واجه المعلمون السوريون بشجاعة ظروف اللجوء و آثاره، و عاهدوا أنفسهم على تأمين مستقبل الأطفال اللاجئين في المخيمات رغم بشاعة الحال التي يعيشون فيها، وبذلوا لذلك جهوداً جبارة، انطلاقاً من عملهم الإنساني وأخلاق مهنتهم الرفيعة، وعملوا على إنشاء مشاريع تخدم قضية التعليم تلك، بجهودهم الخاصة والمتواضعة.
أطفال ونساء.. يتعلّمن
في خيمة تعليمية وسط منطقة البقاع اللبنانية، يعمل الجامعي عزام المصري مع معلمتين سوريتين متطوعتين، على تعليم نحو 200 طفل سوري، المواد التعليمية الأساسية، إضافة لتعليم أكثر من 400 امرأة اللغة الإنكليزية.
عزام المصري، الوحيد الذي يحمل شهادة جامعية في الهندسة داخل المخيم، قال في حديث لـ"راديو روزنة"، إنه بدأ المشروع التعليمي باستئجار خيمة مؤلفة من قسمين على حسابه الخاص وعمل على إنارتها، وشراء ألواح بيضاء للكتابة عليها، ومن ثم تطوّعت معلمتان لتعليم النساء صباحاً والأطفال بعد الظهيرة، فيما تولى هو تدريس الأطفال بعد انتهاء الدوام الرسمي للتعليم.
وأشار المصري إلى أن مشروعه التعليمي (طموح نساء سوريات) جاء لموقف عايشه في وقت سابق داخل المخيم، ففي إحدى المرات قدمت إلى المخيم سيارات تقل مسؤولين من الأمم يودون الاطلاع على أحوال اللاجئين، ولأن الزوار لا يتقنون اللغة العربية، استعانوا بمترجمين، إلا أن المفاجأة كانت أن "ما يُترجم للمسؤولين مختلف كليأً عما كان يقوله اللاجئون".

ويضيف المصري، أنه كان يدّخر مصروفه الشخصي في سبيل استمرار المشروع، الذي شكّل بارقة أمل للنساء والأطفال، حيث كان يشتري القرطاسية والدفاتر والمستلزمات التعليمية الأخرى.
ويتم في الخيمة التعليمية تدريس النساء اللغتين العربية والإنكليزية، إضافة إلى طرق المحادثة، بينما يتم تدريس الأطفال "الرياضيات، والعلوم، واللغتين العربية والإنكليزية"، بحسب المصري.
ولفت المصري إلى أن "الإقبال على التعليم أصبح كبيراً، وبخاصة السوريين الذين لديهم مقابلات مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين"، مشيراً إلى أن المشروع لم يقف عند تعليم المواد الأساسية فقط، وإنما أطلق دورات لتعليم النساء بعض المهن كتصفيف الشعر والمكياج، والخياطة.
ويؤكد أن "مشروعه المتواضع عاد بالنفع على العديد من النساء السوريات، حيث بات قسم كبير منهن يكتب، فيما تمكن القسم الآخر من العمل، وأعرب عن خوفه من انهيار المشروع بسبب غياب الدعم المادي".
وتقدر الأمم المتحدة عدد اللاجئين السوريين في لبنان بنحو مليون لاجئ، ويعيش عدد كبير منهم في مخيمات قريبة من الحدود السورية، وسط ظروف معيشية متردية.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت في تقرير نشرته عام 2016، إن أكثر من نصف الأطفال السوريين بسن الدراسة في لبنان والبالغ عددهم 500 ألف تقريباً لا يحصلون على تعليم رسمي، تعترف به الحكومة اللبنانية، حيث تسمح الحكومة اللبنانية بالتحاق الأطفال السوريين بالمدارس الحكومية مجاناً، إلا أن مدخول عائلاتهم محدود، وسياسات الإقامة المجحفة بحق اللاجئين تبقيهم خارج المدراس.

المعلّم متطوّع.. وأمام خيارات صعبة
أسّس عدد من المثقفين السوريين مدرسة "مخيم الوفاء" في ريف إدلب الغربي، بإدارة المعلم رشيد الدكر قبل عامين ، ويرتاد المدرسة نحو 120 طالباً وطالبة من أبناء المخيم وثلاثة مخيمات بجواره، تضم صفوف مرحلة التعليم الأساسية من الصف الأول وحتى السادس.
يقول الدكر الذي يحمل إجازة في اللغة العربية لـ"روزنة"، "إن المدرسة تعاني العديد من المشاكل التي تعيق العملية التعليمية، من أبرزها غياب الدعم وعدم وجود مصدر دخل للمدرسين، ما يدفعهم للالتزام في التدريس صباحاً، والعمل بعد الظهر بأعمال متفرقة لتأمين لقمة العيش".
وواجهت المدرسة خطر الإغلاق عدة مرات بعد ترك الكثير من المعلمين والمعلمات العمل فيها لتوفر فرص عمل أخرى توفر لهم مدخولاً يعتاشون منه، بحسب الدكر.
ومن المشكلات الأخرى التي تواجههم، "عدم تأمين التدفئة في فصل الشتاء، وصعوبة تأمين الكتب والمنهاج الدراسي والقرطاسية، إضافة إلى البنى التحتية السيئة للمخيمات".
أمّا "الأطفال في المخيمات، فقدوا طفولتهم"، كما يقول الدكر، "فقدوا حقهم في اللعب في بيئة آمنة، كل شيء حولهم لا يشعرهم بطفولتهم، حتى طريقة اللعب اختلفت بسبب طبيعة المخيمات الطينية، باحات المدارس صغيرة، وموحلة إضافة إلى فقدانهم الكثير من أنواع اللعب والرياضة الترفيهية وضيق المساحات، ما يشكل عائقاً أمام دراستهم أيضاً".
تكاليف النقل مرتفعة
المعلمة آلاء إسماعيل، تعمل في مدرسة "الإبداع العلمي" في مخيم التعاون" بقرية خربة الجوز غرب إدلب، تقول لـ"روزنة"، إن من أبرز المشاكل التي تواجهها تكاليف النقل المرتفعة والتي تدفعها شهرياً للوصول إلى المدرسة، على الرغم من حصولها على منحة شهرية تبلغ نحو 150 دولاراً أمريكياً يعمل مدير المدرسة على تأمينها للمعلمين".
وأشارت آلاء إلى صعوبة التعليم في المخيم، لعدم اهتمام الطالب أو الأهل بالعلم، وعدم التزامهم بنظام المدرسة والمواعيد وما إلى ذلك، كما أن العمل ضمن اختصاصها في الجغرافيا محدود في المنطقة، ولا إمكانية لمتابعة دراستها العليا.
وكانت أكثر من 15 مدرسة في منطقة المخيمات الحدودية في ريف إدلب، أعلنت عن إغلاق أبوابها بسبب توقف الدعم عنها لأكثر من ستة أشهر، لعجز المنظمات، مطلع العام الماضي 2018، بحسب موقع حكايات سوريا.
وتعاني المخيمات بشكل عام من ظروف معيشية سيئة، بسبب نقص الدعم المقدم إليها من قبل المنظمات الإنسانية والإغاثية، والمنظمات الدولية، إضافة إلى انقطاع الكثير من الأطفال عن التعليم.
الكلمات المفتاحية