ينتهي طارق، 14 عاماً، من يوم حافل بالعمل كبائع على الطرقات، ويتّجه إلى منزل معلّمة في إحدى المناطق الشعبية داخل مدينة غازي عنتاب، ليتعلّم أخيراً شيئاً مما فقده خلال عامين، أمضاهما بإعالة أفراد أسرته ومايزال.
لم يكن لطارق خيارات كثيرة أمامه – كما يقول أحد جيرانه – إذ وجد نفسه، رباً لأسرة مكونة من ثلاثة أطفال هو أكبرهم، بعد وفاة والديه في الحرب الدائرة في سوريا، ليتّجه بعدها إلى العمل رغم عجزه أيضاً، ويختار البيع على الطرقات أشياء كـ"مناديل ورقية – بسكويت – وربما علب سجائر"، ليعود أخيراً إلى منزله البسيط حيث ينتظره باقي إخوته.
الظروف لا تخدم طارق، فهو يحتاج إلى نهار كامل، بين عمله ومسؤولياته الأبوية وبين رغبته في التعلّم طالما أن المدرسة غير متاحة له، لكن الظروف لم تخدم أيضاً أكثر من 2.7 مليون طفل لم يتمكنوا أيضاً من دخول المدرسة، ربما لظروف مشابهة لظرف طارق.
أسباب انتشار ظاهرة عمالة الأطفال
يقول سليم عبد الغني عضو مؤسس ومدير جمعية قوس قزح للتنمية ورعاية الطفولة في مدينة غازي عنتاب لراديو روزنة، إن انتشار ظاهرة عمالة الأطفال وطفل الشارع كانت نتيجة نزوح الكثير من العائلات السورية إلى المخيمات داخل الأراضي التركية بداية، ونظراً لكثرة أعداد اللاجئين، لم يكن لدى تلك المخيمات القدرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة مما اضطرهم إلى اللجوء إلى المدن التركية الجنوبية لقربها من الحدود السورية، أهمها "شانلي، و أورفا، وكلس، و غازي عنتاب".
وأضاف عبد الغني، أن هذه العائلات لفقرها سكنت في الأحياء العشوائية والتي بدورها تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية والمستوصفات والمدارس.
بعد المدارس عن تلك المناطق وعدم وجود الإمكانية المادية الكافية للأهالي من أجل دفع مواصلات المدارس، انقطع الأطفال عن التعليم، وبالتالي اضطروا إلى العمل.
يقول عبد الغني "، تحاول جمعية قوس قزح منذ ثلاث سنوات القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع وعمالة الأطفال، حيث تركّز نشاطاتها في الأحياء الشعبية في المدينة.
وأضاف،أن الجمعية تقدم منهاج التعليم التعويضي في المواد الأساسية كاللغة العربية والرياضيات واللغة التركية، إضافة لانشطة الدعم النفسي من خلال مركز أخصائي شريك، من أجل تسهيل تسجيل هؤلاء الأطفال في المدارس الرسمية.
ونوه لعدم وجود أي تنسيق بين جمعيتهم وبين الحكومة التركية.

الحاجة المادية
تقول ميادة. م في حديث لراديو روزنة، "عندما وصلنا إلى تركيا، كنا بحاجة إلى شخص آخر ليعمل إلى جانب رب الأسرة لإعالتنا، وكان علينا أن نختار إما بيني أو بين ابني البالغ من العمر 12 عاماً".
وأضافت، أن ابنها عمل في معمل لصناعة الأحذية مع والده لسد رمق العيش، لكن المعاملة لم تكن جيدة لصغر سنه، إضافة إلى التمييز في "الأجرة" حيث كانوا يعطونه مبلغاً زهيداً مقابل عمله وذلك أيضاً لصغر سنه، مقارنة مع الأشخاص البالغين.
وأردفت ميادة، أن ابنها بعد عامين من العمل المضني، تعرّض لضغط نفسي شديد وماعادت نفسه تطيق العمل، الأمر الذي دفعها حينها إلى البحث عن مركز تعليمي ليبدأ من جديد بعد انقطاعه عن التعليم لمدة عامين.
ولا تختلف قصة عماد، 11 عاماً من مدينة حلب، عن ابن ميادة، حيث يعيل عماد عائلة مكونة من سبعة أطفال وأم وأب، ويعمل في سوق النحاسين لمدة تترواح بين الـ 10 - 12 ساعة و بأجرة شهرية لا تتجاوز الـ 500 ليرة.
عماد هو المعيل الوحيد لأسرته، والده مريض بداء السكري والقلب وغير قادر على العمل، كما يقول لروزنة أحد جيرانه.
من جهتها قالت أسيل خطيب معلمة سورية في غازي عنتاب لراديو روزنة، إن الحاجة هي التي دعت الأطفال للعمل، وكونها كمعلمة، ترى أن الكثير من الطلاب يعملون ويدرسون في آن معاً، حيث يأتي الطالب إلى المدرسة متأخراً، وأحيانا ً أخرى يتغيّب عن المدرسة بسبب العمل.
ماذا يقول القانون التركي؟
من جهته قال المحامي حسام سرحان عضو مجلس الإدارة في تجمع المحامين السوريين في تركيا لراديو روزنة، إن القانون التركي أباح للطفل الذي أتم الـ 14 عاماً بالعمل لمدة ساعتين في اليوم، مدة لا تتجاوز عشر ساعات في الأسبوع.
أما الأطفال الذين أتموا سن الـ 15 عاماً ولم يتموا الـ 18، أباح لهم القانون التركي العمل لمدة سبع ساعات يومياً، على ألا تتجاوز ساعات العمل 30 ساعة في الأسبوع، بأعمال تتناسب مع أعمارهم وليس بمعامل صناعية، حسب المحامي سرحان.
وأضاف سرحان، فيما يتعلق بالأطفال دون الـ 14 ، ممنوع العمل ويتعرض رب العمل والأهل لغرامة وعقوبة، موضحاً أن القانون التركي فرض على رب العمل وأسرة الطفل غرامة مالية قدرها 1293 ليرة تركية، فيما يتعلق بعمالة الأطفال الأتراك.
وفيما يتعلق بالأطفال السوريين أكد أنه ينطبق عليهم قانون الحماية المؤقتة الصادر عن وزارة الداخلية التركية وبالتالي وزارة الداخلية هي التي تصدر التعليمات، ومن بين التعليمات، عقوبة المتسول والتي من الممكن أن تصل لمرحلة ترحيل الأهل خارج تركيا.
وأوضح سرحان، أن الأطفال الذين يبيعون "المحارم" وماشابهها في الشوارع لا يعتبرون بحكم المتسولين وفق القانون، طالما يعمل مقابل بدل مادي، لكنه مخالف للتعليمات فيما يخص التعليم الإلزامي إذا كان في سن الدراسة، ويتم ضبط هذا الطفل بجعل الأهل يدخلونه المدرسة، أما في حال تكرار العمل، يمكن أن يعاقب مالياً، ومن الممكن الترحيل خارج تركيا.
عقاب "التسول المنظّم" السجن:
ولفت سرحان أن "التسول" جريمة يعاقب عليه القانون التركي بالسجن عندما يكون "منظّم"، أي عند وجود شبكة تعمل على استغلال الأطفال بجعلهم يعملون، وتأخذ منهم المال في آخر اليوم، وذلك بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، ويتم أخذ الأطفال إلى مراكز إصلاح أحداث، وفي حال وجود عائلة للطفل يتم إلزامهم بتعليمه في المدرسة.
وضاعف القانون التركي عقوبة التسوّل من سنتين كحد أدنى إلى ست سنوات ، في حال كان الشخص الذي يستغل الأطفال في عملية التسول أحد أقاربه، حسب ما أكد سرحان.
أطفال مجبرون على العمل
تنتهي زهرة وهي فتاة من الرقة، تبلغ من العمر 11 عاماً، من عملها في بيع المحارم عند منتصف الليل، وذلك منذ ثلاث سنوات وحتى الآن، جنت خلالها أرباحاً هائلة لأسرتها التي تجبرها على الخروج بشكل يومي، بعدما منعتها عن المدرسة، حسبما تروي إدارة جمعية قوس قزح لراديو روزنة.
تقول إدارة قوس قزح، أن الفتاة تجني يومياً خلال عشر ساعات أكثر من مئة ليرة تركية، الأمر الذي دفع والدها لإجبارها على العمل، ورفضه التزام الفتاة بمدرسة أو أي مركز تعليمي، فضلاً عن امتلاكه سيارة "بيك أب".
وقال أحد المعلمين الأتراك ويدعى بـ عمر. ك، في حديث لراديو روزنة، "إن الكثير من الأطفال السوريين يعملون منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل في أعمال ثقيلة، لا يجوز أساساً كأطفال العمل بها".
وأضاف، أنه توجد منطقة في مدينة غازي عنتاب تسمى "المنطقة الصناعية" وتحتوي على عدد كبير من المعامل والمصانع، يعمل بها قسم كبير من الأطفال السوريين.

يذكر أنه خلال سنوات الحرب السبعة الماضية في سوريا، تسرّب غالبية الأطفال في الداخل السوري وفي بلدان اللجوء عن مدارسهم لإعالة أسرهم، محرومين من جميع حقوقهم الأساسية وأهمها الصحة والتعليم، حيث تأثر 8.5 مليون طفل سوري بسبب الحرب الدائرة، 6 مليون طفل في سوريا موجودين بشكل فعلي، و2.5 مليون في دول اللجوء، حسب تقرير اليونيسيف
قالت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) في تقرير صدر الاثنين 11 حزيران، إن نحو 2.1 مليون طفل سوري يعيشون خارج مقاعد الدراسة في سوريا تسببت الخرب الدائرة منذ سبع سنوات بانقطاع هذا العدد من الأطفال السوريين عن الدراسة، أما الملتحقون بالدراسة، قال التقرير أن العديد منهم واجهوا خطر التوقيف و الاستجوابات الامنية خلال توجههم إلى مراكز تقديم الامتحانات العامة.