استقبلتنا أم عبادة (43 عاماً) في بيت "على العظم" أي دون إكساء.. باب خشبي غير محكم وأكياس نايلون و"مشمع" أي البلاستيك، تغطي فتحات النوافذ وثقوب الجدران الخشنة.
مدفأة حطب للتدفئة والطبخ في آنٍ معاً، وعدد من الحرامات تغطي مساحات من الجدران لتخفيف برودة الشتاء، أما الكهرباء فلا وجود لها على الإطلاق في هذا المنزل.
تقول أم عبادة لـ روزنة، أتيت وأولادي إلى أشرفية صحنايا قرب دمشق منذ نحو 6 سنوات بعد خروجنا من خان الشيح بريف دمشق هرباً من القصف.. أمضينا خمسة أيام في إحدى الحدائق، قبل أن نستأجر هذا "المنزل".
تستدرك أم عبادة قائلة، "لم يكن بوسعنا استئجار منزل مكسي فاخترنا السكن في هذا البيت على العظم وبدأ بدل الإيجار الشهري بـ 5 آلاف والآن ندفع 12 ألف ليرة".
وحين وداعنا لها.. ختمت أم عبادة "أعتقد أننا أصبحنا نعيش مثل أهل الكهف".
البناء الذي تعيش فيه أم عبادة عبارة عن جمعية سكنية قيد الإعمار، توقف العمل فيه منذ نحو 10 أعوام، لا يزال على العظم أي بدون أي كسوة أو بنية تحتية للماء والكهرباء والصرف الصحي، يقطنه حالياً عشرات النازحين من غوطتي دمشق الشرقية والغربية.
تثبيت الآجار بحاجة إلى لجنة أمن رباعية!
لم يتوقع أبو محمد (نازح من الغوطة الشرقية إلى جرمانا قرب دمشق) الانتظار طويلاً لتثبيت عقد استئجاره لمنزل في جرمانا، غير أن الأمر لم يكن كما اعتاد سابقاً، بل أصبح تسجيل عقد الإيجار بحاجة لموافقة من أجهزة النظام السوري الأمنية، التي ربما تطول لشهر وربما أكثر.
يقول أبو محمد لـ روزنة، "منذ عام 2013 خرجت وعائلتي من المليحة في الغوطة الشرقية إلى جرمانا وتنقلنا بين عدد من البيوت.. وكان لنقل يكلفنا فقط عقد ايجار بيننا وبين مالك البيت مصدق من البلدية فحسب".
وأضاف، "لكن بعد عام 2015 تعقدت أمور الاستئجار كثيراً إذ يحتاج المستأجر أن يعلم البلدية عن جميع القاطنين معه في البيت، وأن يذكر من أين أتى وماذا يعمل هو وكل فرد من أفراد أسرته بالتفصيل".
ويتابع أبو محمد، "كل هذه المعلومات ترسل إلى اللجنة الرباعية الأمنية المسؤولة عن المنطقة، وهي عبارة عن أربعة من صف الضباط تابعين لفروع الأمن العسكري والسياسي والأمن الجوي وأمن الدولة".
وبعد نحو شهر على إرسال المعلومات إلى اللجنة الأمنية يأتي الرد الذي يكون في الغالب بالموافقة، ومن ثم يتم استكمال تثبيت عقد الآجار، كما أكد أبو محمد.
(سيدة تسكن مع عائلتها في منزل على الهيكل دون كسوة - ريف دمشق)
الأمن قسّم دمشق إلى قطاعات وكلَّف لجنة من كل قطاع برفع تقرير شهري!
يقول أحد موظفي المحافظة في دمشق (فضل عدم الكشف عن اسمه) لمراسل روزنة في دمشق كرم منصور، "في 2015 تم تقسيم أحياء دمشق وضواحيها إلى أقسام لكل منها لجنة محلية من أهالي الحي تقوم بالاجتماع ورفع تقرير شهري بأسماء المستأجرين داخل الحي ورصد أي تصرف مشبوه".
ولم تقف الإجراءات الأمنية المشددة عند المستأجرين بل أيضاً شملت المؤجرين أي أصحاب الأملاك، إذ بات يُطلب من المؤجر أن يحضر أوراق ووثائق بينها القيد العقاري وآخر فواتير الماء والكهرباء حين تثبيت عقد إيجار.
ومن الشروط التي فرضها الأمن على المستأجرين في دمشق وضواحيها منع إشغال اي شقة دون وجود عقد للإيجار، وعدم استقبال أحد في المسكن المؤجَّر (عدا عن المسجلة أسماؤهم في العقد) دون وجود إخبار اللجنة الأمنية في الحي بذلك.
عقد الإيجار.. لا حركة دونه ولا حتى مساعدات إغاثية!
تتابع نجوى "لا يمكننا التحرك في المدينة دون عقد الإيجار الذي نقوم بتجديده كل 6 أشهر"، موضحةً أن "الحواجز العسكرية المنتشرة في المدينة تطلب دوماً إبراز عقد الإيجار حين المرور عليها".
ورصدت روزنة آلية توزيع المساعدات من الهلال الأحمر والجمعيات الخيرية على النازحين في دمشق، وتبين أن هناك تعميم يقضي بمنع تسليم مساعدات لأي من النازحين إلى المدينة دون إبراز عقد إيجار يحمل موافقة أمنية.

(عائلة نازحة في منزل على الهيكل - ريف دمشق)
العثور على منزل للإيجار كالعثور على إبرة في كومة قش!
يقول سالم لـ روزنة، إن العثور على الإبرة في كومة من القش ربما يكون أسهل من العثور على منزل للإيجار في دمشق هذه الأيام.
وعن بدلات الإيجار في دمشق هذه الأيام، يوضح سالم، أن آجار الشقق يتراوح بين 85 ألف وتصل إلى 220 ألف شهرياً، حسب المنطقة وحجم المنزل وموقعه.
وتقسم أحياء دمشق إلى درجات من حيث بدلات الإيجار، حي المالكي وأبو رمانة، تعتبر درجة أولى، وتأتي المزة فيلات شرقية وغربية بالمرتبة الثانية، في حين يأتي حي التجارة وشارع بغداد واتستراد العدوي في المرتبة الثالثة.
عمولة المكتب بقيمة آجار شهر واحد والتأمين يختلف بحسب المنزل
وعن عمولة المكتب العقاري، يشير سالم إلى أن على المستأجر دفع عمولة للمكتب تكون بمقدار آجار شهر واحد أو شهر ونصف، كذلك على المستأجر دفع تأمين بحسب المنزل.
يجمع المواطنون الذين التقتهم روزنة بدمشق على أن ارتفاع بدلات الإيجار تعود إلى كثرة الوافدين من المناطق التي تعرضت للقصف، فضلاً عن انخفاض قيمة الليرة السورية، وارتفاع الأسعار بشكل عام، وسط غياب الرقابة وغض النظر من قبل أجهزة النظام المعنية.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل روزنة في دمشق كرم منصور.