هل سبق لك أن هربت من أمن النظام السوري أثناء المظاهرات بداية الثورة؟ ربما كان عليك أن تنظر إلى وجهك، إذ ليس هنالك قلق وخوف بادٍ فقط، وإنما أيضاً تعابير كوميدية، وربما مشاعر مضحكة مبكية، شبيهة بآلاف المواقف التي تعرّض لها سوريون، ابتسموا وضحكوا رغم وجعهم وآلامهم، وشكّلت جزءاً من ذاكرتهم مازالوا حتى اليوم يحكونها أو يتعرّضون لمواقف شبيهة بها.
أطول ركعة في تاريخ الثورة
للمظاهرات السورية خصوصية، إذ كان أمن النظام يراقب كل تحركّات المتظاهرين وتحديداً في المساجد، التي شكّلت في كثير من الأحيان منطلقاً للمظاهرات، لكن بعض الصلوات في زمن الثورة كانت أطول من غيرها.
يقول أكرم محمد لـ"روزنة"، وهو شاب من مدينة اللاذقية "بينما كنّا نصلّي التراويح ذات مرّة في عام 2012، دخل شاب صغير وركض باتجاه الإمام وهمس بأذنه أثناء الصلاة، دون أن نعرف ماذا قال له".
يردف أكرم "بعدها طالت الركعة كثيراً، لم تعد تنتهي الصلاة، فيما بدأ العرق يتصبّب من المصلّين، بينما هم أثناء الركوع، وهو ما دفع البعض للاعتقاد بأن الشيخ قد نام مثلاً، ليتضح فيما بعد أن الشاب الصغير قال للشيخ بأن الأمن قد سرق أحذية المصلّين، وأنهم بانتظارهم خارج المسجد".
يتابع أكرم "خرج المصلّون من المسجد حفاةً، بينما أنا وجدت فردة حذاء، والأخرى وجدتها أبعد بقليل، وفجأة صاح أحد الأشخاص بصوت عالي، الله أكبر، وبدأت العالم تهتف، دون أن أتمكّن حتى من ربط حذائي".
يضيف أكرم"انتعلت فردة حذاء بينما بقيت الأخرى في يدي، وهربنا إلى زقاق قريب حيث لا يوجد عناصر أمن هناك، لنتفاجأ بأن أحد الشباب تم احتجازه من قبل عناصر الأمن، بينما أخوه بجانبنا".
ويختم أكرم "ركض الأخ فجأة وصاح بأعلى صوته للأخ المحتجز (محمد فجّر حالك ماتتركهم يمسكوك، فجر حالك) وفي غضون ثوان ترك عناصر الأمن محمد، وهربوا من المنطقة".

برودة دم
في مظاهرات مدينة دمشق، بين عامي 2011 و 2012، لم تكن أعداد المدنيين قليلة، إذ شهدت مناطق كالميدان و القابون والمزّة مظاهرات ضخمة، لكن في مناطق أخرى كانت أقل عدداً، وهو ما دفع المدنيين للاختفاء والهروب بعد المظاهرات، دون أن ينطبق هذا الكلام على الشاب وحيد الذي كان يبقى متسمّراً في مكانه، دون أن يأبه بقدوم دوريات أمن النظام.
يروي محمد المادني لـ"روزنة" ، وهو صديق وحيد من مدينة دمشق "كان التحدي ألا يتم الإمساك بوحيد حتى بعد اقتراب الأمن السوري منه، في الحقيقة لم تكن القصة صعبة بالنسبة له، إذ كان معروفاً عن وحيد برودة دمّه، وكان دائما مُصرّاً على ألا يتحرّك من مكانه في كل مرّة يخرج فيها بمظاهرة".
يردف المادني "كان حتى بطيئاً عندما يسأله أمن النظام، شو عم تعمل هون، ليجيب هو (خير شو في)، وفي كل مرّة كانوا يعتبرون الوقوف معه مضيعة للوقت".
يتابع المادني "ورغم شكوك أحد عناصر الأمن به، ومعرفة وحيد بذلك، إلا أنه حافظ على هدوءٍ وبرودة دم لا أحد يستطيع تحمّلها".
ويضيف بالقول: "ذلك العنصر شاهد وحيد في عدّة أماكن مختلفة من دمشق و قريبة من المظاهرات، في وقت كان هو دائماً متكئاً على حائط أمام بناء كأنه أمام منزله مثلاً، ممسكاً سيجارة في يده، وبالفعل لم يتعرّض ولا مرّة للاعتقال، وربما أصلاً لم يخرج من سوريا، وبقي في مكانه".
اقرأ أيضاً: بعد 8 سنوات... تمثال الأسد يشعل المظاهرات من جديد في درعا
فلاشة و "سخّانة لابتوب"
لم تكن التكنولوجيا من اهتمامات الأمن السوري، وهو ما استفاده منه المتظاهرون، إذ يتذكّر حسن حميد، وهو شاب من مدينة حمص حادثة جرت في مدينته إذ يقول لـ"روزنة": "على أحد حواجز قوات النظام في ريف حمص، استوقف العناصر صديق لي، وفتّشوه، واكتشفوا أنّ معه ذاكرة USB أو "فلاشة"، هنا شعر الضابط بنشوة اكتشاف أكبر إرهابي سوري، ابتسم ابتسامة ماكرة، وقال للشاب (ها ها، كمشناك، فتحلنا هالفلاشة لنشوف، أكيد فيها بلاوي مظاهراتكن) وكان الضابط قد أحضر حاسوب محمول، ليس لديه أي خبرة في استعماله".
يتابع حسن "وضع الفلاشة في الحاسوب، لكنها لم تفتح، ربما كانت محمية بكلمة سر أو قد تكون ملفاتها مخفية، لم يتمكّن الضابط من إيجاد أي شيء، فغضب من الشاب، سحبه باتجاه الحاسوب المحمول، وطلب منه أن يفتح ما في الفلاشة، هنا قال الشاب للضابط: "سيدي هي الفلاشة حتى تفتح بدها تهيئة، لازم نهيئّها لتفتح" ردّ الضابط "طيب هيّئها لنشوف"، وقام الشاب بتهئية الفلاشة وهو ما يعني مسح كل شيء داخلها، حينها اقترب من الضابط وقال له "سيدي شوفها، الله وكيلك متل ما قلتلك مافيها شي"، شعر الضابط بخطأ اتهام شاب بريء، لكن ذلك لم يمنع من ضربه حتى لا يعيد حمل فلاشة مرّة أخرى".
أما مؤيّد، وهو أيضاً شاب من مدينة حمص يتذكّر قصة أخرى إذ يقول لـ "روزنة": "على أحد البسطات التي كانت متواجدة في أحد الأسواق بمدينة حمص، والذي كان غالباً ما يحتوي على بضائع مسروقة قبل عام 2013، كان بعض "المعفّشين" (الذين سرقوا أثاث المنازل من الأحياء التي تم تهجير أهلها منها) يقومون بتصريف بضائعهم دون أن يعرفوا قيمتها أصلاً أو ما هي".
وتابع حديثه: "في أحد الأيام خرج قريب لي، باتجاه هذه البسطات، حاول مراقبة ما يتم بيعه، شاهد جهاز كمبيوتر محمول كان في حالة مقبولة، سأل البائع ما سعر هذا الجهاز، ردّ البائع "قصدك هي السخانة؟" لم يفهم القريب ما سمعه تماماً، أعاد البائع كلامه "مو ع سخانة السندويش قصدك؟". قال القريب حينها "إي ع السخانة".
ردّ البائع "يلا تعال خدها بـ 400 ليرة سورية، بس بدك تفهم عليها لأنو شكلها أجنبية هي، ويمكن مقطوش فيشها".
قد يهمك: نساء سوريات تحدَين الحياة بمهن عمل بها الرجال... ما هي؟
"هات" الصاروخ
لم يعد هنالك إمكانية لذكر بعض الكلمات المتداولة سابقاً، في ظل الثورة السورية وازدياد الاحتجاجات، وازدياد السلاح في أوساط السوريين، وهو مالم يراعيه أبو محمد.
حيث يقول الرجل الثلاثيني، المقيم في حلب لـ "راديو روزنة": "أنا أعمل في مجال البناء، وكدت في إحدى المرّات أن أختفي في فروع المخابرات لولا تداركي الموقف".
في شهر أيار من العام 2013؛ قَدِم رجل إلى أبو محمد، يطلب منه الإشراف على ورشة بناء، إلا أن الرجل كان من أحد أعين مخابرات النظام، لكن أبو محمد ودون أن يدري تبعات كلامه، طلب من الشاب الذي يعمل معه أن يحضر له الـ "صاروخ" (أداة تستعمل في البناء).
يشرح أبو محمد "صرخت في وجه العامل عندي (لك وين الصاروخ يا بني آدم، جبلي الصاروخ بسرعة)، هنا ارتعب الزبون، اعتقد أنني أتكلّم عن الصواريخ الحربية، لم تسعفه أفكاره، ليتأكد أنني أتحدث عن صاروخ البناء".
قلق الزبون وصرخ – بحسب أبو محمد – "صاروخ شو، وين الصاروخ، مخبايين صاروخ، وفجأة ترك المكان وتوارى عن الأنظار، لأتفاجأ بعد ساعة فقط بقدوم دورية أمنية لإحضاري وكأنني إرهابي أمتلك أسلحة وصواريخ".
ساعتان قضاها أبو محمد في أحد الفروع الأمنية في حلب، يشرح للمحقق أنه لا يمتلك صواريخ حربية، وإنما هو مجرّد صاروخ بناء، وأن ما حصل مجرد سوء تفاهم، ولم تمضِ الحكاية دون محاضرة طويلة عن أمن الوطن، وأن النظام للإرهابيين بالمرصاد.
يقول أبو محمد "أحمد الله أنني خرجت من هذه القصة سالماً، وإلا كنت سأذهب ضحيّة صاروخ بناء" متسائلاً "صحيح ما هي عقوبة من يمتلك صاروخ بناء؟".
وكانت الاحتجاجات والمظاهرات السلمية التي طالبت بالحرية وإسقاط النظام انطلقت منتصف شهر آذار من عام 2011، والتي وسرعان ما عمت جميع أنحاء سوريا.
الكلمات المفتاحية