تركيا: تحديات الاندماج في التعليم تهدد مستقبل الأطفال السوريين

تركيا: تحديات الاندماج في التعليم تهدد مستقبل الأطفال السوريين
القصص | 16 أكتوبر 2018
يعاني أهالي الطلاب السوريين من صعوبات في الاندماج والتأقلم مع المجتمع التركي، أهمها عائق اللغة التركية، إضافة للمعاناة المادية التي تفرضها المدارس الحكومية التركية على كاهل أهالي الطلاب كنتيجة طبيعية للمتطلبات المدرسية الكثيفة، التي لا يقدر السوري على مواكبتها براتبه البسيط.
 
هل تشكل اللغة التركية عائق؟

منذ إصدار وزارة التربية والتعليم التركية في أواخر العام الدراسي 2015 - 2016، قراراً بدمج الأطفال السوريين الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة في المدارس التركية.

ويعاني طلاب المرحلة الابتدائية أكثر من أقرانهم في المراحل المتقدمة كالصف الخامس والتاسع والعاشر، و خصوصاً في تعلم اللغة العربية و المناهج التركية الموسّعة وبلغة جديدة، ما يضطر الطالب غالباً لقضاء العام الأول في تعلم اللغة التركية، ويكون مصيره الرسوب غالباً، وفي العام الثاني يبدأ بالتأقلم وفهم المنهاج المفروض باللغة التركية، بحسب ما أوضحت لروزنة، نهى النجار، إحدى الأمهات السوريات المقيمات في غازي عنتاب.


وأضافت السيدة نهى النجار، وهي أم لطفلتين، أن ابنتها الطالبة في الصف الخامس، لاقت صعوبة في الانسجام مع اللغة التركية، ومع أقرانها الأتراك، لكونه مجتمعاً جديداً بشكل كلي، وأنها لم تكن مستعدة نفسياً للفكرة، فكانت ردة فعلها برفض المدرسة بداية، رغم أنها كانت من المتفوقات.

وزارة التربية التركية أصدرت  نهاية عام 2016 – 2017  قراراً بنقل الطلاب السوريين في الصفوف " الأول والخامس والتاسع والعاشر"، بشكل إلزامي إلى المدارس التركية، وإلى الآن تم دمج معظم الصفوف في جميع المدن التركية، ماعدا الصف "الرابع، والثامن، والبكالوريا".
 
و تتحدث السيدة سوسن.م،  عن تجربتها مع ابنتها الأولى لمدة عامين،أن الاندماج ليس مستحيلاً، لكن يحتاج إلى صبر ونفس طويل، ليحصد الطالب النتيجة، وفضّلت لو أن أطفالها بدؤوا من الصف الأول في موضوع الاندماج والتعلم في المدارس التركية، أفضل من القرار السريع ودمجهم بشكل مباشر.
 
وأشارت إلى أن ابنها تعلم أربع سنوات لغة عربية، وفجأة دخل إلى مدرسة ومنهاج تركيين، بمواد مكثفة ومرحلة جديدة ولغة جديدة، فكان من الصعب جداً عليه وعليهم كأهل في آن معاً.
 
دور المعلم التركي في عملية الاندماج
 
أما أحلام. س، فأشارت في حديثها مع روزنة،  إلى أنها لم تجد أي صعوبة في الموضوع، وأن الاندماج كان سهلاً جداً على أطفالها وعليها.
 
وأضافت أن أسلوب المعلم يلعب دوراً مهماً في الاندماج، ويساعد عليه، حيث عمدت معلمة تركية على دمج ابنتها مع طالبة تركية، وطلبت من الفتاتين تبادل تعلم اللغة بينهما، مؤكدة أنها تجربة تستحق التقدير والتعميم.
 
أمّا هديل. ب ، قالت لروزنة، أن ابنتها أول سنة لها في المدرسة التركية كانت في الصف الخامس، بعد شهرين حتى استطاعت الاندماج، وتفوقت فيما بعد على الطلاب الأتراك، لكن ساعدتها بإعطائها دروس خصوصية لمساعدتها على حل الوظائف وفهم المنهاج، لكونها ( الأم ) لاتعرف التركية.


 

اقرأ أيضاً: تركيا: ما هو مصير المعلمين السوريين بعد تقليص المراكز المؤقتة!
 
أعباء مادية تثقل كاهل أولياء الطلاب
 
تختلف المدارس الحكومية التركية عن السورية، من حيث الطلبات الكثيفة من قرطاسية وأوراق وأدوات مساعدة على التعليم، ما يجعل المصروف المادي ثقيل على كاهل الأهل، وخاصة بوجود طفلين أو أكثر في المدرسة، مع الإشارة لعدم وجود توازن بين راتب الموظف أو العامل السوري، ومتطلبات الحياة الأساسية والتي أهمها إيجار البيت، ليزيد مصروف الطالب ثقلاً على الأهل فوق الثقل.
 
ابتدأت السيدة أمل الحديث مع روزنة بقولها، " ماعم نخلص طلبات.. هلكونا"، وهي أم لأربعة أطفال في المدرسة، وتوضح بأن كلفة القرطاسية والثياب لمدرسة لأطفالها الثلاثة ، (ابنتان في الصف الثالث، وأخرى في الصف السادس) تصل إلى نحو 600 ليرة تركي (100 دولار أمريكي) ولابنها في الصف التاسع لوحده نحو 500 ليرة تركية.
 
واشتكت أمل من قائمة الطعام التي أعدّتها إدارة المدرسة لأطفالها، والتي تتضمن كما شرحت، "(توست ولبن لأول يوم، ومعكرونة ولبن ثاني يوم، ومكسرات بشكل يومي، وكيك وعصير، ولفتت أن الكيك لا يسمح بشرائه، وإنما تطبخه الأم في المنزل، إضافة إلى شوربة العدس، وورق العنب "يبرق".
 
قد يهمك: الرقة..عودة إلى المدارس بعد انقطاع لسنوات
 
تجربة أبو تيم مختلفة حسب ما قال لروزنة ، ابنه ذو الأربع سنوات، فضل أن يعلمه  في مدرسة حكومية (روضة) كلفة قسطها الشهري يبلغ (125) ليرة تركية،بالاهتمام الكبير الذي يتلقاه الطفل، حيث يوجد في كل صف معلمتين، بحسب ما أكد رغم  أن كلفة قائمة القرطاسية المطلوبة بلغ سعرها نحو 500 ليرة تركية.
 

أبوتيم
 
  
وبين أبو تيم أن ابنه لم يشعر بالفرق في تغيير المدرسة من خاص إلى عام، ويبلغ قسط الروضة السابقة الشهري في الصيف إلى 900 ليرة تركية (150 دولار)، وفي الشتاء (1300 ليرة، أي 200 دولار امريكي) بعناية فائقة، تشد الطفل إلى التعليم.

من جهتها قالت أم عماد 35 عاماً لروزنة، أن عندها أربعة أطفال في عمر الدراسة، وليس لديهم مقدرة على تخصيص ميزانية كبيرة، مضيفة، "ومع ذلك يعود ابني من المدرسة غير قادر على كتابة الوظيفة"، ويطالب بدروس خصوصية، تبلغ شهرياً 250 ليرة تركية ليس لنا قدرة عليها، ولا نعرف كيف سنتدبر أمرنا، مع وجود أعباء أخرى مادية، لافتة أن زوجها يعمل في سوريا ويرسل لها المصروف إلى منزلها في غازي عنتاب.

ضرورة الاعتماد على المعلّم السوري
 
الخبير التربوي حسن محمد أوضح لروزنة، أن هناك معوقات كثيرة في عملية الاندماج، منها على سبيل المثال، عدم تقبّل قسم من المجتمع التركي لهذه الفكرة، والتي نتج عنها صعوبات كثيرة في تسجيل الطلبة السوريين، وعدم وجود مدارس كافية لاستقبال الطلبة السوريين.

وأضاف محمد، أن أهم عائق في عملية الاندماج لدى الطلبة الضعف العام في تعلم اللغة التركية، وعدم وجود وسائط نقل كافية، فضلاً عن ارتفاع أجرتها.

وأشار إلى رفض الاهالي السوريين تسجيل ابنائهم في هذه المدارس لأسباب اجتماعية، وإلى عدم قدرة المدرسة على استيعاب كل الطلاب من قاطني الحي، مع وجود عملية انتقائية لبعض الطلبة، تعتمد على إمكانيات التحصيل الدراسي في اللغة التركية.

ومن الصعوبات التي تواجه عملية الاندماج بحسب محمد، عدم الاستفادة من وجود المعلم السوري ليعمل  مساعداً للمدرس التركي، وعدم قناعة قسم من السوريين بعملية الاندماج.

ولفت إلى سبب آخر وهو أن معادلة نتائج الطالب الدراسية تستغرق أيضاً وقتاً كبيراً، مما يؤدي إلى تأخر تسجيله.
 
وكان مدير التعليم في مدينة اسطنبول ليفينت يازجي، قال منذ أيام،  إن عدد المراكز التعليمية المؤقتة في اسطنبول انخفض إلى 16 مركزاً هذا العام، بعد أن كان العام الماضي  55 مركزاً، مؤكداً أن اندماج الطلاب السوريين مع الأتراك يشهد تطوراً ملحوظاً، تزامناً مع نقل معلمين سوريين من المدارس المؤقتة إلى المدارس الحكومية التركية.
 
وأضاف يازجي، أنه سيتم إغلاق جميع المراكز المؤقتة بحلول العام الدراسي القادم 2019 – 2020، حسب وكالة الأناضول.
 
وأوضح أن عدد الطلاب السوريين في المدارس  الحكومية بتركيا يبلغ 78 ألفاً و357 طالباً في الوقت الحالي، مقابل 8 آلاف و 797 طالباً في مراكز التعليم المؤقتة.
 
يذكر أن القرار التركي بدمج الطلاب السوريين في المدارس التركية لاقى قبولاً كبيراً من السوريين واعتبروه خطوةً مهمة في طريق الاندماج مع المجتمع التركي، فيما أدى القرار إلى تسرُّب عدد من الطلبة من المدارس وعدم الالتحاق بالمدارس التركية.
 
وتستضيف تركيا نحو 3.5 مليون لاجئ سوري، موزعين على مدن وبلدات في مناطق متفرقة من البلاد، أبرزها: "عينتاب، هاتاي، أورفا، واستانبول"، فيما يعيش 250 ألف منهم في مخيمات قريبة من الحدود التركية مع سوريا جنوب البلاد،  حيث فرّ معظمهم هربًا من الحرب الدائرة في بلادهم.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق