" السوريون أصبحوا في المرتبة الثانية الآن، الإيرانيون هم في المرتبة الأولى، أما الروس فهم فوق الجميع كما لو كانوا آلهة" يقول رجل أعمال سوري يقيم في العاصمة السورية دمشق. فالبلاد اليوم لم تعد كما كانت، والقوات العسكرية الأجنبية تحيط بالمدنيين في كل مكان.
تغلق المحلات أبوابها مبكراً، النباتات المتسلقة تزحف على أبواب المراحيض العامة". بهذه العبارات وصفت مراسلة صحيفة الجارديان البريطانية روث ماكلين الحياة في دمشق الخاضعة لسيطرة النظام السوري في تقرير من هناك بعنوان "معطف رقيق من التعوُّد والتأقلم يلف مدينة كانت يوماً ودودةً " وترجمته روزنة.
يضيف رجل الأعمال السوري "حاولت أن أعيش خارج سوريا، لكنني لم أستطع، هذا هو وطني، لكنني هنا مواطن من الدرجة الثانية، كان يجدر بك القدوم إلى هنا قبل الحرب، كانت الأحوال مختلفة تماماً، ما تغيَّر حقيقةً هو الناس، كل الناس الطيبين رحلوا".
سيل السياح القادم إلى دمشق جفّ مع بلوغ الحرب سنتها السادسة، وجفّ معه سيل الدولارات التي يجلبها السياح معهم، حيث كانت السياحة تشكل مصدراً مهماً لدخل الكثير من المحال التجارية. يقول محمد الذهبي، وهو صاحب محل نظارات: "يُفاجأ الناس أن النظارات صارت تكلِّف أكثر بكثير مما اعتادوا، عليك أن تشرح للناس أن البيضة التي كانت تكلف 20 ليرة سورية، صارت الآن بـ60 ليرة سورية، وبالمثل لابد أن تكلِّف النظارة ثلاثة أمثال قيمتها سابقاً". لكن الذهبي يقول أيضاً أن بعض عملائه قد استفادوا كثيراً من الحرب: " إذا قال أحد الزبائن إن الثمن مرتفع وطلب تخفيضاً، فهذا ماله الذي كدَّ في كسبه برأيي. أما إذا دفع الثمن مباشرةً دون اكتراث فهذا مالٌ لم يتعب فيه".
بحسب الغارديان، باستثناء الفئة القليلة التي استفادت من الحرب، فإن غالبية السكان يعانون من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. تقول نور شمَّة، ابنة الستة وعشرين عاماً، وتعمل مصفِّفة شعر لتساعد أمها في تدبير الإيجار: "أصبحت تكاليف الحياة لا تُصدَّق، ربما لن أجد رجلاً لأتزوجه، فكل الرجال الجيدون قد رحلوا". تضيف عبير: "الأجواء الآن لا تسمح لأي قصص حب على أية حال، ستكون حياة باردة، لن يكون زواجاً سعيداً، لأن أحداً لن يكون قادراً على إرضاء الآخر".
تقول مراسلة الغارديان روث ماكلين أن الصحفيين يعانون من تعقيدات شديدة في سبيل الدخول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، حيث يحتاج إلى تصريحٍ أمني لأي مكان يذهب إليه، ولا يُسمَح له بالعبور إلى مناطق سيطرة المعارضة، إضافة إلى الحدود الواضحة لمن سيُسمَح للصحافي بالتواصل معهم او الحديث.
تضيف ماكلين : "سيظل بإمكانك أن تقود سيارتك إلى المدينة القديمة، وأن تشتري إفطاراً من مخبزٍ عائلي، وتذهب لتتمشى مباشرة في الشارع الذي مشى فيه بولس الرسول بعد أن أصيب بالعمى، لكن المناقيش بالجبن التي ستأكلها سيقدمها لك فتى صغير، إذ إن الرجال الذين كانوا يخبزون الفطائر بالأفران الحجرية ماتوا، أو هُجِّروا، أو رحلوا للقتال".