خيالات المعتقلين والمختفين تعرض في لبنان

خيالات المعتقلين والمختفين تعرض في لبنان
القصص | 22 ديسمبر 2018

على مسرح المدينة في الحمرا (بيروت) ظهرت ظلال معتقلين ومخفيين قسراً في سوريا ولبنان، في عملٍ مسرحي حمل إسم "خيالات" من إخراج المخرج السوري ساري مصطفى.

المسرحية هي عمل مشترك بين مؤسسة "دولتي"، وجمعية "النساء الآن" و"أرشيف التاريخ الشفوي السوري"، تجسد معاناة ذوي المخفيين خصوصاً النساء وما يلقيه الإخفاء القسري وتبعاته المادية والمعنوية من ألمٍ لا ينتهي.  

يواجه ذوو المخفيون والمعتقلون مشقات جمّة في رحلة بحثهم اليومية عن أبناءهم وأقاربهم أكان في سجلات الموتى في المستشفيات أو في المعتقلات، وقد سلطت المسرحية الضوء على تلاعب واستغلال رجال الأمن والقضاة والمحامون بالأهالي الباحثين عن أقاربهم في المعتقلات.

مخرج المسرحية ساري مصطفى، مزح في نصه روايات لبنانية وسورية حول الإخفاء القسري، لـ يخصص جزءٌ من عمله الفني لطرح قضية المخفيين اللبنانيين الذين اعتقلهم النظام السوري خلال فترة وصايته على لبنان ويرفض الاعتراف بوجودهم لديه.

اقرأ ايضاً:التغيب القسري..آلاف السوريين ينتظرون المجهول!

رسمت المسرحية حياة ثلاثة نسوة من لبنان وسوريا، فالمرأة الاولى، لبنانية من جنوب لبنان، تقوم جهة مجهولة لم يُشار إلى إسمها في المسرحية بإعتقال إبنها، وقد أدت دورها التمثيلي الممثلة اللبنانية ريم مروى.

المرأة الثانية، لبنانية أيضاً من شمال لبنان يعتقل نجلها على يد جهة أمنية لم يحدد أسمها أيضاً، أما المرأة السورية، والتي أدت دورها الممثلة السورية يارا قطيش، فهذه المرأة أجبرها القصف على مغادرة منزلها والعودة إليه، إلا أنها تغادره نهائياً لأنه تعرض لمداهمات عدة، إذ يبدأ الأمن بملاحقة والدها، وتلقيبه بـ"العقل المدبر"، فبدأوا بمداهمة منازل أقاربه بحثاً عنه، إلى أن يلقى القبض عليه ويختفي، أما الممثلون الذكور، هم شادي قاسم وأديب رزوق وماهر أبو مرة أدوا أدوار المختفين والمعتقلين اللبنانيين والسوريين.

لجهة العرض فقد كان متناسق جداً، واختار المخرج عدم إضاءة المسرح بشكل كامل، ما عدا الإنارة الخفيفة جداً في الخلفية التي عكست ظلال الممثلين على الأرض وفي سقف المسرح.

شيئان، لم يحضرا في المسرحية، الزمن والجهات الخاطفة،  ففي سياق مسرحيته لم يحدد مصطفى الجهات الخاطفة لكثرة عددها، وركز عمله الفني على معاناة النساء اللواتي يجهلن تماماً ما حل بذويهم المفقودين. أما لناحية زمن الأحداث فكان مجهولاً، إذ أن قصة المرأتان اللبنانيتان اللتان ظهرتا في المسرحية أثارا في ذهن المشاهد أسئلة عدة عن الجهات التي خطفت نجليهما.. هل هي إسرائيل التي اعتقلت خلال فترة احتلالها للبنان المئات، أو النظام السوري، الذي إعتقل بدوره أيضاً الكثير من اللبنانيين أم أن أحزاب لبنانية هي من قامت بالإعتقال.  

وركز المخرج كثيراً على "الصوتيات" التي أخذ صداها يتردد في المسرح والتي امتزجت في أكثر من محطة أثناء العرض مع بكاء خفيف مصدره سيدات سوريات حضرن المسرحية مصحوباً بعبارات كانت ترددها بعض السيدات بهمس لمواساة أخريات لم يستطعن تمالك أنفسهن.

تبدأ المسرحية بظهور أشخاص يرتدون قناعاً أبيضاً، يمسكون أوراقاً ويبدأ كل ممثلٍ من خلف قناعه بتبادل عبارة "أنا ما بعرف.. هل تسمعون صوتي. أنا هنا كي أتذكر، أنا هنا كي أُذكر.. كي تروني وآرائكم.. أنا أين.. انا من .."

خلال المسرحية، تخرج أصوات متداخلة للنساء، كأن تسأل أين تم إعتقاله، فيجيبها الجميع في آنٍ معاً، "في دوما، في دمشق، في جنوب لبنان"، أو حين يسأل أحدهم من هو المعتقل؟ فيجيب المخفيون والنساء بصوت واحد "أنا، أخي، أبي، زوجي."
 


 

الممثلة السورية يارا قطيش شرحت أسباب اختيارها المشاركة في المسرحية، فقالت لـ"روزنة" "المسرحية عرضت رواية عن لبنانيين وسوريين لأن قضية المخفيين والمعتقلين هي قضية مشتركة بين الشعبين، وفي الشرق الأوسط قصص المعتقلين تشبه بعضها حتى لو إختلفت الجهات التي تنفذ تعتقل".

أما الممثلة ريم مروى فقالت لـ"روزنة" أن المسرحية أخذت من أكثر من قصة، لإمرأة إختفى زوجها وأخرى أعتقل نجلها، وقام ساري بمزج الروايات بعضها ببعض وهذا ما أنتج خيالات.. الخيال هنا للأشخاص الذين اختفوا وخيال من بقيّ للتحدث عن قصصهم."

منال، منسقة مشروع التاريخ الشفوي السوري قالت "أن المسرحية مستوحاة من روايات حقيقية مأرشفة تسلط الضوء على تجارب نساء لديهن مفقودين أو معتقلين من الدرجة الاولى أكانوا أزواج، وأبناء، وآباء."

المسرحية لا توثق ما يعانيه المعتقلين والمخفيين، بل معاناة النساء نتيجة إعتقالهم، وهو جانب قلّ الحديث عنه إعلامياً. وتضيف منال "مشروع التاريخ الشفوي السوري، يعمل في عدد من المناطق اللبنانية، وفي مدينة إدلب وحلب."

في الشهر الماضي، صدر تقرير "خيالات المعتقلين" عن الجامعة الأميركية في بيروت، وتحدث عن 50 قصة لسيدات سوريات عايشن عذابات اختطاف وإختفاء أقاربهن، وأثر الإختفاء القسري على حياتهن معنوياً وإقتصادياً، والعوامل النفسية السيئة التي تنتج عن إختفاء أثر المعتقلين بشكل كامل، وإدراجها في لوائح المخفيين إلى أجل غير مسمى.

وقام مشروع التاريخ الشفوي السوري على توثيق صوتي لنساء يتحدثن عن حياة المعتقلين، وإلى جانب التوثيق الصوتي، يقوم المشروع بجمع ملابس وأدوات خاصة استخدمها المعتقلين قبل اعتقالهم.

إحدى النساء السوريات اللواتي حضرت المسرحية روت لـ "روزنة" أن زوجها مختفي منذ عام 2012، ولا تعلم عنه أي شيء منذ اختطافه، "زوجي كان في لبنان وحين وصل إلى الحدود السورية تم إعتقاله ومنذ ذاك التاريخ لا أعلم عنه شيئاً."

فاتن إمرأة سورية، مات زوجها تحت التعذيب. كان يعمل موظفاً في دائرة رسمية حكومية، و اعتقله الأمن السوري لتجد جثته في مستشفى تشرين بعدما بحثت عنه لشهور طويلة.

تقول فاتن لـ"روزنة" "لفقوا له التهم أنه يعمل لجهات خارجية ويتلقى دعماً من الخارج بعد حصوله على تحويلة مالية من لبنان بقيمة مئة دولار."



 

الكلمات المفتاحية
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق