تُحمِّل "أم يحيى" من سكان اللاذقية، النظام السوري مسؤولية انتشار التسوُّل في شوارع المدينة، وتقول إنه هو من يدفع الفقراء والبسطاء إلى ذلك، في حين تشدد "سمر" على أن التسوُّل يحميها وأطفالها من "الموت جوعاً".
وحاولت "أم يحيى" (اسم مستعار)، طلب المساعدة من منظمات خيرية وجهات تابعة للنظام السوري ولكن دون جدوى، ووضعها الصحي في تدهور ولا معيل لها.
تقول "أم يحيى" لـ روزنة، "النظام السوري يترك الفقراء والبسطاء لمواجهة مصيرهم في الموت جوعاً أو برداً دون أن يسهم في توفير ما يؤمن لهم حياةً كريمة"، مشيرةً إلى أن " القرب من دوائر النظام السوري يتحكم بتوزيع المساعدات".
وتوضح أن "المساعدة في اللاذقية تقتصر على فئة معينة من الناس من أصحاب الواسطة ومَن لديه قريب يقاتل في صفوف جيش النظام".

مصيرها الشارع ما لم تدفع الإيجار!
لا تمنع ظروف الجو القاسية "سمر" (اسم مستعار)، من الخروج إلى الشارع لطلب المساعدة من المارة، وتتقصد الجلوس أمام بعض المحلات الفاخرة علَّها تحظى بمساعدة مالية "محرزة" تعينها على إعالة أطفالها.
"أعيش مع أطفالي الثلاثة في منزل بالإيجار في مدينة اللاذقية، ومما أجنيه من التسوُّل أدفع إيجار المنزل وأطعم أطفالي" تقول سمر.
وتضيف أن أصحاب المنزل سيرمونها في الشارع إذا لم تدفع الإيجار، لافتةً إلى أنها تبحث عن فرصة عمل جديدة بعد تركها العمل في تنظيف المنازل.
وباتت ظاهرة تسوُّل النساء منتشرة بشكل كبير في شوارع اللاذقية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ولم يعد التسوَّل محصوراً بفئة الأطفال، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام وللأسر النازحة إلى اللاذقية بشكل خاص.
المرض والأطفال والإعاقة كوسائل للتسوُّل
"سالم عادل" من أهالي اللاذقية، يقول لـ روزنة "أغلبية النساء المتسولات في شوارع اللاذقية في عمر الخمسين وما فوق، ويستجدين عطف المارة بعدة طرق".
وأوضح أن "بعض المتسوِّلات يلجأن لحمل طفل صغير أو التعريف بمرض أو مشكلة ما ويرددن الكثير من العبارات ليستجدين عطف الناس"، مشيراً إلى أنهن "ينتشرن في الأسواق وأمام الجوامع والمقابر وفي الحدائق العامة وعلى الكورنيش البحري".
وأردف أن "النساء المتسوِّلات في اللاذقية هُنَّ من أهالي المدينة ومن النازحات إليها"، مضيفاً أن "هناك متسوِّلاتٌ من البدو الرحَّل وتدَّعي الكثيرات منهن بأنهن نازحات من محافظات أخرى".
وحول الأسباب التي دفعت النساء إلى التسوُّل، قال عادل إن "أغلب الأسر باتت بدون معيل من الرجال، إذ قتل عدد كبير في الحرب الدائرة، واعتقل آخرون، في حين هرب كثيرون خشية ملاحقة أجهزة النظام السوري الأمنية"، لافتاً إلى أن "ذلك لا يترك الكثير من الخيارات أمام النساء لتأمين معيشة أسرهم".
وتابع أنه "لا يوجد أي حلول جدِّية لدى مسؤولي النظام السوري في اللاذقية للقضاء على هذه الظاهرة التي تضر بالمجتمع وبالنساء المتسوِّلات أنفسهن"، مشيراً إلى أن "الخوف الشديد لدى الأهالي يدفعهم للسكوت وعدم التطرق لأية مشكلة يتوجب حلُّها من قبل النظام السوري".

المتسولات لسن بمنأىً من التحرش والمضايقات
الناشطة المدنية من اللاذقية سمر إبراهيم، قالت لـ روزنة إن "حالة هؤلاء النساء النفسية سيئة جداً فهن يجبرن على التسوُّل، فتجد واحدة تغطي وجهها خوفاً من أن تعرف، وأخرى تحمل طفلها معها، فضلاً عما يمكن أن يتعرضن له من مضايقات وتحرُّش".
وأشارت إلى أن "أكثر ما يمكن أن تقدمه القوانين الحالية هو حبس النساء المتسوِّلات لعدة أيام، الأمر الذي يدفعهن إلى الاختباء بعيداً عن دوريات الشرطة وتغيير أماكن وقوفهن باستمرار".
ولفتت الناشطة إبراهيم، إلى أن "النظام السوري يتغاضى عن تقديم حل للسبب الأساسي وراء العوامل التي دفعت هؤلاء النساء إلى التسول، كتأمين منازل ورواتب ومساعدات".
وكان رمضان محفوري، المسؤول في وزارة الصحة لدى حكومة النظام السوري، قال مؤخراً إن الإعاقة والأمراض النفسية الناتجة عن الحرب، هي وراء انتشار التسوُّل لأسباب صحية.
وذكرت "شبكة المرأة السورية" في تحقيق لها أن ظاهرة التسول في سوريا ليست جديدة، لكنها تفاقمت بعد اندلاع الثورة السورية والعمليات العسكرية للنظام السوري، مما خلق جيلاً كاملاً من الأطفال الأيتام والمعاقين، الذين لم يجدوا وسيلة لعيشهم سوى التسوُّل.
وأضافت أن الدمار الهائل الذي أحدثته الآلة العسكرية، وكانت سبباً في تشريد الملايين من منازلهم والنزوح إلى أماكن أكثر أماناً حتى لو كانت ظروف المكان الجديد والمسكن لا تحتوي على أدنى مقومات العيش فيه، مما خلق بيئة مناسبة وطريقة سهلة لكسب العيش عند البعض.
ولفتت الشبكة إلى أن التسوُّل في سوريا بات ظاهرةً اجتماعية منظمة ولها تشابكاتها، ولا يقتصر على الأطفال فقط بل يشمل النساء والشيوخ، وأيضاً الشباب المصابين بإعاقة، وأصبحت بالفعل مهنة ويتم الترويج لها بشكل كبير.
يشار إلى أن ملايين الأشخاص فقدوا منازلهم ومصادر عيشهم جراء الحرب الدائرة في سوريا، فضلاً عن تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، وما رافقة من غلاء في الأسعار يصل لأكثر من عشرة أضعاف ما كان عليه قبل 2011.