الغوطة الشرقية.. صور من الأقبية وغرف الجراحة

الغوطة الشرقية.. صور من الأقبية وغرف الجراحة
التقارير | 01 مارس 2018
يصوَّر أهالي الغوطة الشرقية المحاصرة جزءاً يسيراً من معاناتاهم بسطور على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال أوقات التقاط الأنفاس وسط قصف الطائرات والمدافع، وهم في أقبية تحت الأرض ينتظرون مصيراً مجهولاً.

وكتبت الناشطة الإعلامية ورد مارديني، على صفحتها في (فيسبوك) من داخل أحد الاقبية في الغوطة الشرقية:

أشياء كثيرة كنت أظن أنني لا أستطيع العيش من دونها.. أو تحمُّلها..

لكنني فعلتها.. نعم فعلتها.. وتأقلمت على وضعي الجديد..

اعتدت دائماً أن أنام في غرفتي الخاصة، على وسادتي الخاصة وأتغطى بغطائي الخاص المعطر برائحة الورود..

حالياً أنا أنام مع خمس عائلات في غرفة واحدة، وسائدنا وأغطيتنا مشتركة، تملؤها رائحة الغبار ونثرات من الزجاج.

فنجان قهوتي الصباحي مع بضع قطع من الحلوى تحول لرغيف من الشعير، مدهون بالقليل من اللبن أو الجبن.

لم أكن أتخيل يوماً أن أنام وأستيقظ بنفس الملابس، لكنني اضطررت لفعل ذلك، وبقيت بملابسي أسبوعاً كاملاً، لم أستطع تغييرهم لأن القصف لم يتوقف.

كنت دائماً أحذر الناس من استخدام مياه البئر للشرب، فأغلب الفحوصات أثبتت أنها غير صالحة للشرب، لكنني مضطرة لشربها الآن، مع انقطاع المياه بشكل كامل، وصعوبة التنقل في الطرقات.

أنا فخورة بنفسي لأنني استطعت التأقلم على وضعي الجديد..

لا أنكر أنه وضع صعب جداً، لكنني على يقين أن الله سيرزقنا فرحاً بقدر الألم الذي نتألمه كل يوم.

شكراً يا الله لأنك معنا

ويحاصر جيش النظام السوري نحو 400 ألف مدني في الغوطة الشرقية منذ نحو 5 أعوام، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية الكافية إليها، في حين بدا قبل نحو أسبوعين بحملة قصف على بلدات الغوطة في محاولة لاقتحامها.

الناشطة نيفين هاتوري، من الغوطة الشرقية، تنقل للعالم عبر صفحتها في (فيسبوك) يومياتها مع الحصار والقصف المكثف، وقالت أمس الأربعاء:

اليوم اضطريت حول الطاولات ببيتي لخشب حتى نشغل الصوبيا ونطبخ..

يعني عم احرق أثاث بيتي..

الطاولة بتتعوض.. وكل شي بيتعوض..

بس كرامة وضمير ومصداقية يلي خذلونا بحياتها ما رح تتعوض..

عيشوا بهل نعيم..

معلومة مفيدة للناس يلي لسا ما بتعرف: النظام من خمس سنين محاصر الغوطة وما بيسمح للوقود وغيره يفوت عالغوطة.. لذلك نحنا بنتدفا وبنطبخ على الحطب.. وحاليا بحكم وجودنا بالأقبية وما في محلات فاتحة.. لانها حتكون هدف للنظام اذا فتحت..

كل هل شي ادى لعدم توفر الاكل والشرب والحطب..

اليوم العاشر بالقبو

#الغوطة

الطبيب الجراح حسام عدنان، هو أيضاً محاصر في الغوطة الشرقية، وينقل للعالم عبر صفحته في (فيسبوك) آلام الجرحى ويومياته مع المصابين، ويكتب هذه القصة عن سيدة حامل في شهرها السادس واسمها مرام:

مرام

شابة في الثامنة عشرة من عمرها

لم يمض على زواجها بضعة أشهر ما زالت عروسا تحلم في كل يوم بطفلها الذي لم يكمل شهره السادس في احشائها

مرام أغمضت عينيها منذ يومين تحلم بتلك اللحظة التي تحمل جنينها بين ذراعيها.. تضمه، تشمه، تقبله، تلاعبه.

واستسلمت لنوم عميق ما علمت منال ان هناك في البعيد يجتمع ملوك العالم وقادته ليسمحوا لأكبر مجازر القرن الحادي والعشرين بالاستمرار وليعلنوا أن إنسانيتهم مجرد شعارات رنانة يسمعونها لأطفالهم قبل نومهم فقط.

استيقظت منال على طاولة العمليات وقد غرقت بدمائها واخترقت شظية ذلك البرميل الاسود جدار صدرها لتصيبها بنزف صاعق شديد.

كان القرار بإجراء جراحة لصدرها عاجلة قبل أن نخسرها وأخبرنا من أحضرها انها حامل بشهرها السادس.

وحيث أن الغوطة لا تمتلك ذلك الاختصاص النادر توجب علينا أن نجري لها تلك الجراحة حسب خبرتنا المتوافرة وبقايا الخيوط الجراحية التي أصبحت نادرة بغوطتنا ندرة قلوب البشر الصادقة في عالمنا.

أجرينا جراحتنا على عجل وطلبنا الكثير من المتبرعين بالدماء وبسبب شدة القصف المرعب لم يتوافد الكثير فجميع الطرقات مهدمة والطيران يستهدف كل حي متحرك.

قرر الكادر الطبي التبرع بدماء من وافقت زمرته فصيلة دمها وبعد ساعات طويلة استطعنا بفضل من الله انقاذ حياتها

لكن قصتنا لم تنته بل بدأت لتوها!!!

اثناء جولتي المسائية اقتربت من مريضتنا لأطمئن على جراحها وجنينها وكلي أمل اننا أنقذنا كلا روحيهما.

أحضرت الإيكو ووجدت جنينها يتحرك بشدة وخفة وكأنه يستحث خطاه ليخرج الى عالمنا.
 
أتوقع أنه لا يعرف ان ضيق رحم أمه خير ألف مرة من قذارة عالمنا المتعامي عن هذا الاجرام.

كانت منال لتوها تصحو من غيبوبتها بل من ساعة نومها على وسادتها لتبصر حولها الكثير من الوجوه الغريبة تلبس البياض المغشى بقطرات دمها ولتبصر الكثير من المفجرات تخرج من صدرها.

كان ارتكاسها الأول أمامنا أن وضعت يدها على بطنها تتحسس حركات جنينها المنتظر

ورغم ألمها الشديد سألتني: طمني هل هو حي.. أجبتها مبتسما نعم.. لم تسعها رغم جراحها الفرحة وصاحت لله الحمد نجونا معا.. حاولت النهوض فلم تستطع...

ظننتها متألمة، طلبت منها التريث قليلاً لكنها صعقتنا جميعاً.. أنا لا أشعر بنصفي السفلي كاملاً وأعجز تماماً عن تحريكه.

تجمد الدم في عروقي، وحاولت استدراك كلماتها مرة أخرى .. جربي معنا قليلاً تحريك ساقك أو حتى إصبع قدمك.. لم تفلح!!

طبقت تنبيهاً ألميا على ساقها لم تشعر بشيء.

منال مشلولة!!!!!!!

يا ربي...  ماذا أخبرها؟.. كيف أهدئ من روعها؟

كيف سأطفئ فرحتها بنجاتها وطفلها لأخبرها بعجزها الآن

في منطقتي لا يوجد جهاز تصوير طبقي لأستطيع تأكيد سبب الإصابة ومدى شدتها، لكن الأعراض والفحص أكد إصابتها بشلل تام.. في هذه اللحظة دار في ذهني الكثير..

أحلامها الوردية.... طفلها الذي تنتظره.... ساعة ولادتها... من سيحمل ذلك الطفل..؟ من سيلبسه ثيابه ويغير حفاضه...؟.

أصيبت منال بالشلل لأن كل قادة العالم ومجلس أممه المتحدة مشلولون، نعم كلهم أصابهم شلل في إنسانيتهم وأخلاقهم، كلهم شلت أبصارهم عما يجري على أرض غوطتنا.

ولم يلتزم النظام السوري بعد بقرار أصدره مجلس الأمن يوم السبت الماضي، بشأن فرض وقف لإطلاق النار في الغوطة لمدة 30 يوماً، كما لم يلتزم بهدنه خمس ساعات يوميا دعت لها روسيا، ويواصل قصف بلدات الغوطة بشكل مكثف.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق