"فراس" أحد مسرحي دورة (102)، يستيقظ ليلاً ويده متشنجة من إطلاق النار في "الحلم"، و"خالد" (خريج المحاسبة) يقول إن سنوات الخدمة أنسته حتى جدول الضرب، في حين ينتاب "محمد" اشتياق للبزة العسكرية، لا لشيء سوى لأنها "كانت تعطيه هيبه وسلطة"، وفق تعبيره.
عاد مسرحو الدورة (102) لدى جيش النظام إلى حياتهم المدنية بعد 8 سنوات من قتالهم في صفوف جيش النظام، منذ 2011، أي بعد انطلاق الثورة السورية ضد النظام وما تبعها من اشتباكات وعمليات قصف للمدن والبلدات.
كان من المقرر أن يسرح مجندو هذه الدورة (الأكثر شهرة على مستوى سوريا) في تشرين الثاني 2011، غير أن النظام السوري قرر الاحتفاظ بهم، وبقي قرار تسريحهم مجرد حلم وإشاعات حتى تأكيده في أيار 2018.
وكشفت حكومة النظام مؤخراً عن عزمها تشكيل لجنة حكومية لوضع مقترحات حول منح ميزات للمسرحين من دورة 102، في حين طالب عضو مجلس الشعب لدى النظام السوري فارس الشهابي، القطاع العام والخاص، إلى تأمين فرص عمل للمسرحين.
إطلاق النار يلاحق المسرحين إلى أحلامهم!
لم يخرج "فراس 25 عاماً" بعد من جو المعارك والقصف، التي عاشها لأكثر من ثماني سنوات متتالية، خلال قتاله مع جيش النظام، ويفضل أن يكون الدعم النفسي أول ميزة تمنحها حكومة النظام لمسرحي (102).
ويتابع لـ روزنة "ذات ليلة كنت أطلق النار في منامي ويدي متشنجة، حاولت أمي أن توعيني.. خفت منها وبدأت أصرخ"، موضحاً "أصبحنا مغيبين اجتماعياً ونعاني من عقد كثيرة أولها غياب شعورنا بالأمان".
تعليقات عدد من مسرحي (102)
مسرحون لا يذكرون حتى (جدول الضرب)!
"خالد 30 عاماً" خريج معهد مصرفي، التحق بعد تخرجه مباشرة بالخدمة في جيش النظام، في دورة (102)، يقول مازحاً "الآن بعد تسريحي حتى جدول الضرب نسيته".
وشدد على أن حكومة النظام يجب أن "تصدر قوانين تسهل عودة مسرحي 102 بشكل جزئي للمعاهد والجامعات لمساعدتهم على تذكر ما درسوه، وكذلك إصدار مفاضلة قبول جامعي خاصة بالمسرحين".
البزة العسكرية كانت "هيبة وسلطة"!
محمد 22 عاماً" من دمشق، يقول "البدلة العسكرية التي كنا نرتديها وتخيف الأشخاص المدنيين وتعطينا الأفضلية في كل شيء (دور الخبز الغاز، في أي مؤسسة حكومية).. الآن زالت، وذهب الاحترام بمجرد أننا نزعنا البزة العسكرية.
يحاول "محمد" التسجيل في "مكتب الدور" أي المكتب التابع لحكومة النظام والخاص بتسجيل دور لتأمين عمل، ويقول عن تأمين العمل "رغم صعوبة الظروف التي عشناها في الخدمة وبقائنا أحياناً لأيام دون طعام إلا أن الأعباء المادية لم
تكن هماً بالنسبة لنا.. الآن تأمين فرصة عمل هو أكثر ما يؤرقني".
يتابع محمد "العديد من الناس يسموننا الدورة المنقرضة، ما أن أعرف عن نفسي بأنني من دورة ال 102 حتى يصيح ضاحكاً أحدهم بعدكم عايشين انتوا".
مصابو الحرب ..كلفة العلاج يأمنها البعض عن طريق التسول
قالت منظمة الصحة العالمية إن ما يزيد عن ثلاثة ملايين سوري يعانون من إعاقات وإصابات، داعية إلى زيادة الاهتمام والدعم المقدم لهم. وفي تقرير لها نشرته في الـ 13 كانون الأول لعام 2017 ، قالت فيه إن 1.5 مليون سوري أصيبوا بالإعاقة نتيجة النزاعات والحرب في سوريا بعد عام 2011، بمعدل 30 ألف إصابة كل شهر.
و أشار تقرير أعدته منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع المنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، و حسب التقرير إلى أن من بين الثلاثة ملايين سوري المصابين بإعاقات هناك 1.5 مليون مصابون بإعاقات دائمة، و سجل 86 ألفًا منهم مبتورو الأطراف، و وصلت نسبة الاطفال المصابين إلى الثلث. وهذه الأعداد لا تشمل المقاتلين المصابين و الذين يعانون من إعاقات دائمة نتيجة المشاركة بالعمليات العسكرية.
و انتشر في مدينة طرطوس فيديو لأحد المجندين الذين تم إعفائهم من الخدمة الإلزامية و الاحتياطية، وهو محمد مدور، وذلك بعد حصوله على نسبة عجز بلغت 10 بالمئة بسبب العمليات الحربية.
ويظهر المجند المسرح محمد وهو يفترش الطرقات في مدينة طرطوس يمارس التسول لجمع المال من اجل اجراء عملية جراحية لعينيه.
جندي مصاب "يتسول" في أحد شوارع طرطوس لجمع مبلغ مالي وإجراء عملية جراحية
في الثالث و العشرين من شهر آذار لعام 2016 استقبل الاسد و زوجته مصابين من قواته وعائلاتهم، بمناسبة عيد الأم، وأظهر فيديو عرضته وسائل إعلام أسماء الأسد، وهي تتحدث لأحد المصابين إن العقوبات الاقتصادية كانت سبباً في عدم توافر المادة الطبية للعلاج، علماً أن العقوبات المفروضة على النظام لا تشمل المستلزمات الطبي بمختلف استخداماتها، سواء الدوائية أو التقنية المتمثلة بالأطراف الصناعية .
فيما قالت وكالة سانا " أن خدمة الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل في سوري تقدم عبر تسعة مراكز حكومية وأهلية موزعة بواقع مركزين للخدمات الطبية العسكرية بدمشق وطرطوس ومثلهما لوزارة الصحة بدمشق وحمص فضلا عن مركزين لمنظمة الهلال الأحمر العربي السوري بدمشق وحمص وثلاثة مراكز تابعة لجمعيات أهلية بدمشق إضافة إلى عدة مراكز خاصة ".
قتلاها وجرحاها كثر.. وتكتُّم على عدد المتبقين
يفتح قرار التسريح اليوم الباب واسعاً للتساؤل عن العدد الحقيقي للمجندين وصف الضباط والضباط الذين تم تسريحهم من هذه الدفعة، خصوصاً أنها خاضت معارك متواصلة على كافة الأراضي السورية، وقتل وجرح منهم أعداد كبيرة.
وتضاربت الأنباء حول العدد الحقيقي للذين شملهم التسريح، إذ لم يصدر النظام السوري بياناً واضحاً حول ذلك.
في وقت ذكرت قناة (روسيا اليوم) أن عدد المسرحين من غير المنشقين والفارين نحو 9400، في حين قال (المرصد السوري لحقوق الإنسان) إن عدد المسرحين هو 1500015 ألفاً.
وأشارت صفحات لناشطين على (فيسبوك) إلى أن تعداد الدورة حين التحقت بجيش النظام في 2010، كان (90 ألفاً)، وانشق عنها عشرات الآلاف بعد رفضهم في المشاركة بالعمليات العسكرية ضد المدن والبلدات، لافتةً إلى أن من تبقى تصل أعدادهم إلى 16 ألفاً، فقط، اي أنهم من طبق على أغلبيتهم قرار التسريح.
ولم يشمل التسريح الأخير العناصر الذين تم سحبهم للخدمة الاحتياطية بعد 2011، علماً أن من بينهم أفراداً من الدورة 102، سبق أن تسرحوا في بداية 2012، لأنهم شاركوا سابقاً في (التدريب العسكري الجامعي).
لا تعويضات للمسرحين.. وأولوية التوظيف لذوي القتلى
تتلخص أغلب مطالب المسرحين من الدورة (102) بدعمهم مالياً واقتصادياً عبر منحهم ميزات في تأمين عمل وسكن وتسهيلات لإكمال التعليم لمن يرغب منهم.واشتكى المسرحون من عدم تعويضهم مالياً من قبل جيش النظام السوري، في وقت استثني مشروع قرار لحكومة النظام حول تعديل سلم الرواتب، كلاً من أفراد الجيش والشرطة.
وقالت صفحة (رجال الدورة 102) على فيسبوك "كأنو كبو علينا مي بارده وتيتي تيتي متل مارحتي أجيتي.. لا وظائف ولا أي شي ولاحدا حتى متذكرنا ..انتسينا وصرنا من المحاربين القداما¡????".
أحد المسرحين، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، يقول لـ روزنة، "راجعت مديرية الزراعة بناء على التعميم الصادر من قبل رئاسة الوزراء في حكومة النظام عام 2013، والقاضي بتوظيف كل عسكري يحمل شهادة معهد متوسط والتحق بالخدمة قبل عام 2013 وتسرح بعدها".
ويتابع "متل العادة صدقت الخبر ورحت إلى مديرية الزراعة كون شهادتي معهد زراعي لنقدم الطلب بفاجئني الموظف قال عندو طلبات من اكتر من 3 سنوات والرد كلو عميجي للتريث".
وقالت صفحة" مطالبة بتسريح دفعة 102" إن تعويضات صف ضابط برتبة مساعد تصل نحو 600 ألف ليرة سورية أي بما يعادل ألف ومئتي دولار تقريباً.
ولم يحصل المسرحون من دورة (102) على أية تعويضات، في حين أصدر رئيس النظام السوري بشار الاسد بعد ايام من قرار التسريح مرسوماً بزيادة رواتب العسكريين بنسبة 30%.
وأصدرت حكومة النظام السوري ورئيس النظام بشار الأسد قرارات ومراسيم عدة خلال السنوات الأخيرة، تمنح ذوي قتلى جيش النظام ميزات وتسهيلات في عدة مجالات بينها الحصول على وظائف ودخول الجامعات.
وأظهرت صور وتسجيلات مصورة في السنوات الأخيرة، تكريم جيش النظام لعائلات قتلاه في المعارك عبر توزيع ساعات حائط وأغطية ورؤوس من الماعز.
يشار إلى أن النظام السوري لجأ لتعويض النقص الحاصل في أفراد جيش النظام، إلى الاستعانة بمجموعات قام على تدريبها تحت اسم (الدفاع الوطني)، كما استعان بمجموعات مقاتلة أجنبية إيرانية وعراقية ولبنانية ومن جنسيات أخرى تدعمها إيران، فضلاً عن الدعم العسكري الروسي بالرجال والعتاد.