"تقدمت الفرقة النحاسية النعش، نساء الحي رشّوا الأرز، والصبايا رششن الورد، جثمان ولدي مغطى بالعلم. نفس العلم الذي طواه ضابط كبير، وسلمه لزوجي بعد الدفن. وضعنا العلم في خزانته، بين ثيابه. على الجدار المقابل لخزانته تتربع صورة كبيرة له حين تخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم أول، وبجوارها صورته حين كان طفلاً". تقول أم علي في حديثها لراديو روزنة.
قتل علي مع مجموعة كبيرة من زملائه في هجوم للفصائل المعارضة منذ سنة تقريباً في شرقي حماة "كان يعشق صبية، تدرس في الجامعة. وكنا نفكر أن نخطبها له. وهو يؤجل الموعد. كان يعرف أن حياته قصيرة. كان يقول لا يجب على العسكري أن يتزوج. نحن حياتنا تذوب بسرعة". تقول أم علي.
"أزور القديسين في قريتي، أوقد البخور، وأتنفس من الهواء المقدس، أؤمن بأن روح ولدي تطير حولي الآن. ما يهدئ من قلقي وحزني أنه يزورني في أحلامي. يزورني في صور كثيرة. صور آخر مرة رأيته في ثيابه العسكرية، صورته وهو يتهيأ ليرى صديقته. صورته وهو يحمل في يديه هدية آخر عيد أم حضره بيننا". تقول أم علي.
لا تحضر أم علي أي جنازة في القرية التي تسكنها. لا تستطيع. "أبكي، ينتابني شعور موجع أني أفقد ابني من جديد". تقول أم علي.
قتل ناجي في الغوطة بعد هجوم لفصيل معارض على نقطة عسكرية، وقتل معه أكثر من عشرين ضابطاً من جيش النظام، تخرجوا في نفس الدورة العسكرية.
"يوم وصلت سيارة الإسعاف تحمل جثمانه، ووقفت أمام دارنا، ويوم أطلق الرجال الرصاص في الفضاء، اعتقدت أن المشهد يعود إلى أم ثانية. لأسرة ثانية. خاصة أن قريتنا تستقبل الشهداء دائماً. راقبت الحالة بحياد، وكأني لست أمه. سرت مع الجنازة. رأيت كل الوجوه، مع توالي الأيام بدأت أشعر بصمت غريب رغم كل الحركة التي تحيط بي، من أهلي وجيراني. كنت أوقظ نفسي كل حين، لأني اعتقدت أني في حلم". تقول أم ناجي.
"أشعر أني أختنق الآن. الآن بدأت أشعر بغيابه. لا أستطيع النوم. لا أستطيع تناول الطعام. لا شيء في حياتي اليوم له طعم. أتوق أن أموت. أريد أن أذهب إليه. أريد أن أرى ابني. أنا مؤمنة، وديني لا يسمح لي بقتل نفسي. لكني أريد أن أموت، أتمنى أن أموت اليوم قبل الغد". تضيف أم ناجي.
تتوارد أخبار مقتل الجنود والضباط في كل المناطق التي تخضع لسيطرة النظام السوري يومياً، عبر صفحات الفيس بوك التي تهتم بالموضوع. وتنشر تلك الصفحات أخباراً وقصصاً تختلف عن الطابع العام الذي يميزها.
ذكرت صفحة أخبار مصياف الموالية للنظام، أن أسرة آل الصالح فقدت الابن السادس، ونشرت صورة الأمّ تحمل صورة لأولادها الخمسة الذين قتلوا في سوريا، وتذكر الصفحة أن الأم صارت أمّاً لستة "شهداء" بفقدانها الولد السادس.
وأضافت الصفحة في فترة سابقة صورة للجندي إبراهيم سلوم، الذي أصيب في درعا، وهو لا يقوى على خدمة نفسه، وتساعده أمه في إطعامه.
طلبت الصفحة مساعدة الجهات العسكرية في علاج الجندي الجريح. وذكرت أن والدة الجندي فقدت اثنين من أولادها خلال الفترة الماضية.
طالب أحد المعلقين في الصفحة أن يتم تخصيص وزارة" للشهداء والجرحى"، ويخصص لها موازنة كبيرة حتى تستطيع القيام بمهماتها في رعاية أسر "الشهداء والجرحى"، وطالب آخر بجعل الرقابة شديدة على هذه الوزارة حتي لا يتم سرقة ميزانيتها، ويتم التأكد أنها تصرف على الجرحى و"الشهداء" وأسرهم كما ذكر المعلّق.
"في قرية أصيلة بريف حماة، قتل أكثر من 400 شاب حتى الآن، في الحرب الدائرة منذ سبع سنوات. قرية خلت تقريباً من الشباب والرجال. حوالي 400 أمّ دفنت ولدها. واستلمت علم النظام بعد الدفن. تشبهها قرية بستان الباشا في ريف اللاذقية. هناك جيل كامل لا يظهر في ساحات القرية، كل من هو فوق العشرين وتحت 45 غاب تقريباً. إما في الحرب أو تحت التراب أو في الجبال أو لاجئ في بلد مجاور أو في بلد بعيد". يقول أيهم. معارض سوري يعيش في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
الكلمات المفتاحية