بدأت نتائج إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تظهر تدريجياً، فالمعبر حمل مع عودته إلى الحياة رسائل كثيرة ومكاسب وخسائر على المستويين الحكومي والشعبي لكلا البلدين، ليُصبح السؤال اليوم: من الرابح ومن الخاسر بعد شهرٍ على افتتاح معبر نصيب؟
في البداية لا بد من التذكير بأن الأهمية الكبيرة لمعبر نصيب – جابر ليست في التبادل التجاري بين الأسواق السورية والأردنية فقط، بل باعتبار الدولتين محطة ترانزيت لما بعدهما، فالمعبر شكّل بوابة ربط بين أسواق أوروبا وتركيا ولبنان من جهة وأسواق الخليج العربي من جهة أخرى، وشكّلت الأرباح من الرسوم والعوائد الاقتصادية للمعبر أرقاماً كبيرة جداً جعلته يحظى بكل هذا الاهتمام السياسي والإعلامي خلال السنوات الماضية.
هذا ما دفع الأردن إلى بذل جهود كبيرة لتحييده عن المواجهات العسكرية بين النظام والمعارضة السورية، على رغم التراجع الكبير في حركة العبور منذ عام 2011، حافظت الأردن على علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع النظام ومارست ضغوطاً على فصائل المعارضة لمنع أي مواجهات عسكرية في المعبر، في محاولة للحفاظ على منشآته ونشاط الشركات والموظفين داخله.
جهود الأردن في الحفاظ على معبر نصيب خارج دائرة الحرب في سوريا ذهبت هباءً، بعدما شنّت جبهة النصرة ومجموعات من فصائل المعارضة هجوماً انتهى بالسيطرة على المعبر في نيسان/ أبريل 2015، ليتحول بعدها إلى ساحة للعبث والسرقة، تكبدت فيها الشركات الأردنية والسورية الموجودة في المنطقة الحرة خسائر بملايين الدولارات، ليُغلق المعبر على إثرها من الجانبين.
اقرأ أيضاً: تركيا.. قصة لاجئ سوري يعرض كليته للبيع!
الأردن الذي يعاني أساساً من أزمة اقتصادية ومن تداعيات تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى أراضيه، أتى إغلاق المعبر ليضاعف من أزمته ويلحق بالاقتصاد الأردني خسائر مالية ضخمة قدّرتها السلطات الأردنية في أكثر من مناسبة بمليارات الدولارات.
“بالإمكان وصف المرحلة الحالية التي يعيشها المعبر بأنها مرحلة “التشغيل التجريبي” أو “جس النبض” بين سوريا والأردن، وتقييم كل طرف أرباحه وخسائره”
لذلك سعى الأردن مراراً لدى فصائل المعارضة وهيئاتها السياسية لإعادة تشغيل المعبر، أثناء سيطرة هذه الفصائل عليه، لكن بشروط أهمها أن تتولى الحكومة السورية إدارته سياسياً واقتصادياً، إلا أن المعارضة رفضت جميع المقترحات وتمسكت بإدارتها للمعبر من دون أي وجود للنظام، ليبقى المعبر مغلقاً بشكل كامل حتى استعاد النظام سيطرته عليه عسكرياً في تموز/ يوليو 2018، وأعاد فتحه بالاتفاق مع الأردن بعدها بثلاثة أشهر.
يعتبر كثيرون من المراقبين والناشطين المعارضين، أن شروط فصائل المعارضة التي عطلت إعادة تشغيل المعبر خلال سيطرتها عليه، كانت السبب الرئيسي في دعم الأردن وترحيبه بالعملية العسكرية التي شنتها قوات النظام وانتهت بالسيطرة على جنوب سوريا بالكامل وإعادة تشغيل المعبر من جديد.
معبر نصيب عاد للعمل، لكن ليس بالكيفية ولا حجم العمل الذي كان عليه قبل عام 2011، فالشمال السوري ما زال يشهد تقاسماً للسيطرة العسكرية بين أطراف عدة وانقطاع الكثير من الطرق الرئيسية، وبالتالي فإن وصول شاحنات الترانزيت إلى الأسواق التركية ومنها إلى أسواق أوروبا غير متاح حالياً، وهو ما انعكس على طبيعة التبادل التجاري الذي بات يركز على الأسواق المحلية لكلا البلدين وبالتالي على حجم العمل في معبر نصيب، وأيضاً على نشاط المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة التي ما زالت مغلقة حتى الآن، يُضاف إلى ذلك أن الطرفين اتفقا على فتح المعبر بين الثامنة صباحاً والرابعة عصراً فقط، وإغلاقه في ما تبقى من اليوم، لهذا بالإمكان وصف المرحلة الحالية التي يعيشها المعبر بأنها مرحلة “التشغيل التجريبي” أو “جس النبض” بين سوريا والأردن، وتقييم كل طرف أرباحه وخسائره.
الأردن اشترط على السوريين الراغبين بدخول أراضيه بالحصول على تصريحات أمنية، بينما السوريون العائدون إلى سوريا ينتظرهم مكتب “التسوية” الذي استحدثه النظام السوري داخل المعبر، والذي يستخدمه لمنح المتخلفين عن الخدمة الإلزامية في قوات النظام تأجيلاً لمدة ستة أشهر، كما أنه يمنح العائد إلى سوريا ورقة “تسوية الوضع” التي تمنحه عفواً من أي ملاحقة من قبل الأفرع الأمنية. المفارقة أن هذه الورقة تمنح جميع السوريين العائدين سواء كانوا من الموالين أو المعارضين، المطلوبين للأفرع الأمنية أو لا، الذين غادروا سوريا قبل سنوات بطريقة شرعية أو لا.
النظام السوري استطاع تحقيق المكسب الأوّل من إعادة افتتاح معبر نصيب بمجرد أن تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مع الأردن وقبل مرور أي شاحنة أو سيارة بين الطرفين، فهو أعاد اعتباره ووجوده السياسي إلى حدود سوريا الجنوبية وفك العزلة عن نفسه بعد خسارته سيادته على المعابر والحدود مع العراق وتركيا والأردن لسنوات.
قد يهمك: صفقة محتملة لتعويم "حكومة الإنقاذ" في شمال سوريا
بحث النظام السوري عن تحقيق هذا المكسب السياسي والإقليمي، يُفسر استعجاله إعادة افتتاح المعبر، على رغم عدم جاهزيته للعمل، إذ ما زالت أبنية المعبر الرئيسية مهدمة وغير صالحة للاستخدام، لتتم الاستعانة بغرف جاهزة الصنع وضعت على جانب الطريق داخل المعبر، في مشهد لا يعكس الأهمية الكبيرة للمعبر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
“أعاد النظام السوري اعتباره ووجوده السياسي إلى حدود سوريا الجنوبية وفك العزلة عن نفسه بعد خسارته سيادته على المعابر والحدود مع العراق وتركيا والأردن لسنوات”
تحديد الرابح والخاسر من الناحية الاقتصادية يبدو أكثر تعقيداً، لكن المعبر يشهد حالة من “الاندفاع” الأردني نحو الأسواق السورية، بشكل خاص الزراعية، التي على رغم سنوات الحرب ما زالت تمتلك جودة ورخصاً في الأسعار مقارنة مع الأسواق الأردنية، الأمر الذي لم يتوقف على المستوى الحكومي فقط، بل يشهد المعبر تدفق مئات المواطنين الأردنيين إلى محافظة درعا لشراء الكثير من المنتجات السورية المحلية التي لا تُفرض عليها أي ضرائب، وتعتبر المنتجات الغذائية والزراعية في مقدمتها، كما أن المحروقات تشهد إقبالاً كبيراً، على رغم ما تعانيه سوريا من نقص في توفرها، فأسعار المحروقات تصل داخل الأردن إلى ضعف سعرها داخل سوريا.
تم نشر هذه المادة بموجب اتفاق الشراكة بين مؤسسة روزنة للإعلام وموقع درج
الكلمات المفتاحية