ألقت السلطات الألمانية منتصف شباط/ فبراير القبض على مسؤول التحقيق في جهاز المخابرات العامة العقيد المنشق أنور رسلان، والمساعد أول المنشق إياد العمر، الذي ترأس وحدة لاعتقال المطلوبين للنظام السوري، للاشتباه بارتكابهما انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين، تشمل عمليات تعذيب، خلال فترة عملهما مع المخابرات السورية.
المحامي والناشط في حقوق الإنسان أنور البني قال لـ"روزنة"، إن الجهة التي ستمنح العفو عن المنشقين أو الذين ساهموا في الثورة السورية، يجب أن تكون مخولة بمنح العفو، لكن إلى الآن لا توجد جهة في سوريا يمكنها أن تمنح مثل هذا العفو، أو تحدد من هو الشخص الممنوع من المحاكمة، أو الشخص الذي تجب محاكمته، طالما أن الثورة السورية لم تصل إلى نتيجتها.
وأشار البني، إلى أن القضاء العالمي يحاسب وفقاً للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولا ينحاز إلى جهة محددة أو يتغاضى عن جهة أخرى، وبالتالي فهو يعاقب كل من ارتكب جريمة سواء كانت جريمة حرب أو ضد الإنسانية.
وأوضح البني أن هناك طريقتين لاعتقال ومحاكمة المشتبه بهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية: الأولى عن طريق المدّعي العام الذي فتح القضية وبناها وفقاً لشهادات ضحايا، وغالباً الضحايا هم اللاجئون الموجودون في أوروبا الذين تم اعتقالهم سابقاً في سوريا، والذين قدموا إفادات حول متى تم اعتقالهم، والتعذيب الذي مورس بحقهم.
وأضاف، أن المدعي العام قام بجمع الأدلة وتحليلها، وعندما وجد أن عنصرين من فرع الأمن موجودان في ألمانيا ومتهمين بارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أعلن توليه للقضية.
أما الثانية، فتتم عبر محامين مختصين يتعاملون مع أي أحد يعرف مرتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ولديه أدلة ليست مجرد معلومات أو صور، وإنما يجب أن يكون هناك ضحايا، أو شهود عيان للجرم، وليس شاهداً واحداً، أي أن الجريمة ممتدة لمئات الضحايا.
وتدعم هذا التحقيق لجنة العدالة والمساءلة الدولية، وهي فريق تموله الولايات المتحدة الأميركية، وحكومات أوروبية.
اقرأ أيضاً: سوريا: فنجان قهوة عند العقيد أنور رسلان
وكانت وكالة "رويترز" نقلت عن نائب مدير اللجنة نيرما يلاسيتش قولها، أن اللجنة وفرت أدلة موثقة بشهادات لشهود ضد العقيد رسلان، موضحةً أنه "في عامي 2011 و2012 ترأس أنور ادارة الفرع 25، ولاحقاً الفرع 285 في المخابرات العامة، التي كان مسؤولوها يمتلكون مطلق الحرية في اعتقال المشتبه بأنهم نشطاء معارضون واستجوابهم".
وأضافت: "هذان الفرعان هما الأسوأ من حيث السمعة، ووصف أحد شهودنا الفرع 251 بأنه الأكثر تأثيراً وخطورة وسرية وأنه المسؤول عن 98 في المئة من العنف الذي يُرتكب".
من جهة ثانية، كشفت وكالة "فرانس برس" عن تنسيق أمني ألماني - فرنسي لملاحقة مرتكبي "جرائم حرب" في سوريا، عقب تسريب 55 ألف صورة لمعتقلين في سجون النظام قتلوا تحت التعذيب.
وبعد انتشار الصور، المعروفة إعلامياً باسم "صور قيصر"، أعلنت فرنسا وألمانيا ملاحقة مرتكبي "جرائم ضد الإنسانية"، بموجب "الولاية القضائية العالمية" التي تخولها محاسبة من ارتكبوا تجاوزات قانونية خارج أراضيها.
في هذا السياق، قال القاضي والمستشار مصطفى القاسم لـ"روزنة"، إن الجرائم التي ترتكب في سوريا هي من نوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم أو بتغيير الموقع أو تغيير الموقف، فإذا ثبُت على شخص من الأشخاص أنه ارتكب جريمة من هذه الجرائم، فعقوبته واجبة، وفي حال ثبت أنه لم يرتكب هذه الجرائم فذلك يؤدي إلى براءته أو عدم مسؤوليته عن الجرائم لعدم وجود أدلة كافية.
ولفت إلى أن مسألة الانشقاق قد تأخذها المحكمة في الاعتبار، لكن هذا لا يعني أن الشخص معفي من تبعات الجرائم التي ساعد فيها أو تدخّل فيها عندما كان على رأس عمله، وكان يمكنه أن يمنع هذه الجرائم.
وأضاف القاسم، أنه في بلد يسود فيه القانون كألمانيا، لا يتم إلقاء القبض على هؤلاء الأشخاص بطريقة افتراضية أو عشوائية، أو بناء على شكوى أو تقرير مكتوب، وإنما تسبق ذلك تحقيقات يتم خلالها جمع أدلة والاستماع إلى شهود، وفي حال رجّح قاضي التحقيق ارتكابهم مثل تلك الجرائم، فسوف يصدر الأمر بالتوقيف وإحالتهم إلى المحاكمة، وبالتالي يمكنهم إثبات براءتهم بتوكيل محامين والدفاع عن أنفسهم، مشيراً إلى أن هذه المسالة غير متوفرة في سوريا لمن أُحيلوا للمحاكم الميدانية ومحاكم الإرهاب، وأنّ من استمر توقيفهم لسنوات طويلة انقطعت أخبارهم واختفوا قسرياً.
وأصدر الادعاء العام الألماني، في أيار/مايو الماضي، أول مذكرة توقيف دولية بحق مسؤول سوري رفيع المستوى، وجهت بحق رئيس المخابرات الجوية اللواء جميل حسن، بعد شكوى جنائية قدمها معتقلون سابقون ضده. وكذلك أصدر القضاء الفرنسي، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مذكرة توقيف دولية ضد ثلاثة من كبار ضباط الأسد، هم: رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، ورئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية عبد السلام محمود، إضافة إلى اللواء حسن.
قد يهمك: الموت "الغامض والمفاجئ" يلاحق ضباط جيش النظام السوري
ويتخوف البعض من أن تكون تلك المساءلة بداية لملاحقة ضباط منشقين باعتبار قسم كبير منهم في دول فيها سيادة القانون، بحسب القاسم، ومن ثم يكونون عرضة للملاحقة. وفي هذا الشأن، يشدد القاسم على ضرورة "محاسبة الأشخاص مرتكبي جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية، وإن كانوا ارتكبوها قبل 2011، ومهما بلغ عددهم، طالما أنهم ارتكبوا جرائم واعتقلوا أبرياء وعذبوهم وقاموا بتصفيتهم، وأحالوهم إلى محاكم ميدانية ومحاكم إرهاب لم تكن رحيمة".
في المقابل، قال الصحافي فراس العلاوي، لـ"روزنة"، إنه في المستقبل لن يكون هناك استقرار أو أي حل ما لم تتحقق العدالة في سوريا، مؤكداً أن السبيل الأفضل للعودة إلى المجتمع السوري هو تحقيق العدالة الانتقالية، وأشار إلى أن تحويل هذه العدالة إلى عدالة انتقامية أو انتقائية هو ما دفع إلى التفكير بمن ارتكب الجرم وكيف ومتى ارتكبه.
ولفت العلاوي إلى أن اعتقال ضابط أمن انشّق من بداية الثورة السورية بطريقة انتقائية، لا يوازي بالمطلق إقامة دعاوى على ضباط أمن لا يزالون يمارسون إجرامهم حتى الآن. كما ذكر أنه من الصعب الحكم على ضابط معين لدى النظام السوري بأنه ارتكب جريمة أم لا، فجميع المعتقلين في سجون النظام مغيبون ولا يعرفون الأشخاص الذين يحققون معهم، ومجرد وجود الضابط في فرع أمني من دون وجود "أدلة حقيقية واضحة لا يثبت أنه مجرم"، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن التجييش لاعتقال الضابطين خلال الفترة الماضية هو رؤية قاصرة، لأن الجرائم المرتكبة بحق المعارضين منذ مطلع 2011 وحتى الآن متراكمة، ولفت إلى أن رافضي هذه "الانتقائية" في المحاكمة لا يبررون جرائم قد يكون أولئك الضباط ارتكبوها خلال عملهم، لكنهم على الأقل "انحازوا أخلاقياً للثورة منذ 2011، التزموا بأخلاقيات الثورة". وتابع، أن القضاء الأوروبي حتى اللحظة لم يبت أو يصرح بشأن هؤلاء، وأن كل ما حصل هو استدعاء فقط، و"نحن جرّمناهم قبل أن يجرّمهم القانون الأوروبي".
أما الكاتب والصحافي حافظ قرقوط فقال لـ"روزنة"، إن الثورة ليس لها حق بأن تبرئ أي أحد، سائلاً، في حال وجد شخص ارتكب جرائم حرب في حماة، والتحق بالثورة، فهل يعفى من جريمة ارتكبها بحق آلاف السوريين في حماة؟
وأشار قرقوط إلى أنه لا يمكن أن يُعفى مرتكِب الجرائم من العقاب والمحاسبة، وليس القانون من يقرر عن الضحايا، فالضحايا هم من يقررون، مضيفاً أن أي شخص تعرّض للتعذيب في سجون الأسد أو تعرض لانتقام بشكل ما، فهذه الجريمة الفردية لا يمكن محوها أو نسيانها، هي جريمة ضد الإنسانية، والموضوع قيمي وأخلاقي.
يذكر أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان ذكرت في تقرير لها، أن عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري منذ آذار/ مارس 2011 حتى حزيران/ يونيو 2018، بلغ أكثر من 13 ألفاً، في وقت تقدر الشبكة عدد المعتقلين في سجون النظام بـ80 ألفاً.
وأجرت "روزنة" استطلاع رأي حول هذه القضية، وطرحت السؤال "هل يعفي الانشقاق ضباط الأمن من مسؤولياتهم الجنائية السابقة؟" على شريحة مستطلعة في أرياف إدلب وحماة والقامشلي، وقال بعضهم إن المنشقين سينفذون من العقاب لأن المسؤولين الكبار كبشار الأسد لم يحاسبوا، على رغم ارتكابهم جرائم حرب طيلة 8 سنوات، فيما أكد آخر أن أولئك المنشقين سيعاقبون من قبل المحاكم الدولية لكونهم ارتكبوا جرائم ضد المعتقلين والمعتقلات.
ويعتقد آخر أنه لن تتم محاسبة أولئك المنشقين، لكون رفعت الأسد مرتكب مجزرة حماة عام 1982، لا يزال في الدول الأوروبية، ولم يحاسب إلى الآن، وأكد آخر أنه لا يمكن إعفاء أولئك المنشقين لكونهم كانوا في موقع المسؤولية، وكانوا سبباً في قتل آلاف السوريين واعتقالهم وتشريدهم.
الكلمات المفتاحية