العقل"، على حد قوله.
أبو ربيع (سائق تكسي أجرة في مدينة إدلب) قال لـ روزنة "اعتدت منذ أعوام على سماع أغاني فيروز في الصباح الباكر حين أنطلق إلى العمل، لكن بعد قرار سواعد الخير، أصبحت أخشى من سماع الموسيقى داخل السيارة".
وأضاف "أخشى من الاعتقال ومصادرة سيارتي عند إحدى حواجز الهيئة في حال ضُبطتُ وأنا أسمع الموسيقى".
وكان تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يحرم كذلك الموسيقى بجميع أشكالها في المناطق التي كان يسيطر عليها، إذ أصدر قراراً بمنع بيع أقراص الغناء، وآلات الموسيقى، وتشغيل الأغاني في السيارات، والحافلات، والمحلات، وغيرها من الأماكن.
حرفة صناعة الآلات الموسيقية مهددة وتقتصر على ورشات منزلية سرية
أبو علي (رجل سبعيني وأحد صناع الآلات الموسيقية الوترية في إدلب)، قال لـ "روزنة" إن "سوريا اشتهرت منذ القديم بصناعة الآلات الوترية التي تحمل طابعاً شرقياً أصيلاً، وكانت تصدر إلى مختلف بلدان العالم، وكان أبرزها صناعة العود السوري".
وأضاف أن "سبب الطلب الكبير على الأعواد السورية هو الصناعة اليدوية والدقة والإتقان في صناعة الآلات الوترية بشكل عام والأعواد بشكل خاص".
(ريف إدلب - عزف عود)
وعن ورشته في إدلب، قال أبو علي، "أسس الورشة جدي قبل أكثر من 100 سنة، وورثها عنه أبي وورثتها لاحقاً عن أبي، وكنا نُصدِّر الآلات الموسيقية إلى دول أوروبا".
وتابع "في مطلع عام 2012 أحرق جيش النظام السوري الورشة بما فيها من آلات وأدوات، بحجة أنني معارض للنظام السوري، وبعد خروج الجيش قمت بصيانة الورشة من جديد".
"وعدت إلى العمل في الورشة، رغم صعوبة تأمين المواد الأولية، لكن الورشة أغلقت مجدداً في منتصف عام 2014، إثر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على المدينة، إذ صادر التنظيم جميع الآلات الموسيقية في الورشة، وسجنني لمدة تزيد عن شهر"، يقول أبو علي.
إقرأ أيضاً: قلعة حلب.. هل باتت مسرحاً لأغاني "الكراجات"؟

وبعد خروج التنظيم من مدينة إدلب وخضوعها لسيطرة الجيش السوري الحر، عاد أبو علي إلى العمل في ورشته من جديد، وقال إنه تابع العمل رغم مضايقات من بعض عناصر الجيش الحر، من باب "تحريم الموسيقى".
وقرر أبو علي، بعد سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مدينة إدلب إيقاف العمل في الورشة نهائياً، وبدأ العمل آنذاك سراً في منزله، يبيع لأشخاص يعرفهم جيداً، ويثق بأنهم لن يفشوا السر إلى الهيئة كي لا يتم اعتقاله، بحسب تعبيره.
وعن سبب بقائه في إدلب تساءل أبوعلي إلى أين أذهب؟ إلى مناطق النظام؟، وأجاب أن ورشات تصنيع الآلات الموسيقية هناك ليست أفضل حالاً، إذ تعاني من نقص حاد في المواد الأولية، كما أن عدم الاهتمام بتأمين الاحتياجات الأساسية في تصنيع الآلات الموسيقية يزيد من الأعباء".
اليد الحرفية هاجرت أو تحاول.. والعازفون بلا آلات!
لفت أبو علي إلى أنه أرسل ابنه الأكبر إلى مصر منذ 3 سنوات، وافتتح هناك ورشة كبيرة لتصنيع الآلات الموسيقية ولا يزال اسم ورشته قائماً، لكنه انتقل من سوريا إلى مصر، على حد تعبيره.
وسبق أن تداولت وسائل الإعلام، تقارير عن لاجئين سوريين أسسوا ورشات لصناعة الآلات الموسيقية في بلدان اللجوء، ومنهم خالد حلبي، الذي لجأ إلى لبنان بعد 2011، وأنشأ فيها ورشة لصناعة الآلات الوترية، ثم انتقل إلى كندا وأنشأ هناك ورشة جديدة.
(من أحد مشاغل صناعة العود)
طه (اسم مستعار) من ريف ادلب، يعزف على عوده، الذي أصلحه بنفسه بعدما قام عناصر من "هيئة تحرير الشام" بتكسير العود، يوضح لـ روزنة "بعد أن اعتقلني عناصر من الهيئة قاموا بتفتيش منزلي وتحطيم العود الذي ورثته عن أبي".وتابع "بعد خروجي بحثت كثيراً عن ورشة لصيانة الآلات الموسيقية في إدلب لكن دون جدوى، فقررت أن أصلحه بنفسي عن طريق التعلم من اليوتيوب، والأن أعزف على عودي رغم أنه ليس كما كان، لكن يبقى أفضل من لا شيء"، على حد تعبيره.
إقرأ أيضاً: "الروزانا" تهزم برد السوريين بالموسيقى من ألمانيا

في حين، حُرم رامي (شاب من ريف إدلب) من العزف على "كمانه"، وقال لـ روزنة "تحطمت آلة الكمان التي كنت أملكها نتيجة قصف الطائرات الروسية على مدينتي، وأنا الآن دون آلة موسيقية".
أما عمر (من سكان مدينة ادلب)، فلجأ إلى طريقة جديدة للعزف، إذ يستخدم تطبيقاً على هاتفه المحمول للعزف على آلة الأورغ، ويقول إن "إدلب باتت خاليةً من أي متجر لبيع الآلات الموسيقية".
المعهد الموسيقي الوحيد في إدلب تحول إلى معهد تابع للهيئة!
يعد المعهد الموسيقي في مدينة إدلب هو الوحيد لتعليم الموسيقى في المحافظة، وأسس في مطلع عام 1985 وتخرَّج منه أكثر من 100 طالب سنوياً، وتوزعوا على المدارس لتعليم التلاميذ الموسيقى.
وحين سيطرت فصائل المعارضة السورية في آذار من عام 2015 أغلق المعهد دون العبث بممتلكاته، بحسب نشطاء إعلاميين من المدينة، في قامت "هيئة تحرير الشام" (بعد سيطرتها على المدينة) بتكسير الآلات الموسيقية في المعهد، وتحويله إلى معهد شرعي.
الكلمات المفتاحية