دوما.. تعرف على طفل المراوح

دوما.. تعرف على طفل المراوح
تحقيقات | 20 سبتمبر 2016

"طفل المراوح"، لقب جديد بات يطلقه أهالي المدينة على يامن الذي لم يتجاوز الحادية عشرة بعد، فإن كنت تعاني من الحر الشديد، ما عليك إلا التوجه إلى منزل الطفل الكائن وسط المدينة، حتى تتمكن من الحصول مراوح هوائية، ابتكرها بوسائل بدائية لهذا الغرض.

براءة اختراع!

ساهم الحصار بالاختراع في مدينة دوما بريف دمشق، فرغم حرمان أهلها من أبسط مسوغات الحياة على مدى أكثر من أربعة أعوام، لا يزال أهالي المدينة المحاصرين من قبل قوات النظام السوري، يتفننون في التحايل على الموت صغاراً وكباراً.

"خطرت لي الفكرة بينما كان أحدهم يصلح اللاقط الهوائي المسؤول عن استقبال القنوات لدينا، راقبته بحذر، ولفتني محرك اللاقط الذي يعمل باستطاعة 12 فولت، فقمت باقتناء محرك جديد، وجلبت عصا متينة وقاعدة بلاستيكية وطبقتهم على شفرات مروحة قديمة، ونجح الاختراع"، يقول يامن.

يستيقظ يامن منذ أولى ساعات الصباح الباكر، يتوجه إلى مدرسته ثم يعود منها على أمل تصنيع المزيد من المراوح التي لاقت إقبالاً بين الأهالي، وإعالة أسرته في الوقت ذاته، ولا يخف الطفل رغبته الملحة في تحقيق حلم طالما راوده، ألا هو شراء دراجة هوائية.

يتابع: "والدي مريض ولا يستطيع العمل، ووالدتي ربة منزل، لذا مع كل يوم، أقوم بإتمام واجباتي المدرسية، ثم أتجهز للعمل، علي أعين أسرتي وأهالي بلدي وخصوصاً مع انقطاع الكهرباء المستمر واعتماد العديد من الأهالي على المولدات الكهربائية".

"سنجاري الصين واليابان"

يصر أهالي دوما على التشبث بالحياة، رغم الموت المحدق بهم من كل جانب، فيجدون فسحة من الضحك والابتسام، كلما شاهدوا أبو محمد وهو يعتلي بقايا صواريخ للتوجه إلى عمله، فبعد تعرض منزله ودراجته النارية لقصف الطيران الحربي، عزم الرجل على إعادة تصنيع الدراجة لكن على طريقته الخاصة.

يقول: "كنت مولعاً بدراجتي، ولم أرد خسارتها بسبب القصف، لذا قررت استخدام ما تبقى من هيكلها وقمت بإعادة تصنيعها من مخلفات القصف والصواريخ، ونجحت بذلك، وبإذن الله نحن في دوما سنجاري الصين واليابان في صناعاتهم، حتى نثبت للعالم أجمع أننا قادرين على الإبداع رغم الحصار والقصف".

مواكبة احتياجات الأهالي

مع مرور الوقت واعتياد أبو محمد على آلية العمل بمخلفات الصواريخ، صمم على تطوير عمله شيئاً فشيئاً، وحفزه شغفه على ابتكار دراجة هوائية بنفس الطريقة، ثم التفت إلى تلبية احتياجات الأهالي المحاصرين من أوان منزلية وهواتف ومصابيح، وتمكن من افتتاح ورشة للعمل بمساعدة بعض شبان دوما كما يؤكد.

"حتى قذائف الهاون، قمنا بالاستفادة منها، وابتكرنا من بقاياها مدافئ منزلية، لاقت إعجاب الأهالي وإقبالهم، بالإضافة إلى لوحات فنية رسمناها بفوارغ الرصاص، ونتمنى على بشار الأسد أن يسعفنا بمزيد من الصواريخ حتى نتمكن من مواكبة وتلبية احتياجات الأهالي"، يقول أبو محمد ساخراً.

مهمة انتحارية؟

لجمع بقايا الصواريخ والقذائف المستخدمة في ذاك العمل حكاية أخرى، فكثيراً ما يخاطر أحمد وهو أحد العاملين في الورشة مع أبو محمد بحياته، خلال قيامه بتلك المهمة الخطيرة في شوارع دوما، ولا سيما أن عملهم يعتمد شكل كبير على المخلفات التي لم تنفجر.

يوضح الشاب: "حتى نضمن استمرارية عملنا، ينبغي علينا المخاطرة، البعض يصفنا بالمجانين، لكن والحمد لله حتى الآن لم يتعرض أحد منا لأي موقف خطير".

مع بداية الحصار لجأ أهالي دوما إلى استخراج الغاز والمازوت والبنزين من مادة البلاستيك، اختراعات وابتكارات قد تبدو في مجملها بدائية، إلا أنها باتت شريان الحياة في مدينة دوما حسب تعبير البعض منهم.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق