وزارة المالية تحكم على مؤسسة التأمينات الاجتماعية بالإعدام

وزارة المالية تحكم على مؤسسة التأمينات الاجتماعية بالإعدام
القصص | 25 مارس 2018
من المفترض أن تكون "مؤسسة التأمينات الاجتماعية" من أكبر المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية من حيث الايرادات المالية والأرباح، لكنها في سوريا، باتت تعاني العجز
وتسبب الخسارة لخزينة حكومة النظام السوري، إلى أن وصلت مرحلة الاحتضار لتلفظ أنفاسها الأخيرة، بينما تكاد إجراءات الإنعاش مهما تنوعت، غير مفيدة، بعد تركيب العجز عليها لسنوات طويلة.


لم يكن إعلان "أحمد دشاش"، أحد الأطباء السوريين في "الرابطة السورية لأطباء الصحة العامة وطب المجتمع"، مفاجئاً بالنسبة للمؤسسة ذاتها، لكنه أعاد قضية عجز المؤسسة إلى الواجهة من جديد، علَّ المرض العضال الذي تعانيه، يلقى من يرعاه ويجد عقاراً يساعد في إطالة أمد احتضارها على أقل تقدير.

إصابات العمل تعيد الملف

يقول دشاش إن تكلفة إصابات العمل وصلت أكثر من ملياري ليرة العام الماضي وأكثر من ثلاثة مليارات قبل عامين، وإن استمر الوضع على ما هو عليه فالتأمينات الاجتماعية ستعلن إفلاسها.

جاء حديث دشاش في "الندوة الطبية حول الصحة المهنية والأمراض البيئية بين الواقع والطموح" التي أقامتها "الرابطة السورية لأطباء الصحة العامة وطب المجتمع" بالتعاون مع "المؤسسة العامة للتأمينات"، مؤخراً، لكن ما جاء ضمن حديثه ليس بجديد، وليس السبب الرئيس في معضلة مؤسسة التأمينات.

مشكلة إصابات العمل، التي ازدادت خلال السنوات الأخيرة ورتبت التزامات ونفقات إضافية على المؤسسة، ليست الوحيدة، فالتحايل على التأمين الصحي مثلاً، مشكلة أخرى تؤخذ بعين الاعتبار، إضافة إلى استقرار المبلغ المقتطع لقاء التأمين الصحي مقابل ارتفاع وحدات التحاليل المخبرية وأسعار الأدوية ما رتَّب نفقات إضافية على المؤسسة، التي تخسر أيضاً بظل وجود منافسة كبيرة بما يتعلق بالتأمين على المنشآت وعلى الحياة والسيارات في الشركات الخاصة.

أكثر من مليون عامل

بحثت "روزنة" في المشكلة الأساسية، التي أوصلت المؤسسة إلى فراش الموت، فتبين أن المؤسسة وحتى اليوم، ملتزمة بتقديم ما تنص عليه العقود التأمينية لـ 1,254,384 عاملاً منهم 2,669 عاملاً مشتركين عن أنفسهم بشكل مستقل عن أي جهة، و187,276 عاملاً في القطاع الخاص، وما تبقى مشتركين في القطاع العام أي نحو 1,064,439 عامل، ومن هنا تبدأ الحكاية.

أغلبية المشتركين في مؤسسة التأمينات الاجتماعية هم موظفون في القطاع العام، وبعبارة أخرى، القطاع العام ملزم بإدراج موظفيه في مؤسسة التأمينات الاجتماعية وعلى هذا الأساس يتم اقتطاع جزء من الراتب لصالح المؤسسة، وهذا ما يتم فعلاً شهرياً.

لكن، بعد الاقتطاع، لا أحد يعلم أين تذهب هذه الأموال، وهذا ما يؤكده حديث مدير عام مؤسسة التأمينات الاجتماعية، يحيى أحمد بحسب تصريحات تعود لعام 2016، لم تطرق جدران الخزان رغم أهميتها، حينما قال "هناك وزارات ومؤسسات عامة لم تقم بتسديد اشتراكات عمالها ومستحقاتهم على الرغم من إجراء المطابقات السنوية والمطالبات المستمرة بتسديد هذه المبالغ، حيث قدرت قيمتها الإجمالية بحوالي 225 مليار ليرة معظمها للقطاع العام والقليل منها للقطاع الخاص".

ويتابع أن "القطاع الخاص يقوم بالتسديد مباشرة من دون أن ننكر بعض الصعوبات لكن في النهاية صاحب العمل يقوم بالتسديد، والصعوبة الكبيرة في تحصيل الاشتراكات العمالية من الجهات العامة".

وزارة المالية هي المسبب

لم ينكر أحمد حينها، أن هناك تهرب كبير من قبل القطاع الخاص بالتسجيل في التأمينات الاجتماعية، لكن عدم التسجيل لا يرتب عجزاً على المؤسسة في النهاية، إلا أنه يحرمها من مورد قد يكون بمثابة "بحصة بتسند جرة"، بحسب أحد الخبراء الذي فضل عدم الكشف عن اسمه قائلاً إن "مشكلة المؤسسة وعجزها يكمن في حكومة النظام ذاتها، وليس في أي شيء آخر، ويجب أن تفتح تحقيقات كبيرة لمعرفة أين ذهبت وزارة المالية بالمليارات، التي اقتطعت من العمال على أساس أنها لصالح مؤسسة التأمينات".

يعود أحمد في العام الجاري ليعيد تصريحات سابقه له منذ عامين ماضيين، عله يلقى من يهتم، لكن هذه المرة حصر المبلغ المترتب على الجهات العامة دون خوف، وحدد أكثر الجهات تهرباً، قائلاً إن "الديون المترتبة للمؤسسة على وزارة المالية وباقي مؤسسات الدولة تجاوزت 225 مليار ليرة سورية"، مضيفاً أن "المبلغ الأكبر يترتب على وزارة التربية ليتجاوز 84 مليار ليرة سورية والنتيجة أن كل هذه المبالغ مترتبة على وزارة المالية لأنها الجهة التي تقوم بتسديد رواتب العاملين في الدولة من الخزينة العامة".

أحمد أنزل من على عاتقه وزر الخسارة، ورماها على الحكومة ومؤسساتها، منوهاً إلى أن مؤسسته كانت قد وجدت ما يعيلها على الوقوف، لولا تجاهل مؤسسات الحكومة لها،
وقال "هذه الديون الكبيرة رتبت على مؤسسة التأمينات الاجتماعية خسارة سنوية لقاء عدم استثمار ديونها، فلو وضعتها في البنوك لحققت 30 مليار ليرة سورية".

يشرح أحمد ببساطة ما حدث بقوله إن المؤسسة تصرف للمؤمن عليهم مبالغ من رأسمالها، بينما لم يتم تحويل أي مبلغ من رواتبهم لها، مبيناً أن "المؤسسة صرفت 126 مليار ليرة سورية تعويضات ومعاشات خلال عام 2017 للمستحقين المشمولين بالمظلة التأمينية استفادت منها أكثر من نصف مليون أسرة في جميع المحافظات".

القضية باتت واضحة، فمن حكم على المؤسسة بالانهيار هي وزارة المالية ذاتها وفق أحمد، الذي لم يتساءل صراحة: ماذا فعلت وزارة المالية بالأموال التي اقتطعتها من رواتب العمال الذين يزيد عددهم عن مليون، بحجة التأمين؟.

معاشات تقاعدية

وتقدم المؤسسة عدا عن التأمينات، معاشات تقاعدية لأكثر من نصف مليون متقاعد وبكتلة مالية شهرية تقدر قيمتها بحدود 10 مليارات ليرة شهرياً أي ما يعادل 120 مليار ليرة سنوياً، وبالمقارنة مع عام 2010 يلاحظ زيادة كبيرة في كتلة رواتب المتقاعدين، التي كانت تبلغ 22 مليار ليرة فقط، بينما قدمت المؤسسة رغم عجزها، معاشات تقاعدية بلغت قيمتها منذ العام 2011 وحتى شباط الماضي بحدود 450 مليار ليرة.

ويبلغ عدد المعاشات الشهرية المصروفة 309,212 معاشاً بمبلغ شهري يصل إلى 6.3 مليار ليرة سورية، أما تعويض المعيشة الشهري فيصل إلى 3.2 مليار ليرة ويتجاوز سنوياً 41.5 مليار ليرة، وبالنسبة للتعويض العائلي فقد بلغ شهرياً 86 مليون ليرة سورية وسددت المؤسسة تعويض الدفعة الواحدة خلال العام الماضي ما يقارب 3 مليارات ليرة سورية.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق