الشمال السوري: المعابر الحدودية تتحدى المصابات بسرطان الثدي

الشمال السوري: المعابر الحدودية تتحدى المصابات بسرطان الثدي
القصص | 27 أكتوبر 2018

تواجه مريضات سرطان الثدي في المناطق المحررة، لاسيما إدلب وريفها معاناةً مضاعفة جراء الحرب، وقد تزايدت الصعوبات التي تواجههن بدءاً من ندرة الأدوية وارتفاع تكاليف العلاج وانتهاءً بفقدان المراكز العلاجية وصعوبة الوصول إلى المشافي التركية.


بدت وضحى السلوم (٢٩ عاماً) إحدى مريضات سرطان الثدي من منطقة جبل الزاوية بإدلب يائسة من كل شيء، ولم تستطع التحدث عن مرضها إلا بعد مضي أكثر من نصف ساعة على صمتها، ولكنها خلال تلك المدة قررت أن تفضي عما يجول بداخلها من آلام.

وعن بداية مرضها، قالت السلوم إنها لم تستطع الكشف عنه باكراً ولم تلاحظه في البداية، فمضى وقت طويل قبل أن تعرف أنها مصابة بسرطان الثدي، وتقول "ظهرت لي كتلة صغيرة في صدري ولكنها لم تكن تؤلمني ولذا تجاهلت الموضوع وخاصة وأني كنت أعجز عن تأمين تكلفة زيارة الأطباء وتأمين الأدوية".

وأضافت "أعاني فقدان المعيل من بدايات الثورة السورية حين استشهد زوجي نتيجة القصف وترك لي خمسة أبناء أشقى كثيراً لإعالتهم".

تعمل وضحى السلوم في بيع الألبسة المستعملة البالة) في محل صغير تركه لها زوجها، وعملها هذا لم يكن يؤمن كافة متطلبات أبنائها من مأكل وملبس وتعليم، فأنى لها التفكير بنفسها، وفق تعبيرها.

بعد مضي أكثر من عام على ظهور الكتلة بدأت السلوم تشعر بألمها وازدياد حجمها، هنا بدأت المخاوف تراودها فقررت زيارة إحدى الطبيبات لكشف مرضها والاطمئنان على صحتها.

اقرا ايضا:ارتفاع حالات الإصابة بسرطان الثدي في سوريا.. والسبب!

الطبيبة التي قصدتها السلوم راودها الشك بأمر الكتلة وطلبت منها تحليل خزعة، وهنا كانت "الفاجعة" حين علمت السلوم أنها مصابة بسرطان الثدي، ونصحها الأطباء بالسفر والعلاج في تركيا نظراً لأن مناطق إدلب والشمال السوري تخلو من المراكز المتخصصة والأدوية، وفعلاً توجهت السلوم إلى تركيا.

وفي تركيا، تلقت جرعات في مشفى القانوني، غير أنها سرعان ما أوقفت العلاج وعادت إلى سوريا للاعتناء بأبنائها "والموت بالقرب منهم"، وفق تعبيرها، وضحى اليوم مستسلمة لمرضها الذي "لا جدوى من علاجه فهو في مراحل متقدمة حيث يستحيل شفائه فلما العناء"، بحسب قولها.


أما بالنسبة للمريضة أم علي (٤٥عاماً) فهي آثرت العلاج مهما كلفها الأمر، اكتشفت أم علي إصابتها بسرطان الثدي بعد أن حلل طبيبها خزعة لها بإرسالها لمشفى البيروني بدمشق.

ورغم عدم توافر الإمكانيات الطبية في الشمال السوري فقد استجلبت أم علي أدويتها من خارج البلاد عن طريق أحد الصيادلة مقابل مبالغ باهظة، وتقول "أملك بعض الأراضي الزراعية التي بعتها لأحصل على الدواء، فكل جلسة علاج بالأدوية الكيميائية كانت تكلفني مليوني ليرة سورية ما يعادل ٤ آلاف دولار أمريكي، وبعد سنة من العلاج أشعر بتحسن".

من جهتها حسناء الطويل (٤٠عاماً) بعد أن اكتشفت مرضها كان من الصعب عليها تأمين الأدوية باهظة الثمن، فنصحها أحد أقربائها بالعلاج في تركيا عن طريق جمعية الأمل السورية التي تعنى بمرضى السرطان هناك.

وتوجهت حسناء إلى تركيا عن طريق مركز الجمعية المتواجد في معرة النعمان، غير أن الحكومة التركية لم تسمح لها بالدخول إلا بمفردها ودون أي مرافق، وهي اليوم تعاني صعوبة تلقيها العلاج بمفردها في بلد تجهل كل من فيه.

تقول متأثرة "صحيح أن مسؤولي الجمعية يشرفون على حالتي ويقدمون لي كل ما أحتاجه من دواء وعلاج ومساعدة، غير أنني أشعر بالموت البطيء، خاصة وأنني على إطلاع بوضع الحالات المتواجدة في الجمعية اللواتي تتراجع صحتهن في ليلة وضحاها".

وتضيف "السَّرطان مرضٌ لا يؤمن له ومعلوم لدى الجميع مصيره المحتوم إلا من رحم ربي"، وتتابع "أن تنتظر الموت أمر بالغ الصعوبة ولا يوصف فكيف وأنك تنتظر الموت في بلد غريب وبعيد عن عائلتك وأحبائك"، وتناشد حسناء كل المعنيين أن ينظروا لحالتها بعين العطف، وأن يسمحوا لابنها الوحيد بزيارتها والبقاء بقربها في أيامها، التي وصفتها بـ "الأخيرة".

قد يهمك: سرطان الثدي لم يعد مرضاً خطيراً ..سارعي بالكشف عنه!

عن مرض سرطان الثدي، يقول الطبيب مازن السعود، عميد كلية الطب في جامعة حلب الحرة، لـ روزنة، "السرطان أحد الأورام الخبيثة وهو عبارة عن نمو غير طبيعي للخلايا المبطنة لقنوات الحليب".

وأضاف "في الأغلب يبدأ الورم من قنوات نقل الحليب فيسمى سرطان القنوات ثم تبدأ الخلايا السرطانية بالدخول إلى القنوات اللمفاوية والانتشار من خلالها إلى العقد اللمفاوية الموجودة تحت الإبط ومن ثم إلى أعضاء الجسم الأخرى عن طريق الأوعية الدموية".

ولفت الطبيب مازن السعود إلى أن "الوراثة تلعب دوراً مهم بإمكانية الإصابة وكذلك وجود عيوب خبيثة غير وراثية".

المعابر الحدودية عائق في مواجهة سرطان الثدي

وعن أوضاع مريضات سرطان الثدي في إدلب، يقول السعود إن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة تخلو كلياً من مراكز المعالجة نظراً لأنها مكلفة جداً، ومعظم الحالات يتم علاجها في تركيا، موضحأ إلى أن هذه المناطق تتوفر فيها مراكز الكشف عن المرض .
وأوضح أن "هنالك نشاط بمشافي الداخل من قبل أطباء الجراحة العامة حول موضوع الكشف السريري الدوري كما وتتوافر تقنية الإيكو والكشف الماموغرام وهناك مركزين بالمنطقة مختصان بالكشف عن المرض أحدهما بالعيادات التخصصية بمشفى إدلب المدينة والثاني بمستوصف معرة النعمان ".

وهناك أيضاً طبيبان يعملان على تحليل الخزع أحدهما متواجد في منطقة معرة النعمان، والآخر في منطقة سرمدا الحدودية.

وعن عدد مريضات سرطان الثدي في معرة النعمان، التي تأخذ ثلث مساحة إدلب وريفها بأنها تعادل ثلاثون حالة سرطان ثدي شهرياً، أي ما يعادل ٣٦٠ حالة سنوياً وهي أعداد كبيرة لحالات سرطان الثدي الأكثر انتشاراً بين بقية أنواع الأورام الأخرى، وفق الطبيب السعود.

تعتبر جمعية الأمل لمكافحة السرطان الوحيدة التي تعنى بمرضى السرطان السوريين عن طريق مراكزها الموزعة في تركيا في كل من غازي عينتاب، اسطنبول، أضنة، أنطاكيا، كما أن للجمعية مراكز في الشمال المحرر، حلب وإدلب وهذه المراكز هي صلة وصل بين المريضات في الداخل وبين مراكز الجمعية في تركيا.

وعن خدمات الجمعية المقدمة لمريضات السرطان، قال رئيس مجلس الإدارة في الجمعية الدكتور عبد الرحمن زينو، لـ روزنة إن "الجمعية تعمل على الكشف المبكر عن المرض مما يخفف عبء العلاج من تكاليف وألم، وتقدم الأدوية النوعية للعلاج غير متوفرة في المراكز المتخصصة.

بالإضافة إلى أن الجمعية تقدم الرعاية والتأهيل الاجتماعي، كما خصصت الجمعية مراكز لها في ولايات تركية من أجل إقامة المريض ومرافقيه ومتابعة العلاج وتأمين كل مستلزماتهم من طعام وشراب وخدمات الترجمة في المشافي التركية.

وتقدم الجمعية بمراكزها المختلفة الرعاية والخدمات لأكثر من ٥٠٠٠ آلاف حالة سرطان من مختلف الأعمار، ١٨% منهم مريضات بسرطان الثدي، ولفت الزينو إلى أن الجمعية تتكفل بكافة تكاليف العلاج لهؤلاء بشكل مجاني وهي تكاليف باهظة وتقدر بـ٥٠ ألف دولار للحالة الواحدة حسب العلاج والمرحلة.

وتعاني أغلبية مريضات سرطان الثدي في الداخل السوري من صعوبة الوصول إلى جمعية الأمل في تركيا لتلقي العلاج نظراً لتعقيدات العبور وهو ما يحرمهن من فرصة تلقي العلاج والأمل بالشفاء.

ومن هؤلاء كانت خديجة بكور قيدوحة (٣٩عاماً) من قرية نحليا بريف إدلب، وعن مرضها ومراحل علاجها قالت "كانت بداية مرضي بأواخر عام ٢٠١٣ حين ظهرت كتلة تحت إبطي الأيمن".

وأضافت "هذه الكتلة تم استئصالها في مشفى باب الهوى، ثم تم إرسالي لمقر جمعية الأمل بمساعدة بعض الأطباء، وهناك تلقيت أكثر من ١٢ جرعة علاج لمدة سنتين.. استقر وضعي الصحي على أثرها، غير أنني مؤخراً لاحظت ظهور كتل جديدة في يدي وهو ما دفعني لمواصلة العلاج.

وأردفت "لم يسمح لي بالعبور إلى الأراضي التركية، وهو ما دفعني لقصد مشفى البيروني بدمشق وتلقي العلاج هناك بعد الكثير من المعاناة والضغوط النفسية نتيجة المرور على حواجز النظام المنتشرة على طول الطريق".

وتم قطع الطريق إلى دمشق من قبل النظام، مؤخراً، وهو ما حرم خديجة من إمكانية تلقي العلاج مرة أخرى، وهي اليوم لا تعرف كيف وأين ومتى سيكون بإمكانها أن تتعالج، ولذا فهي تناشد جميع المعنيين أن ينظروا لحالها بإنسانية ويكونون سببا في علاجها وربما نجاتها من موت محتم.

ومع غياب المراكز المتخصصة في الداخل السوري وصعوبة السفر إلى تركيا لتلقي العلاج تدفع مريضات سرطان الثدي الضريبة الأكبر في تدهور حالتهن الصحية وتفشي المرض في أجسادهن التي لم تعد تقوى على تحمل كل قساوة الحرب ومرارة المرض.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق