ماراتون سوري لأمهات وحيدات !

ماراتون سوري لأمهات وحيدات !
التقارير | 13 مارس 2018
أمَّهات وحيدات بالآلاف اليوم في سوريا، ولا إحصاءات دقيقة لأعدادهن، لكنهنّ جميعاً يتشاركن فقدان الزوج وإعالة الأطفال وحيدات.. رجال هربوا من بطش الحرب، وآخرون قُتلوا أو فُقِدوا، فيما النساء عالقات بالبحث عن طعام أولادهنّ.

وصلت "أم محمد" إلى دمشق العاصمة قادمة من ريف إدلب منذ 5 سنوات مع أطفالها، لتستقر فيها وتجد عملاً.

"أعيش في غرفة واحدة تحت الأرض في حي المشاريع في دمشق مع ثلاثة أولاد، فتاة في التاسعة وطفلان في السابعة والسادسة.. تعذبت كثيراً حتى وجدت هذه الغرفة"، تقول أم محمد لراديو روزنة.

اختفى زوجها قبل 6 سنوات ولا تعرف عنه شيئاً حتى الآن.. انتظرت في إدلب سنة قبل أن تفكر في النزوح إلى دمشق، رغم لجوء الكثير من السوريين إلى تركيا.

اعتبرت "أم محمد" أن دمشق كبيرة وواسعة وتستطيع أن تجد فيها عملاً ينجيها مع أولادها من زحمة الموت، وتبقى في بلدها سوريا من جهة أخرى، وحين تنتهي الحرب تستطيع العودة إلى منزلها، لكنها لم تتوقع أن تطول الحرب كل هذه المدة كما قالت.

وتتابع "عملت في المطاعم، وخادمة في البيوت، وفي تنظيف المستودعات وفي الأفران الليلية.. كنت أترك أولادي وحيدين وأذهب.. الطفلة التي لا تعرف في الحياة كثيراً كانت أمّاً لأخوتها في غيابي"، وتستدرك قائلةً "الحياة بطبيعتها قاسية وصعبة على النساء، فكيف إذا كنّا في حالة حرب وكيف إذا كان الزوج غائباً".

عاصفة في الخزانة!

تعمل "أم محمد" الآن مستخدمة في مدرسة ابتدائية، وعند عودتها للغرفة تعمل في (شك الخرز) على الثياب مقابل بعض نقود قليلة، وتقول "الوضع مازال صعباً رغم العملين الذين أقوم بهما، لكنه أفضل بكثير مما كان في البداية".

"حين هبت العاصفة الثلجية الأخيرة، لم يكن في الغرفة مازوت أو ثياب أو أغطية كافية، وضعت أولادي في الخزانة الخشبية التي تبرع بها أحد الجيران.. ووضعت عليهم جميع الأغطية وحتى الألبسة علَّها تمنحهم بعض الدفء.. مضت العاصفة لكن هذه الذكرى لن تمضي أبداً".. تقول أم محمد.

وتؤكد أم محمد.. "لن أسامح زوجي لأنه تركني في عالم لا يرحم، وبين أولاد حرام"، على حد تعبيرها.

 تتشابه قصة "أم محمد" مع قصص الكثيرات من الأمهات السوريات اللواتي تركن وحيدات مع أطفالهن في زمن الحرب، التي هجّرت الرجال إما إلى الموت أو إلى بلاد اللجوء.

عالق في ألمانيا

وصلت "جيان" إلى أربيل قادمة من القامشلي، في فترة سابقة، لتقدم طلب لمّ شمل لها ولطفليها في السفارة الألمانية، وبعد شهرين من الانتظار، جاء الرّد مع الرّفض.

"وصل زوجي إلى ألمانيا، ولم يستطع لمّ شملنا، فطلب مني أن أقوم أنا بذلك في السفارة الألمانية في أربيل.. صرفت كل ما أملك من النقود التي أرسلها لنا والتي تبرّع بها أهلي، وفي النهاية لم أحصل على شيء"، تقول "جيان" لروزنة.

"زوجي عالق في ألمانيا، لا يريد العودة، فربما تتغير القوانين الألمانية، ويستطيع بعدها إنقاذنا، وأنا لم أستطع البقاء في أربيل لأن المعيشة غالية جداً، فعدت إلى القامشلي، هنا أهلي يساعدوني ويستطيع أطفالي الذهاب إلى المدرسة، وأستطيع أنا القيام ببعض الأعمال".

لولا مساعدة أهل "جيان" لها، لضاعت وضاع طفلاها كما تقول، أرسل زوجها مصروفاً في فترة سابقة، ثم توقف عن ذلك لأنه وضعه صعب، كما قال لها.

"سافر زوجي مع الكثير من السوريين في الفترة التي شهدت فيها حدود أوروبا انفتاحاً، لكنه علق في اليونان حوالي العام قبل أن يصل إلى ألمانيا في رحلة استنفذت ماله وصحته، وحصل على الإقامة بدون أن يكون له الحق في لمّ شمل أسرته"، تقول "جيان".

لا تفكر "جيان" بالمستقبل، لا تستطيع، وكل ما تفكر فيه الآن هو معيشة طفليها، لكنها تخشى أن تقترب الحرب إلى مدينتها.. حالة التجييش الحاصل وحالة السلاح المنتشر تهيئان لساحة حرب لا تعرف متى تبدأ في المدينة، ذلك ما يخيفها.

"يتصل زوجي أحياناً، في السابق كانت اتصالاته أكثر.. كان يمضي معنا وقتاً أطول في الحديث.. الآن ينشغل أكثر بتعلم اللغة الألمانية، وبالبحث عن عمل"، تقول جيان.

تخشى جيان من أوروبا، تخشى أن يتركها زوجها ويتزوج غيرها، لكنها لا تسترسل في الحديث لأن ذلك يقلقها ويفقدها تركيزها، وهي تريد أن تكون صاحية دائماَ، لترعى طفليها وتدبر أمورهما.

وتختم جيان إن "وضعها أفضل بكثير من وضع جارتها التي علق زوجها في اليونان منذ عامين".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق