بعد 30 سنة من كتابة التقارير الأمنية.. النظام السوري يتعامل مع "الكيديين الأشرار"

دمشق
دمشق

سياسي | 02 نوفمبر 2016 | منار حداد

"لا تحكي سياسة.. الحيطان إلها آدان"، جملة ترددت كثيراً في مجالس السوريين، خلال السنوات الأربعين الماضية. خوفاً من وصول الحديث إلى أجهزة المخابرات!

اعتُقل عصام خمسة أشهر في فرع أمن الدولة بحلب، بعد أن كُتب تقرير أمني ضده بحجّة أنه "أهان القيادة". 

يقول عصام الذي يقطن حالياً في مدينة اسطنبول التركية: "قلتُ جملةً واحدةً خلال اجتماع مع أصدقائي من باب المزاح (الرئيس كويس بس اللي حواليه عاطلين)، فاعتقلني فرع أمن الدولة بعد 4 أيام من هذه المزحة، التي كلّفتني خمسة أشهر من حياتي داخل المعتقلات".
اقرأ أيضاً: النظام السوري يحارب الفساد.. على طريقة ال"خيار وفقوس"

ما هي التقارير الكيدية؟

خلال حكم حافظ الأسد لسوريا بين 1971 و2000، وبعده بشار، كان يتجنب السوريون تعاطي السياسة في جلساتهم، بسبب كثرة "كتيبة التقارير" الذين يتعاملون مع مخابرات النظام.

كانت ابتسامة صغيرة في وجه فتاة كفيلة بأن تغّيب "عبد الرحمن"، لمدة 9 أشهر ونصف في فرع الأمن العسكري.

"تعرّفت إلى فتاةٍ تدرس معي بجامعة (البعث) قبل ثلاث سنوات في متجر المحاضرات، وبعد عدّة أيام من الحديث أخبرتني بأنها أحبّتني وتريد أن تبدأ بعلاقة حب معي"، يقول عبد الرحمن.

يؤكد الشاب أنه رفض تلك العلاقة حيث كان يبلغ من العمر 23 عاماً، بحجّة فوارق اجتماعية ودينية بينه وبينها، فما كان منها إلّا أن كتبت به تقريراً أمنياً بداعي أنه يدعم المعارضة عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فاعتقله فرع الأمن العسكري بحمص وبقي هناك أكثر من 9 أشهر.

يضيف عبد الرحمن: "خلال تحقيق الضابط معي أخبرني أن الفتاة ذاتها رفعت فيه (تقريراً موثّقاً) عن نشاطاته الفيسبوكية في دعم المعارضة، موضحاً أنه لم يتّخذ أي توجّهاً سياسياً لا عبر فيسبوك ولا في الواقع لكنَّ التقرير رفعته الفتاة بدافع الانتقام".

مخبر رسمي وآخر "في حب الوطن"

في سوريا، قد تجد المخبر في كل مكان، فمن الممكن أن يتم فرزه إلى مؤسسة بحجة أنه موظف ليقوم بتتبّع الموظّفين وجس نبضهم، وهذا يسمى "مخبراً رسمياً" كون "المخابرات" عمله الأساسي في الحياة.

وثمّة مخبرون غير رسميين، وهم مواطنون مدنيون امتهنوا العمل كمخبرين لعدة أسباب، يأتي على رأسها الدافع المادي، تضاف إليها أهداف أخرى، بعضها سياسي أو حزبي، وبعضها الآخر يتعلّق بحماية الشخص لنفسه من الاعتقال أو كسب سلطة بمجتمعه فيلجأ للتعامل مع أحد أفرع المخابرات.

بعد "أحداث الثمانينيات" التي شهدت مواجهات ضارية بين قوات النظام وجماعة الإخوان المسلمين، بدأ النظام باستخدام أسلوب حشد أكبر عدد من المواطنين السوريين للانخراط بسلك المخابرات الخاصة به، تحت مسمّياتٍ عدّة ومنها "الانتماء لحزب البعث" أو "خدمة أمن الوطن"، وزرع خلايا لتتبّع المواطنين الذين يشك أنهم معارضون للحكم أو غير راضين عن بعض الأمور في البلاد، لتقوم هذه الخلايا برصدهم والإخبار عنهم.

وخلال تجوّلك في سوريا قد تصادف المخبرين في كل مكان دون أن تعرفهم، فقد يكون زميلك بالعمل أو عامل النظافة في الشارع الذي تسكن به أو صاحب البقالية بحارتك أو حارس المبنى الذي تعيش فيه.
اقرأ أيضاً: هل تحولت نقابة الفنانين إلى منبر للأجهزة الأمنية؟

"منال س" كانت ضحية لتلك السياسة، انتهى بها المصير في فرع أمني بسبب مشادّة كلامية مع زميلتها في العمل بأحد مراكز جباية الكهرباء حول دمشق.

تقول منال لـ"روزنة": "قضيت 14 يوماً في المعتقل قبل زفافي بأسابيع بعد كتابة تقرير بحقي من قبل زميلتي في العمل، إثر مشادة كلامية تطوّرت إلى خلاف، ما دفعها لكتابة تقرير كيدي بحقي".

التحقّق بعد الاعتقال

خلال الحديث مع منال عرّفتنا على إحدى صديقاتها التي قضت شهرين و17 يوماً في فرع أمني بعد تقرير كُتِب بحقّها بتهمة "التواصل مع إرهابيين".

الفتاة البالغة من العمر 29 عاماً والتي فضّلت أن يكون اسمها "أمل" قالت لروزنة:" بعد انقضاء أكثر من شهرين وصلوا إلى نتيجة أن البلاغ كاذباً وأنني لم أتراسل مع المسلّحين، فحوّلوني إلى محكمة الإرهاب بعد 5 أيام والتي بدورها حكمت بتبرأتي".

وأضافت الشابة من خلال مشاهداتها أن نسبة لا بأس بها من التقارير التي ترد، هي ملفّقة ولا أساس لها من الصحة، مشيرةً إلى أن نسبة اعتمادها من قبل المحقّقين ترجع لصدق المخبر من خلال التعامل معه لفتراتٍ طويلة، حيث تُرفض تقارير لمخبرين لا يملكون ثقةً إذا لم يدعموا تقريرهم بوثائق، في حين يقوم العامل الثاني –حسب أمل– على التحقّق من الإخبارية من خلال التحقيق المطوّل مع المتّهم، والذي قد يمتد لشهورٍ طويلة.

محاولات للمحاسبة

مع ازدياد ظاهرة كتابة التقارير الكيدية، وبلوغها حدّاً بات يقارب الظاهرة، يحاول البرلمان الحالي التابع للنظام السوري، إيجاد مخرج لهذه الظاهرة، حيث كتب أحد أعضائه نبيل صالح على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في 31 آب الماضي: "ناقشنا مع لجنة الأمن الوطني في مجلس الشعب اليوم كيف يمكن إنقاذ المواطنين الصالحين من براثن الأشرار والحاقدين الذين يكتبون تقاريراً أمنية كيدية بحق المواطنين السوريين".

واعتبر صالح أن كُتّاب التقارير خرّبوا عمل المؤسّسات الأمنية، وضلّلوا مدراءها وخرّبوا سمعتها، مضيفاً: "بات عموم الناس يصنّفون العاملين في المؤسسات الأمنية بأنهم أشرار".

لكنّ المحامي كمال العمر المقيم في مدينة اسطنبول، كان له رأياً آخر، حيث أكد في حديث لـ"روزنة" أن "مجلس الشعب إذا كان جدّياً بهذه الخطوة فلماذا لا ينهي عمل المخبرين نهائياً؟".

وبيّن العمر أنه "من الصعب جداً التأكد من مصداقية التقارير التي ترد إلى أفرع الأمن والمخابرات دون أن يتم استدعاء من رُفع التقرير بحقهم، بسبب عدم وجود آلية محدّدة تثبت صدق المخبر دائماً".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق