بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة كيبيك الكندية أواخر شهر كانون الثاني الماضي، يشعر كثير من السوريين المقيمين في كندا بالخوف، حتى بعد معرفة أن من قام بالاعتداء هو كندي من أصول فرنسية.
واقتحم "ألكساندر بيسونيت" طالب جامعي - 27 عاماً، المركز الإسلامي في مدينة كيبيك ودخل إلى صالة حيث كان عدد من المصلين يؤدون صلاة العشاء، وفتح النار عليهم من بندقية آلية، فأودى بحياة ستة أشخاص، إضافة إلى وقوع عدد من الجرحى.
التقت روزنة مازن الأطرش المقيم في مونتريال الكندية منذ سبع سنوات، بعد خروجه من مسجد في المدينة، وقال إنه شعر بالخوف عندما سمع الخبر للمرة الأولى، مضيفاً: "يبدو أن النحس يلاحقنا أينما ذهبنا".
"ردود فعل أبهرتني"
خوفه الشديد كان من احتمال تعرض زوجته المحجبة لأي اعتداء أو تحرش عنصري كرد فعل على الهجوم، لكنه شعر بشيء من الارتياح فور إعلان الحكومة الكندية اسم الفاعل ووصفته بـ"الإرهابي". موضحاً أنه بقدر ما كانت صدمته كبيرة بحدوث هذا الفعل، بقدر ما كانت دهشته وإعجابه من رد الفعل الحكومي الرسمي والشعبي في كندا.
"رؤية مجموعة من السيدات الكنديات اللواتي وقفن أمام المسجد بانتظار المصلين، وكانت درجة الحرارة 15 تحت الصفر، لأكثر من ساعة وهن يرفعن لافتات الود والمحبة بقدوم المصلين وحتى انصرافهم، هز أعماقي بقوة، وبعث بقلبي الشعور بالدفء الشديد تجاه هؤلاء الملائكة"، يقول مازن. ويضيف أن "هذه التصرفات الفردية لأشخاص عاديين تبهرني، لأنهم حريصون على مجتمعهم وبلدهم ويسعون إلى ترسيخ وحدة هذا المجتمع وتماسكه".
خطوة إلى الأمام
الهجوم أشبه ما يكون بالزلزال في كندا على المستويين الشعبي والرسمي، فتجمهر مئات الآلاف من الكنديين في الشوارع لإعلان التضامن مع أسر الضحايا وحملوا الورود، وأشعلوا الشموع، وشكلوا حلقات بشرية تحيط بالمساجد للتعبير عن قيم المجتمع الكندي الرافض للكراهية والعنف والتمييز.
ومشاركة عدد غير قليل من السوريين في هذه الوقفات التضامنية كانت لافتة، وفسره الشاب باسل عبدو المقيم في كندا منذ ثلاثة سنوات، والقريب من دائرة الوافدين السوريين الجدد إلى كندا كونه ناشطاً في العمل التطوعي لمساعدة اللاجئين على الاندماج وتسهيل أمور حياتهم، أنه "ربما كان بدافع الخوف والوعي في آن واحد".
يوضح باسل أنه ثمة عدداً من اللاجئين الجدد قاموا بمبادرات واقترحوا أفكاراً للانفتاح أكثر على جيرانهم، ليقدموا أنفسهم بطريقة صحيحة، ومنهم من صار يتجنب إحداث أي ضجة كي لا يزعج جيرانه، وبعضهم اعتاد الذهاب إلى الجامع، وتوقف عن ذلك، وأن مشاركة السوريين بالوقفات التضامنية هي خطوة إلى الأمام، ولكنها ليست كافية، "علينا نحن الشباب أن نساعدهم في تسهيل اندماجهم وإزالة مخاوفهم التي تشكلت نتيجة كل ما مروا به خلال السنوات الماضية، وكانت الدافع الأساس الذي حركهم للمشاركة".
تخفيف الرموز الدينية
الفنانة التشكيلية هلا فرحات المقيمة في كندا منذ عشرين عاماً، دعت المجتمع الإسلامي والسوري تحديداً إلى أن يكون أكثر انفتاحاً واندماجاً في المجتمع الكندي، وأن يبتعد عن "الاستفزاز بإظهار التصرفات والرموز الدينية بصورة مبالغ فيها"، معتبرةً أن "هذا البلد يكفل حرية المعتقد، ولكن الدين من وجهة نظره شأن شخصي وعلاقة بين الإنسان وربه".
ولفتت فرحات، إلى أنها لاحظت بعض التغييرات الإيجابية في هذا الشأن، على الأقل في محيطها الاجتماعي، "بعض الصديقات السوريات خففن من تشددهن وتزمتهن، فاستبدلن الحجاب بقبعة بسيطة وأنيقة".
"لست خائفاً"
في المقابل يؤكد اللاجئ محمد فيصل، أن ما حدث لن يمنعه من الذهاب الى المسجد، فهو لم يلمس أي رد فعل عنصري تجاهه أو تجاه زوجته المحجبة، منذ وصوله إلى كندا قبل سنة، وهو ليس متشائماً، ولديه "ثقة كبيرة بالمجتمع الكندي المسالم الذي أظهر وعيًا ومحبة واحتراماً للمسلمين غير مسبوق".
ولعل ما يفسر صدمة السوريين في كندا أكثر من غيرهم، هو عشرات الاعتداءات التي سجلت في كندا العام الماضي ضد مسلمات ومسلمين، وتراوحت بين العنف اللفظي ورمي رأس خنزير أمام المركز الإسلامي في كيبيك مع وصول عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى كندا.