لم يستثن ملف تبييض الأموال الذي أطلق عليه "المغسلة الروسية" السوق العربية و تكشف الوثائق التي تمكنّا من الحصول عليها أسماء عشرات الشركات المسجلة بالإمارات العربية المتحدة كانت قد تعاطت مع الطلبات التي أطلقتها شركات وشخصيات روسية في إطار هذه العملية. و يُورد هذا التحقيق أسماء بعض الشركات الإماراتية التي تلقّت تحويلات بنكية مشبوهة من طرف زبائنها الروس المتورطين في القضية.
استفاد رجال أعمال و مسيّرو شركات مقيمون بالإمارات العربية المتحدة من تحويلات بنكية في إطار عملية ضخمة لتبييض أموال قذرة مصدرها روسيا. و استعمل هؤلاء شركات بريطانية نائمة (Shelf Companies)، أي شركات لم تقم بأي عمليات تجارية أو بأي تغيير في سجلها التجاري منذ سنوات، وكذلك شركات غير مقيمة (Offshore) مسجلة في ملاذات ضريبية عديدة، كغطاء لتلك العمليات. وتبين من خلال متابعتنا للشركات الإماراتية التي وردت أسمائها، كمتلق للأموال ومتورّطة ولو عن غير قصد، أن ذلك كان عبر عمليات شراء وهمية في أغلب الأحيان الهدف من ورائها هو غسل تلك الأموال القذرة وشرعنتها بإدخالها إلى المنظومة التجارية الدولية.
وقد كان تحقيقنا جزءاً من مشاركة عربية في تحقيق دولي شارك فيه أكثر من ثلاثين صحفياً حول العالم تتبعوا تلقي أكثر من خمسة آلاف شركة تحويلات مالية من الشركات والبنوك الروسية المتورطة في ما بات يعرف "المغسلة الروسية" بقيادة مشروع التحقيقات في الجريمة المنظمة والفساد OCCRP.
الوثائق التي حصلنا عليها عبر شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) ومن مصدرها في OCCRP وصحيفة "نوفا غازيتا" الروسية، كشفت شبهات حول عدد من الشركات الإماراتية التي ساهمنا بالتحقيق فيها.
شبهات
تشير الوثائق التي بحوزتنا أن عبد الناصر قنيل عبد الله كونهي المدير العام في شركة "آك ديزاينو" (Ak Designo) الإماراتية المختصة في التصميم والديكور، كان قد استفاد من مبلغ 20,000 دولار أمريكي حوّل من حساب موطّن ببنك تراستا كوميرك بانكا (TRASTA KOMERCBANKA) بلاتفيا إلى حساب في دبي لغرض دفع فاتورة مواد نسيجية. و تبيّن الوثائق أن هذه العمليات سجّلت باسم شركة "كيداسيا ليميتد" (Kedassia Limited) الموطّنة بلندن. هذه الأخيرة حولت 19,000 دولار أخرى لدفع فاتورة أمتعة لفائدة شركة اسمها "الخيّام إكسيبيتيون ذ م م" (AL KHAYAM EXHIBITION L.L.C).
الغريب في الأمر أن "كيداسيا ليميتد" التي أسّست عام 1995 لم تقم بأي حركة في سجلّها التجاري منذ سنة 2005 وتؤكد التّصاريح التي يودعها القائمون عليها لدى مصالح الضرائب في بريطانيا بأنها شركة نائمة. إذ لم يطرأ أي تغيير على رقم أعمالها المصرح به منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا وتشير أوراقها أن ممتلكاتها تقدر ب 16,000 جنيه إسترليني، رقم بقي مجمداً من 2005 إلى غاية 2016. و لم تشر أوراق الشركة إلى أي عملية اقتصادية قامت بها الشركة رغم أن التحويلات البنكية المسجلة باسمها في البنك المولدافي، المقدرة ب 39,000 دولار أمريكي والتي استفاد منها كونهي، كانت في شهر أكتوبر 2013. و استعملت هذه الشركة، التي لا يمت لها عبد الناصر قنيل عبد الله كونهي بصلة، كغطاء لهذه التحويلات التي لم يُصرّح بها لدى مصالح الضرائب ببريطانيا.
وإذ لا يوجد تعريف موحّد للشركات النائمة التي يقدّر القضاء البلجيكي الذي قدم تعريفاً أوروبياً أنها الشركات التي لم تودع حساباتها لدى مصالح السجل التجاري لثلاث سنوات متتالية دون أن يتم شطبها، فإن المتعارف عليه في أوساط المال والأعمال في إنجلترا أن هذه الشركات هي هياكل فارغة ليس لها نشاط محدد يكتريها المتعاملون الاقتصاديون عن مكاتب المحاماة و وكالات الاستشارة من أجل القيام بعمليات مالية وهي غير مكلفة. تماماً كالشركات غير المقيمة التي تؤسس في الملاذات الضريبية. وإن كان امتلاك الشركات النائمة لا يشكل تجاوزا في حد ذاته للقوانين المعمول بها في أغلب بلدان العالم، يعدّ استعمالها مشبوها فغالباً ما تستعمل لأغراض إجرامية. و "كيداسيا ليميتد"، مثلا، استعملت كغطاء لتحويلات مشبوهة كما تثبت التحقيقات القضائية في لاتفيا التي اعتبرتها متورطة في المغسلة الروسية.
في نفس السياق، تمت تحويلات أخرى لصالح متعاملين آخرين إماراتيين. فقد غذيت حسابات شركة " الخط الفيزي للتجارة" (AL KHAT AL FIZI TRADING L.L.C)، التي تقدّم نفسها كمسوّق للملابس بمبالغ أهم من تلك التي استفاد منها عبد الناصر قنيل عبد الله كونهي. رسميا، بدأت هذه الشركة المسجلة بإمارة دبي نشاطها في سنة 2014 وحققت رقم أعمال قدره 80 مليون دولار في عامها الأول. استفادت شركة "الخط الفيزي للتجارة" خلال الفترة الممتدة من يوليو 2012 إلى نوفمبر 2013 من 10 تحويلات بنكية بمبلغ إجمالي قدره 1.96 مليون دولار برّرها الشاري المفترض المتمثل في شركة بريطانية أخرى ثبت تورطها واسمها "سيبون ليميتد" Seabon Limited)، كذلك على أنها عمليات تتعلق بصفقات مواد بناء. كما استفادت من 4تحويلات بنكية بمبلغ إجمالي قدره 759000 دولار برّرها الشاري المفترض المتمثل في شركة بريطانية أخرى ثبت تورطها واسمها لشركة " دينيسون ليميتد" (Denison Limited) كذلك على أنها عمليات تتعلق بصفقات مواد بناء . و استفادت من 4 تحويلات أخرى بمبلغ إجمالي قدره 545000 دولار أمريكي 535000- دولار منها من أجل مواد التعبئة والتغليف و 110000دولار أمريكي من أجل معدّات صناعية- ، باسم شركة " كريستالورد ليميتد" (Crystalord Limited) ، وهي شركة بريطانية متورطة في المغسلة هي الأخرى. التحويلات لفائدة شركة " الخط الفيزي للتجارة" 3.26) مليون دولار) صبّت في حساب موطّن في الفرع السويسري لبنك حبيب الإماراتي بزوريخ. كل العمليات تمت بين مولدوفا، عن طريق بنكي تراستا كوميرك بانكا و مولديندكونبانك BC MOLDINDCONBANK S.A))، و سويسرا. و ما يعزز الشبهات حول هذه المعاملات التجارية المفترضة و التحويلات البنكية هو أن شركة " الخط الفيزي للتجارة" تختص في النسيج، في حين أنها فوترت مواد بناء ومعدات صناعية في إطار صفقاتها مع "سيبون ليميتد"و "كريستالورد ليميتد" المسجلتين ببريطانيا، فنشاطها لا يخول لها تسويق مثل تلك السلع.
مراحل
كذلك فوترت شركة " الدابت إلكترونيكس ل.ل.س" (AL DABET ELECTRONICS LLC ) بإمارة دبي معدّات إلكترونية لشركة " دينيسون ليميتد" (Denison Limited) المتورطة في القضية والمسجلة بجزر البهاماس وورد اسمها في أكبر ملفات التهرب الضريبي المعروفة بإسم " أوراق بنما" والتي يسيرها مكتب الخدمات البريطاني " ليغال كونسيلتينغ سرفيسس ليميتد" (LEGAL CONSULTING SERVICES LIMITED)، بقيمة 2.26 مليون دولار أمريكي. و حول المبلغ على خمس مراحل من بنك مولديندكونبانك المولدافي إلى إلى حساب شركة "الدابت إلكترونيكس ل.ل.س" الموطّن في الفرع السويسري لبنك حبيب الإماراتي بزوريخ، و هذا ما بين تشرين أول/ أكتوبر2013 و شباط/فيفري 2014.
ما يجب توضيحه هنا هو أن غالبية العمليات التجارية المذكورة وهمية، فقد تمت فوترة الخدمات المذكورة لصالح الشركات الإماراتية باسم شركات نائمة و دُفع لها مقابل خدمات لم تُقدّم أصلا، إذ استُعملت فقط كقناة لضخ الأموال في النظام البنكي.
فالشركات "سيبون ليميتد"، "كريستالورد ليميتد" و"دينيسون ليميتد" هي شركات وهمية استعملت من أجل تبييض أموال فاسدة مصدرها روسي كما تثبت التحقيقات القضائية في لاتفيا التي اعتبرتها متورطة في المغسلة الروسية تماما مثل "كيداسيا ليميتد" التي لها نفس وضعيتهما القانونية والاقتصادية. و ما عزز الشبهات بهذه الشركات هو أن بعضها قبض المال من الشركات المدانة مقابل سلع معينة، فيما لا يخولها نشاطها تسويق مثل تلك السلع.
كذلك الحال بالنسبة لشركة أخرى في دبي تسمى "أبو سنبل جينيرال ترايدينغ" (ABU SUMBOL GENERAL TRADING)، التي تنشط في مجال المواد البلاستيكية و بررت التحويل البنكي الذي تلقته من طرف "سيبون ليميتد" بتسديدها لفاتورة كمبيوترات. حوّل مبلغ هذه الفاتورة و المقدّر ب 1.3 مليون أورو من "مولديندكونبانك" إلى حساب " أبو سنبل جينيرال ترايدينغ" بالبنك العربي للاستثمار و التجارة الخارجية بتاريخ 13 مارس 2013. و في صفقة أخرى دفعت "سيبون ليميتد" مبلغ 500000 دولار أمريكي لشركة "عادل الحسين جينيرال ترايدينغ كوربوريشن ل.ل.س" (ADEL AL HUSSAIN GEN TRADING)، المسجلة بدبي من أجل شراء مواد بناء. التحويل جاء من نفس البنك :"مولديندكونبانك" و لا تشير الوثائق إلى تاريخ إجرائه.
و عن تعامل رجال الأعمال الروس مع شركات إماراتية، يقول المختص في الشؤون المالية و المصرفي السابق سامي أوصديق: " عموما، يكون التستر على هوية المتعاملين أحسن تنظيما في دبي ودول الخليج كما لو أنها تضمن الحصانة للأموال وهو الشيء الذي ترسخ في ذهن الكثيرين من أصحاب الأموال بعد الدور الذي لعبته الإمارة خلال تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء الذي فُرض على العراق و كذلك فيما يخص بعض المعاملات مع إيران تحت الحصار كما يُكشف عنه من وقت لآخر. أمّا ما يتعلّق بحالة غسيل الأموال الروسية، وبما أن بريطانيا تأوي غالبية الأوليغارشيين الروس و توفر الحماية لهم و لأموالهم فمن الطبيعي أن يتداولوها عبر القنوات التقليدية للبريطانيين والتي تمثل إمارة دبي إحداها. وإن أصبحت هاته الإمارة أكثر عمليّة و حياديّة باستقطابها لرؤوس الأموال من كل العالم والدليل أن دبي باتت كمثيلاتها من دول الخليج خلال العقود الأخيرة محطة كبيرة على الطريق الجديدة للحرير بفعل نمو المبادلات التجارية بين أوروبا وإفريقيا من جهة و دول آسيا من جهة أخرى".
تواصل
استفاد رجال أعمال و مسيّرو شركات مقيمون بالإمارات العربية المتحدة من تحويلات بنكية في إطار عملية ضخمة لتبييض أموال قذرة مصدرها روسيا. و استعمل هؤلاء شركات بريطانية نائمة (Shelf Companies)، أي شركات لم تقم بأي عمليات تجارية أو بأي تغيير في سجلها التجاري منذ سنوات، وكذلك شركات غير مقيمة (Offshore) مسجلة في ملاذات ضريبية عديدة، كغطاء لتلك العمليات. وتبين من خلال متابعتنا للشركات الإماراتية التي وردت أسمائها، كمتلق للأموال ومتورّطة ولو عن غير قصد، أن ذلك كان عبر عمليات شراء وهمية في أغلب الأحيان الهدف من ورائها هو غسل تلك الأموال القذرة وشرعنتها بإدخالها إلى المنظومة التجارية الدولية.
وقد كان تحقيقنا جزءاً من مشاركة عربية في تحقيق دولي شارك فيه أكثر من ثلاثين صحفياً حول العالم تتبعوا تلقي أكثر من خمسة آلاف شركة تحويلات مالية من الشركات والبنوك الروسية المتورطة في ما بات يعرف "المغسلة الروسية" بقيادة مشروع التحقيقات في الجريمة المنظمة والفساد OCCRP.
الوثائق التي حصلنا عليها عبر شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) ومن مصدرها في OCCRP وصحيفة "نوفا غازيتا" الروسية، كشفت شبهات حول عدد من الشركات الإماراتية التي ساهمنا بالتحقيق فيها.
شبهات
تشير الوثائق التي بحوزتنا أن عبد الناصر قنيل عبد الله كونهي المدير العام في شركة "آك ديزاينو" (Ak Designo) الإماراتية المختصة في التصميم والديكور، كان قد استفاد من مبلغ 20,000 دولار أمريكي حوّل من حساب موطّن ببنك تراستا كوميرك بانكا (TRASTA KOMERCBANKA) بلاتفيا إلى حساب في دبي لغرض دفع فاتورة مواد نسيجية. و تبيّن الوثائق أن هذه العمليات سجّلت باسم شركة "كيداسيا ليميتد" (Kedassia Limited) الموطّنة بلندن. هذه الأخيرة حولت 19,000 دولار أخرى لدفع فاتورة أمتعة لفائدة شركة اسمها "الخيّام إكسيبيتيون ذ م م" (AL KHAYAM EXHIBITION L.L.C).
الغريب في الأمر أن "كيداسيا ليميتد" التي أسّست عام 1995 لم تقم بأي حركة في سجلّها التجاري منذ سنة 2005 وتؤكد التّصاريح التي يودعها القائمون عليها لدى مصالح الضرائب في بريطانيا بأنها شركة نائمة. إذ لم يطرأ أي تغيير على رقم أعمالها المصرح به منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا وتشير أوراقها أن ممتلكاتها تقدر ب 16,000 جنيه إسترليني، رقم بقي مجمداً من 2005 إلى غاية 2016. و لم تشر أوراق الشركة إلى أي عملية اقتصادية قامت بها الشركة رغم أن التحويلات البنكية المسجلة باسمها في البنك المولدافي، المقدرة ب 39,000 دولار أمريكي والتي استفاد منها كونهي، كانت في شهر أكتوبر 2013. و استعملت هذه الشركة، التي لا يمت لها عبد الناصر قنيل عبد الله كونهي بصلة، كغطاء لهذه التحويلات التي لم يُصرّح بها لدى مصالح الضرائب ببريطانيا.
وإذ لا يوجد تعريف موحّد للشركات النائمة التي يقدّر القضاء البلجيكي الذي قدم تعريفاً أوروبياً أنها الشركات التي لم تودع حساباتها لدى مصالح السجل التجاري لثلاث سنوات متتالية دون أن يتم شطبها، فإن المتعارف عليه في أوساط المال والأعمال في إنجلترا أن هذه الشركات هي هياكل فارغة ليس لها نشاط محدد يكتريها المتعاملون الاقتصاديون عن مكاتب المحاماة و وكالات الاستشارة من أجل القيام بعمليات مالية وهي غير مكلفة. تماماً كالشركات غير المقيمة التي تؤسس في الملاذات الضريبية. وإن كان امتلاك الشركات النائمة لا يشكل تجاوزا في حد ذاته للقوانين المعمول بها في أغلب بلدان العالم، يعدّ استعمالها مشبوها فغالباً ما تستعمل لأغراض إجرامية. و "كيداسيا ليميتد"، مثلا، استعملت كغطاء لتحويلات مشبوهة كما تثبت التحقيقات القضائية في لاتفيا التي اعتبرتها متورطة في المغسلة الروسية.
في نفس السياق، تمت تحويلات أخرى لصالح متعاملين آخرين إماراتيين. فقد غذيت حسابات شركة " الخط الفيزي للتجارة" (AL KHAT AL FIZI TRADING L.L.C)، التي تقدّم نفسها كمسوّق للملابس بمبالغ أهم من تلك التي استفاد منها عبد الناصر قنيل عبد الله كونهي. رسميا، بدأت هذه الشركة المسجلة بإمارة دبي نشاطها في سنة 2014 وحققت رقم أعمال قدره 80 مليون دولار في عامها الأول. استفادت شركة "الخط الفيزي للتجارة" خلال الفترة الممتدة من يوليو 2012 إلى نوفمبر 2013 من 10 تحويلات بنكية بمبلغ إجمالي قدره 1.96 مليون دولار برّرها الشاري المفترض المتمثل في شركة بريطانية أخرى ثبت تورطها واسمها "سيبون ليميتد" Seabon Limited)، كذلك على أنها عمليات تتعلق بصفقات مواد بناء. كما استفادت من 4تحويلات بنكية بمبلغ إجمالي قدره 759000 دولار برّرها الشاري المفترض المتمثل في شركة بريطانية أخرى ثبت تورطها واسمها لشركة " دينيسون ليميتد" (Denison Limited) كذلك على أنها عمليات تتعلق بصفقات مواد بناء . و استفادت من 4 تحويلات أخرى بمبلغ إجمالي قدره 545000 دولار أمريكي 535000- دولار منها من أجل مواد التعبئة والتغليف و 110000دولار أمريكي من أجل معدّات صناعية- ، باسم شركة " كريستالورد ليميتد" (Crystalord Limited) ، وهي شركة بريطانية متورطة في المغسلة هي الأخرى. التحويلات لفائدة شركة " الخط الفيزي للتجارة" 3.26) مليون دولار) صبّت في حساب موطّن في الفرع السويسري لبنك حبيب الإماراتي بزوريخ. كل العمليات تمت بين مولدوفا، عن طريق بنكي تراستا كوميرك بانكا و مولديندكونبانك BC MOLDINDCONBANK S.A))، و سويسرا. و ما يعزز الشبهات حول هذه المعاملات التجارية المفترضة و التحويلات البنكية هو أن شركة " الخط الفيزي للتجارة" تختص في النسيج، في حين أنها فوترت مواد بناء ومعدات صناعية في إطار صفقاتها مع "سيبون ليميتد"و "كريستالورد ليميتد" المسجلتين ببريطانيا، فنشاطها لا يخول لها تسويق مثل تلك السلع.
مراحل
كذلك فوترت شركة " الدابت إلكترونيكس ل.ل.س" (AL DABET ELECTRONICS LLC ) بإمارة دبي معدّات إلكترونية لشركة " دينيسون ليميتد" (Denison Limited) المتورطة في القضية والمسجلة بجزر البهاماس وورد اسمها في أكبر ملفات التهرب الضريبي المعروفة بإسم " أوراق بنما" والتي يسيرها مكتب الخدمات البريطاني " ليغال كونسيلتينغ سرفيسس ليميتد" (LEGAL CONSULTING SERVICES LIMITED)، بقيمة 2.26 مليون دولار أمريكي. و حول المبلغ على خمس مراحل من بنك مولديندكونبانك المولدافي إلى إلى حساب شركة "الدابت إلكترونيكس ل.ل.س" الموطّن في الفرع السويسري لبنك حبيب الإماراتي بزوريخ، و هذا ما بين تشرين أول/ أكتوبر2013 و شباط/فيفري 2014.
ما يجب توضيحه هنا هو أن غالبية العمليات التجارية المذكورة وهمية، فقد تمت فوترة الخدمات المذكورة لصالح الشركات الإماراتية باسم شركات نائمة و دُفع لها مقابل خدمات لم تُقدّم أصلا، إذ استُعملت فقط كقناة لضخ الأموال في النظام البنكي.
فالشركات "سيبون ليميتد"، "كريستالورد ليميتد" و"دينيسون ليميتد" هي شركات وهمية استعملت من أجل تبييض أموال فاسدة مصدرها روسي كما تثبت التحقيقات القضائية في لاتفيا التي اعتبرتها متورطة في المغسلة الروسية تماما مثل "كيداسيا ليميتد" التي لها نفس وضعيتهما القانونية والاقتصادية. و ما عزز الشبهات بهذه الشركات هو أن بعضها قبض المال من الشركات المدانة مقابل سلع معينة، فيما لا يخولها نشاطها تسويق مثل تلك السلع.
كذلك الحال بالنسبة لشركة أخرى في دبي تسمى "أبو سنبل جينيرال ترايدينغ" (ABU SUMBOL GENERAL TRADING)، التي تنشط في مجال المواد البلاستيكية و بررت التحويل البنكي الذي تلقته من طرف "سيبون ليميتد" بتسديدها لفاتورة كمبيوترات. حوّل مبلغ هذه الفاتورة و المقدّر ب 1.3 مليون أورو من "مولديندكونبانك" إلى حساب " أبو سنبل جينيرال ترايدينغ" بالبنك العربي للاستثمار و التجارة الخارجية بتاريخ 13 مارس 2013. و في صفقة أخرى دفعت "سيبون ليميتد" مبلغ 500000 دولار أمريكي لشركة "عادل الحسين جينيرال ترايدينغ كوربوريشن ل.ل.س" (ADEL AL HUSSAIN GEN TRADING)، المسجلة بدبي من أجل شراء مواد بناء. التحويل جاء من نفس البنك :"مولديندكونبانك" و لا تشير الوثائق إلى تاريخ إجرائه.
و عن تعامل رجال الأعمال الروس مع شركات إماراتية، يقول المختص في الشؤون المالية و المصرفي السابق سامي أوصديق: " عموما، يكون التستر على هوية المتعاملين أحسن تنظيما في دبي ودول الخليج كما لو أنها تضمن الحصانة للأموال وهو الشيء الذي ترسخ في ذهن الكثيرين من أصحاب الأموال بعد الدور الذي لعبته الإمارة خلال تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء الذي فُرض على العراق و كذلك فيما يخص بعض المعاملات مع إيران تحت الحصار كما يُكشف عنه من وقت لآخر. أمّا ما يتعلّق بحالة غسيل الأموال الروسية، وبما أن بريطانيا تأوي غالبية الأوليغارشيين الروس و توفر الحماية لهم و لأموالهم فمن الطبيعي أن يتداولوها عبر القنوات التقليدية للبريطانيين والتي تمثل إمارة دبي إحداها. وإن أصبحت هاته الإمارة أكثر عمليّة و حياديّة باستقطابها لرؤوس الأموال من كل العالم والدليل أن دبي باتت كمثيلاتها من دول الخليج خلال العقود الأخيرة محطة كبيرة على الطريق الجديدة للحرير بفعل نمو المبادلات التجارية بين أوروبا وإفريقيا من جهة و دول آسيا من جهة أخرى".
تواصل
لدى محاولتنا التواصل مع هذه الشركات في سبيل معرفة إن كانت على علم بمصدر الأموال و كيفية تعاملها مع الشارين المزعومين بعد أن علمت بتورطها، لم يستجب المعنيون لطلباتنا المتعددة و الملحَة عبر الايميل والاتصالات الهاتفية. لم يرد عبد الناصر قنيل عبد الله كونهي المدير العام في " آك ديزاينو" الإماراتية الذي راسلناه عبر البريد الإلكتروني للشركة كما أن محاولاتنا لربط اتصال هاتفي معه لم تتعد موظفة الموزع الهاتفي للشركة التي كانت تعد في كل مرة أن تخبره بطلبنا. كما لم ترد البنوك التي تورط زبائنها في هذه المغسلة العالمية، بنك حبيب والمصرف العربي للاستثمار والتجارة الخارجية، عن مراسلاتنا حول هذه القضية و الإجراءات التي اعتمدتها للحد من تصرفات مثل هؤلاء الزبائن ومن المعاملات المشبوهة.
لم يرد البنك المركزي الإماراتي على تساؤلاتنا فيما يتعلق بالتعامل مع السيول المالية القذرة أو مجهولة المصدر والتي بعثنا بها في رسالة إلكترونية يوم 23 أكتوبر الماضي. في هذا السياق يجدر التنويه إلى أن دبي مركز تجاري معروف بتغاضيه عن مصادر أموال المتعاملين الاقتصاديين المرتادين له. " تجعل دبي اليوم الأغنياء يحلمون، خاصة أغنياء البلدان الناشئة و التي هي في بعض الأحيان غير مستقرة سياسيا و تُتقاسم فيها ثمار النمو بشكل غير عادل. فهؤلاء الأغنياء يُراكمون ثرواتهم في أماكن يكثر فيها البؤس و يبحثون عن مأوى لها كما يبحثون عن أماكن لهم للاسترخاء و الراحة و المتعة كما يتطلّعون إلى القيام بأعمال تجارية. دبي توفر ذلك لهم بل و أكثر من ذلك فهي تروي عطشهم للتشبع بثقافة جانبية معولمة. فدبي ركبت موجة العولمة الاقتصادية مثلها مثل أماكن أخرى و إن كانت تتقدم بحذر خوف أن تعصف بها إحدى هزات النظام المالي. فهي تستقبل الأموال دون أن تبحث من أين هي آتية أو أن تطرح أسئلة عن اليد التي توزعها أو عن الهدف من توزيع تلك الأموال" كما يقول مارك لافرجن عالم الجغرافيا والمدير السابق لمركز الأبحاث الاقتصادية و القانونية و الاجتماعية بالقاهرة (سيدج) في مقال نشرته سنة 2009 مجلة هيرودوت المتخصصة في القضايا الجيو سياسية و التي تصدر عن دار النشر الفرنسية La Découverte.
و قال مصدر مسؤول في أحد البنوك الإماراتية تحفظ عن ذكر اسمه أن القوانين التي تضبط العمليات المالية في الإمارات العربية المتحدة تتطور باستمرار ويتم تحديث النصوص القانونية، وفقا لتطور معايير الرقابة على التحويلات المالية للنظام المالي العالمي لكنه لم يكن قادرا على الخوض في مسألة "المغسلة الروسية" و التي هي موضوع تحقيقنا.
وقد أدى النمو الهائل في الأسواق المالية الدولية بفضل تطور تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، إلى تحقيق تغيير عميق ودائم الاضطرابات. وفي هذا السياق، الذي يتسم بالعولمة وبسرعة التجارة، فإن الخدمات التي تقدمها المؤسسات المصرفية العديدة الموجودة في الجنّات الضريبية و المراكز المالية غير المقيمة كدبي هي محل اهتمام خاص من طرف غاسلي الأموال كما كشفت عنه كثير من الفضائح المالية مؤخرا كأوراق بنما ووثائق بارادايز. فهذه الملاذات تجذب العاملين على تبييض الأموال بسبب بساطة القواعد المطبقة فيها لإنشاء وإدارة الشركات. ونتيجة لذلك، توجد عدة ملايين من الشركات في بضع عشرات من الملاذات المالية يمكن وصف الغالبية العظمى منها بأنها " شركات وهمية" وهي كيانات يُقصد من وجودها إخفاء هوية من يمتلكونها أو يسيطرون عليها.
و يضيف مارك لافرجن، ف " دبي منذ البداية مدينة مخصصة للأعمال التجارية. فالنفط الذي يستخرج من إمارة أبوظبي القريبة غير ظاهر بالرغم من أنه لا يزال أول منبع يسقي نشاط المدينة". و يسترسل شارحاً:" أول ما يجذب الاهتمام بالإمارة هو التجارة بكل أشكالها، من الأشكال القديمة الأكثر تواضعا و تبادل السلع الاستهلاكية بواسطة حمّالات التجار المتنقلين إلى أكثرها تطورا كالسلع غير الملموسة التي يتم تداولها في سوق دبي للأوراق المالية. والمال هو هاجس الجميع، حتى السياح الذين يأتون بالملايين لزيارة الإمارة يقودهم إغراء الكسب ويغلب فيها سحر المبادلات المعفاة من الضرائب سحر البحر والكثبان الرملية و المتنزهات التي تستغل كديكور وحوافز للإنفاق".
كما يعقب سامي أوصديق قائلا: " لقد تحولت دبي شيئا فشيئا من مركز تجاري إلى ملاذ للأموال، فمن يقول مركزا تجاريا يعني سيولا من الأموال. وهذا ليس فقط نتيجة لتدني مستويات الضرائب في منطقتها الحرة وإنما إذا أخذنا مثال الأموال القذرة الأتية من روسيا فنحن نتكلم عن عملية نصب و احتيال استعملت فيها فواتير مزورة ليس من دور البنوك التدقيق فيها. ونتيجة هذه الحركية الاقتصادية في دبي و سهولة وبساطة المعاملات التجارية و المالية فيها، أُعيد رسم قنوات تداول الأموال التي كانت فيما مضى تمر في الشرق الأوسط عبر بيروت. لم يعد لهذه الأخيرة و التي كانت تلقّب بسويسرا الشرق الأوسط نفس المكانة و كثير من البنوك اللبنانية و العالمية استثمرت في فتح بنوك لها في دبي".
و لهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل من الممكن أن شروط المكافحة الفعالة ضد غسل الأموال في ظل طموح إمارة دبي ان تجعل من نفسها قطبا تجاريا و ماليا عالميا؟ و هل تملك دبي الوسائل التقنية و القانونية لمحارية تبييض الأموال؟ هنا نرجع إلى محدودية المعايير الدولية المعتمدة من طرف النظام المالي في حد ذاتها. و هي قضايا مطروحة للنقاش منذ سنوات عديدة و تُؤرق حتى المصرفيين أنفسهم. إذ من النادر أن يحذو مصرفي حذو الفرنسي هيرفي دي كارموا بقوله في كتاب عنوانه "البنك في القرن الحادي والعشرين" كان قد نشرته دار أوديل جاكوب:" جميع من يشاركون في غسيل الأموال هم مجرمون مثلهم مثل مهربي الأموال و تجار المخدرات. لا يمكن أن نعتبر هؤلاء من المافيا و في المقابل نقول عن المصرفيين وسماسرة الأوراق المالية ضحايا موافقون. العذر الذي من شأنه الاعتقاد بأن هذه المبالغ قد دُمجت منذ فترة طويلة في الدوائر المالية العالمية، وبالتالي تلاشى أصلها، غير مقبول".
مغسلة عالمية
تجدر الإشارة بهذا الشأن أن هذه الشركات الإماراتية هي جزء من عشرات الشركات التي استعملت في أكبر عملية تبييض أموال في التاريخ يقدر حجمها بـ 20 مليار دولار أمريكي. بدأ ذلك بملف عملت عليه (OCCRP) بالتعاون مع صحيفة " نوفا غازيتا" الروسية ابتداء من سنة 2011 . وبدا الملف للوهلة الأولى محدوداً مقتصراً على شركتين أوف شور مسجلتين في بريطانيا تستفيد منها شخصيتان روسيتان، قادت التحقيقات إلى الكشف عن شركات وهمية عديدة مسجلة في كل من بريطانيا وقبرص ونيوزيلاندا يديرها ظاهريا بروكسيس أي وكلاء يعملون كمدراء في الظاهر وهم في الغالب أشخاص فقراء من أوكرانيا. وحصل ذلك خلال السنة الماضية بفعل تسريب وثائق من أحد المصارف المتورطة في العملية (بنك تراستا كوميرك بانكا "TRASTA KOMERCBANKA" بلاتفيا) التي طالت 732 بنكاً و 5140 شركة من 96 بلداً حول العالم، تعاملات وصل عددها إلى أكثر من 27 ألف عملية تحويل ورّطت شركات معروفة نذكر منها " "اريكسون" (Ericsson) السويدية و"سامسونج " ((Samsun الكورية و" بلاك اند ديكر" ((Black & Decker اليابانية. نذكر من الشركات الوهمية التي تتركب منها هذه " المغسلة" بالإضافة إلى "كيداسيا ليميتد"، "سيبون ليميتد"، "كريستال لورد ليميتد": " قريدين ديفيلوبمينتس ليميتد" (Griden Developments Limited)، " رونيدا انفيست ل.ل.ب" (Ronida Invest LLP)، "ويستبورن اينتيربرايز ليميتد" (Westburn Enterprises Limited)،" كالدون هولدينقز ليميتد" (Caldon Holdings Limited)، " بى آر فيرت سيستيم ليميتد" (PR Vert System Limited) و " كينوفيتكو ليميتد" (Kenovetco LTD). و من البنوك: بنك الإمارات دبي الوطني NBD الذي تمت مواجهته من قبل مجلة أرابيان بزنس في الإمارات، فاعترف بذلك معتبراً نفسه ضحية بسبب عدم معرفته لحيثيات تلك العمليات.
و تم نقل الأموال القذرة من روسيا إلى أوروبا والعالم حسب خطة تقضي بأن تقوم إحدى الشركات الوهمية المتورطة في القضية بمنح قرض يصل في بعض الأحيان إلى عشرات الملايين من الدولارات إلى شركة أخرى ويتم بموجب عقد القرض المبرم بين الطرفين إقرار كفيل من روسيا يتمثل في رجل أعمال أو في إحدى شركات هذا البلد -بعض هؤلاء الكفلاء ينحدرون من لاتفيا-، ثم ترفع دعوى قضائية من قبل الشركة المقرضة (المزيفة) ضد الشركة المقترضة من أجل تحصيل هذا القرض. تم اختيار لاتفيا لرفع الدعاوى نظراً لقربها من روسيا وارتباطها معها باتفاقيات تسمح بمقاضاة شركاتها، إضافة إلي أن لاتفيا هي عضو بالاتحاد الأوروبي وهو ما يسمح بنقل القضية لأوروبا. و لدى حكم القاضي بإلزام الضامن والذي هو شركة روسية بتحويل المبلغ من روسيا لبنك ترستا كوميرك بنكا في لاتفيا، تنتقل الأموال القذرة بطريقة مشروعة إلى النظام البنكي الأوروبي.
أما فيما يخص الشركات موضوع تحقيقنا، فقد وظّفها الروس من أصحاب الأموال القذرة كقناة لضخ تلك الأموال في النظام البنكي باستعمال تقنية الفواتير المزيفة. فقد فوتر أصحاب الأموال خدمات لصالح الشركات الإماراتية المذكورة باسم شركات نائمة و هي خدمات لم تُقدّم أصلا. هي موجودة فقط على الورق من أجل تبرير مصدر تلك الأموال. فشركة " كيداسيا ليميتد"، مثلا، التي لم تُحيّن سجلها التجاري منذ تأسيسها و تُبيّن أوراقها أنها لم تُصرّح بأي معاملة تجارية، دفعت مقابل خدمات وهمية و استعملت الشركات الإماراتية الشريكة في العملية كقناة لضخ الأموال في النظام البنكي.
وبعد سلسلة تحقيقات صحفية عن الموضوع قادتها OCCRP ، فتح تحقيق قضائي في كل من لاتفيا وروسيا حوّل على إثره 14 قاضياً في لاتفيا للتحقيق بتهمة تسهيل نقل الأموال القذرة (مخدرات ورشاوى) من روسيا إلى أوروبا والعالم. لكن برلمان لاتفيا اعترض بداية العام الحالي 2017 عن مواصلة التحقيق بسبب عدم تعاون السلطات الروسية وطردها للمحققين.
وكشفت تلك التحقيقات الصحفية تورط رجال أعمال روس كبار نذكر منهم: أليكسي كربيفين (Alexey Krapivin) وهو من رجال الأعمال المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و كذلك جورجي جينز (Georgy Gens) مالك مجموعة (Lanit Group) ، الموزع الرئيسي لشركة آبل في روسيا. كما تم عبور جزء من هذه الأموال عن طريق شركة (Trident International Corp) التي يمتلكها رجل الأعمال الروسي بافل سمينوفيتش (Pavel Semenovich Flider) ذو الجنسية الأميركية كذلك، والذي ورد اسمه كمتورط عام 2015 في صفقة تهريب أجهزة تكنولوجية محظورة من أميركا إلى روسيا لفائدة شركة تختص بالصناعة العسكرية. و كان البنك العقاري الروسي في قلب الفضيحة و هو مسؤول عن تحويل 9.7 مليار دولار أمريكي إلى مولدوفا بنك، علماً أن البنك العقاري الروسي يديره ايغور بوتين والذي هو ابن خال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تم إعداد هذا التحقيق بدعم وإشراف إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
و قال مصدر مسؤول في أحد البنوك الإماراتية تحفظ عن ذكر اسمه أن القوانين التي تضبط العمليات المالية في الإمارات العربية المتحدة تتطور باستمرار ويتم تحديث النصوص القانونية، وفقا لتطور معايير الرقابة على التحويلات المالية للنظام المالي العالمي لكنه لم يكن قادرا على الخوض في مسألة "المغسلة الروسية" و التي هي موضوع تحقيقنا.
وقد أدى النمو الهائل في الأسواق المالية الدولية بفضل تطور تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، إلى تحقيق تغيير عميق ودائم الاضطرابات. وفي هذا السياق، الذي يتسم بالعولمة وبسرعة التجارة، فإن الخدمات التي تقدمها المؤسسات المصرفية العديدة الموجودة في الجنّات الضريبية و المراكز المالية غير المقيمة كدبي هي محل اهتمام خاص من طرف غاسلي الأموال كما كشفت عنه كثير من الفضائح المالية مؤخرا كأوراق بنما ووثائق بارادايز. فهذه الملاذات تجذب العاملين على تبييض الأموال بسبب بساطة القواعد المطبقة فيها لإنشاء وإدارة الشركات. ونتيجة لذلك، توجد عدة ملايين من الشركات في بضع عشرات من الملاذات المالية يمكن وصف الغالبية العظمى منها بأنها " شركات وهمية" وهي كيانات يُقصد من وجودها إخفاء هوية من يمتلكونها أو يسيطرون عليها.
و يضيف مارك لافرجن، ف " دبي منذ البداية مدينة مخصصة للأعمال التجارية. فالنفط الذي يستخرج من إمارة أبوظبي القريبة غير ظاهر بالرغم من أنه لا يزال أول منبع يسقي نشاط المدينة". و يسترسل شارحاً:" أول ما يجذب الاهتمام بالإمارة هو التجارة بكل أشكالها، من الأشكال القديمة الأكثر تواضعا و تبادل السلع الاستهلاكية بواسطة حمّالات التجار المتنقلين إلى أكثرها تطورا كالسلع غير الملموسة التي يتم تداولها في سوق دبي للأوراق المالية. والمال هو هاجس الجميع، حتى السياح الذين يأتون بالملايين لزيارة الإمارة يقودهم إغراء الكسب ويغلب فيها سحر المبادلات المعفاة من الضرائب سحر البحر والكثبان الرملية و المتنزهات التي تستغل كديكور وحوافز للإنفاق".
كما يعقب سامي أوصديق قائلا: " لقد تحولت دبي شيئا فشيئا من مركز تجاري إلى ملاذ للأموال، فمن يقول مركزا تجاريا يعني سيولا من الأموال. وهذا ليس فقط نتيجة لتدني مستويات الضرائب في منطقتها الحرة وإنما إذا أخذنا مثال الأموال القذرة الأتية من روسيا فنحن نتكلم عن عملية نصب و احتيال استعملت فيها فواتير مزورة ليس من دور البنوك التدقيق فيها. ونتيجة هذه الحركية الاقتصادية في دبي و سهولة وبساطة المعاملات التجارية و المالية فيها، أُعيد رسم قنوات تداول الأموال التي كانت فيما مضى تمر في الشرق الأوسط عبر بيروت. لم يعد لهذه الأخيرة و التي كانت تلقّب بسويسرا الشرق الأوسط نفس المكانة و كثير من البنوك اللبنانية و العالمية استثمرت في فتح بنوك لها في دبي".
و لهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل من الممكن أن شروط المكافحة الفعالة ضد غسل الأموال في ظل طموح إمارة دبي ان تجعل من نفسها قطبا تجاريا و ماليا عالميا؟ و هل تملك دبي الوسائل التقنية و القانونية لمحارية تبييض الأموال؟ هنا نرجع إلى محدودية المعايير الدولية المعتمدة من طرف النظام المالي في حد ذاتها. و هي قضايا مطروحة للنقاش منذ سنوات عديدة و تُؤرق حتى المصرفيين أنفسهم. إذ من النادر أن يحذو مصرفي حذو الفرنسي هيرفي دي كارموا بقوله في كتاب عنوانه "البنك في القرن الحادي والعشرين" كان قد نشرته دار أوديل جاكوب:" جميع من يشاركون في غسيل الأموال هم مجرمون مثلهم مثل مهربي الأموال و تجار المخدرات. لا يمكن أن نعتبر هؤلاء من المافيا و في المقابل نقول عن المصرفيين وسماسرة الأوراق المالية ضحايا موافقون. العذر الذي من شأنه الاعتقاد بأن هذه المبالغ قد دُمجت منذ فترة طويلة في الدوائر المالية العالمية، وبالتالي تلاشى أصلها، غير مقبول".
مغسلة عالمية
تجدر الإشارة بهذا الشأن أن هذه الشركات الإماراتية هي جزء من عشرات الشركات التي استعملت في أكبر عملية تبييض أموال في التاريخ يقدر حجمها بـ 20 مليار دولار أمريكي. بدأ ذلك بملف عملت عليه (OCCRP) بالتعاون مع صحيفة " نوفا غازيتا" الروسية ابتداء من سنة 2011 . وبدا الملف للوهلة الأولى محدوداً مقتصراً على شركتين أوف شور مسجلتين في بريطانيا تستفيد منها شخصيتان روسيتان، قادت التحقيقات إلى الكشف عن شركات وهمية عديدة مسجلة في كل من بريطانيا وقبرص ونيوزيلاندا يديرها ظاهريا بروكسيس أي وكلاء يعملون كمدراء في الظاهر وهم في الغالب أشخاص فقراء من أوكرانيا. وحصل ذلك خلال السنة الماضية بفعل تسريب وثائق من أحد المصارف المتورطة في العملية (بنك تراستا كوميرك بانكا "TRASTA KOMERCBANKA" بلاتفيا) التي طالت 732 بنكاً و 5140 شركة من 96 بلداً حول العالم، تعاملات وصل عددها إلى أكثر من 27 ألف عملية تحويل ورّطت شركات معروفة نذكر منها " "اريكسون" (Ericsson) السويدية و"سامسونج " ((Samsun الكورية و" بلاك اند ديكر" ((Black & Decker اليابانية. نذكر من الشركات الوهمية التي تتركب منها هذه " المغسلة" بالإضافة إلى "كيداسيا ليميتد"، "سيبون ليميتد"، "كريستال لورد ليميتد": " قريدين ديفيلوبمينتس ليميتد" (Griden Developments Limited)، " رونيدا انفيست ل.ل.ب" (Ronida Invest LLP)، "ويستبورن اينتيربرايز ليميتد" (Westburn Enterprises Limited)،" كالدون هولدينقز ليميتد" (Caldon Holdings Limited)، " بى آر فيرت سيستيم ليميتد" (PR Vert System Limited) و " كينوفيتكو ليميتد" (Kenovetco LTD). و من البنوك: بنك الإمارات دبي الوطني NBD الذي تمت مواجهته من قبل مجلة أرابيان بزنس في الإمارات، فاعترف بذلك معتبراً نفسه ضحية بسبب عدم معرفته لحيثيات تلك العمليات.
و تم نقل الأموال القذرة من روسيا إلى أوروبا والعالم حسب خطة تقضي بأن تقوم إحدى الشركات الوهمية المتورطة في القضية بمنح قرض يصل في بعض الأحيان إلى عشرات الملايين من الدولارات إلى شركة أخرى ويتم بموجب عقد القرض المبرم بين الطرفين إقرار كفيل من روسيا يتمثل في رجل أعمال أو في إحدى شركات هذا البلد -بعض هؤلاء الكفلاء ينحدرون من لاتفيا-، ثم ترفع دعوى قضائية من قبل الشركة المقرضة (المزيفة) ضد الشركة المقترضة من أجل تحصيل هذا القرض. تم اختيار لاتفيا لرفع الدعاوى نظراً لقربها من روسيا وارتباطها معها باتفاقيات تسمح بمقاضاة شركاتها، إضافة إلي أن لاتفيا هي عضو بالاتحاد الأوروبي وهو ما يسمح بنقل القضية لأوروبا. و لدى حكم القاضي بإلزام الضامن والذي هو شركة روسية بتحويل المبلغ من روسيا لبنك ترستا كوميرك بنكا في لاتفيا، تنتقل الأموال القذرة بطريقة مشروعة إلى النظام البنكي الأوروبي.
أما فيما يخص الشركات موضوع تحقيقنا، فقد وظّفها الروس من أصحاب الأموال القذرة كقناة لضخ تلك الأموال في النظام البنكي باستعمال تقنية الفواتير المزيفة. فقد فوتر أصحاب الأموال خدمات لصالح الشركات الإماراتية المذكورة باسم شركات نائمة و هي خدمات لم تُقدّم أصلا. هي موجودة فقط على الورق من أجل تبرير مصدر تلك الأموال. فشركة " كيداسيا ليميتد"، مثلا، التي لم تُحيّن سجلها التجاري منذ تأسيسها و تُبيّن أوراقها أنها لم تُصرّح بأي معاملة تجارية، دفعت مقابل خدمات وهمية و استعملت الشركات الإماراتية الشريكة في العملية كقناة لضخ الأموال في النظام البنكي.
وبعد سلسلة تحقيقات صحفية عن الموضوع قادتها OCCRP ، فتح تحقيق قضائي في كل من لاتفيا وروسيا حوّل على إثره 14 قاضياً في لاتفيا للتحقيق بتهمة تسهيل نقل الأموال القذرة (مخدرات ورشاوى) من روسيا إلى أوروبا والعالم. لكن برلمان لاتفيا اعترض بداية العام الحالي 2017 عن مواصلة التحقيق بسبب عدم تعاون السلطات الروسية وطردها للمحققين.
وكشفت تلك التحقيقات الصحفية تورط رجال أعمال روس كبار نذكر منهم: أليكسي كربيفين (Alexey Krapivin) وهو من رجال الأعمال المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و كذلك جورجي جينز (Georgy Gens) مالك مجموعة (Lanit Group) ، الموزع الرئيسي لشركة آبل في روسيا. كما تم عبور جزء من هذه الأموال عن طريق شركة (Trident International Corp) التي يمتلكها رجل الأعمال الروسي بافل سمينوفيتش (Pavel Semenovich Flider) ذو الجنسية الأميركية كذلك، والذي ورد اسمه كمتورط عام 2015 في صفقة تهريب أجهزة تكنولوجية محظورة من أميركا إلى روسيا لفائدة شركة تختص بالصناعة العسكرية. و كان البنك العقاري الروسي في قلب الفضيحة و هو مسؤول عن تحويل 9.7 مليار دولار أمريكي إلى مولدوفا بنك، علماً أن البنك العقاري الروسي يديره ايغور بوتين والذي هو ابن خال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تم إعداد هذا التحقيق بدعم وإشراف إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
الكلمات المفتاحية