شاهد.. وقف إطلاق النار من داخل سوريا

شاهد..  وقف إطلاق النار من داخل سوريا
تحقيقات | 16 سبتمبر 2016

جاء توقيت وقف إطلاق النار في سوريا، محفوفاً بالرمزية، حيث تزامن مع عيد الأضحى المبارك، وهو عيد التضحية لدى المسلمين، قدوةً بقصة ابراهيم الذي أراد أن يضحّي بابنه من أجل الله، وهي حكاية مركزية في كل الديانات السماوية واستعارة أدبية متكررة لتضحية المجتمع بالشباب في حروب الكبار.

سارعت وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى لإعداد توصيل المساعدات التي طال انتظارها إلى مدينة حلب، ولكنهم في يوم الثلاثاء، كانوا لا يزالون بانتظار كلمة من الجهات الرسمية، بأن الطريق آمن، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز وترجمته روزنة.

"سمسم"، عاملة إغاثة في مناطق سيطرة النظام السوري غربي حلب، طلبت عدم ذكر اسمها الحقيقي لأنها غير مخولة بالتحدث إلى الصحفيين الأجانب، حيث قالت في مقابلة عبر الهاتف من مدينة حلب: "إن سكان حلب وجدوا وقف إطلاق النار أمراً مخيفاً، وأضافت أن انهيار الهدنة دائماً يؤدي إلى تصاعد العنف، وإن وقف القتال أيضاً يقطع على الناس روتين الحرب الذي يمكن التنبؤ به غالباً!".

وأضافت سمسم، إن العيد الماضي كان هناك الكثير من القصف، ما أدى إلى قتل الكثير من الأطفال، اعتدنا على سماع أصوات القصف والتفجيرات، لكن السكون أثناء وقف إطلاق النار يجعلنا نقول (الله يحمينا) خوفاً من المفاجآت".

وتابعت، إن الناس لم ينسوا، لكنهم تمكنوا من برمجة حياتهم بدون التفكير فيما سيحدث بعد ذلك، يعيشون كل يوم بيومه، اعتادوا على عدم التفكير بالمستقبل، نحن نعيش هذا اليوم، نذهب إلى العمل، المقهى، لزيارة أحد الأصدقاء والأقارب، خطتنا فقط لهذا اليوم.

تزدحم الشوارع بالناس والأطفال، ولكن لا زال من المبكر أن نحكم فيما إذا كان وقف إطلاق النار سيستمر أم لا حسب سمسم.

الطبيب "عمر أبو مريم"، جراح أعصاب (30 عاماً)، طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته للحفاظ على سلامته وسلامة عائلته، وهو جراح الأعصاب الوحيد العامل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شرقي حلب، حيث يموت معظم المرضى الذين يعانون بإصابات في الدماغ، بسبب الافتقار إلى المعدات الطبية، وقطع طرق إخلاء الجرحى على تركيا في الآونة الأخيرة بسبب القصف العنيف.

قال الطبيب لنيويورك تايمز عبر رسالة نصية: "غالباً ما نعمل على مدار الساعة، ولا أتوقع أن اتفاقية وقف إطلاق النار ستغير ذلك".

في العيد، ذهب الطبيب إلى منزل أحد الأصدقاء لتناول العشاء، وكان صديقه قد تمكن بصعوبة من الحصول على نعجة للذبح، حيث جلسوا وتناولوا "الكبد" على العشاء، إضافة إلى حلوى العيد التقليدية "البقلاوة"، وفي طريق العودة إلى منزله قال: "إن المدينة كانت غارقة بالسواد، الشوارع فارغة ومظلمة، لا وقود للسيارات، والقليل من المولدات تعمل".

انقضى المساء الأول من الهدنة دون دعوة إلى غرفة الطوارئ، لكنه عندما عاد إلى منزله، سُمع دوي انفجار بعيد، قد يكون ناجم عن صاروخ أرض-أرض، حسب تكهنه.

وتساءل الطبيب، إذا كان سيمر يوماً آخر دون التوجه إلى غرفة الطوارئ، فهو يقول: "إن وقف إطلاق النار كذبة كبيرة".

الطفل خالد (8 أشهر)، أصيب بكسر في الجمجمة إثر هجوم صاروخي، بعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار، يوم الجمعة، ولم يستطع أحد الوصول إلى والدته، التي قد تكون قضت بسبب القصف.

 

"إبراهيم أبو الليث"، أحد رجال الدفاع المدني في مناطق سيطرة المعارضة، يقول: "إنه وفقاً لتقارير غير مؤكدة من قبل العديد من الناشطين، كان هناك هجمات بالبراميل على شرق حلب يوم الاثنين".

ويضيف: "نحن في حبل ندعم وقف إطلاق النار، أطفالنا لم يذهبوا للعب على المراجيح أو في الملاعب، ولم يختبروا الفرح هذا العيد بسبب القصف العنيف، إلى ما قبل وقف إطلاق النار".

ويؤكد، نأمل أن يتوقف القتل حتى نتمكن من العيش في أمان، ونأمل أن تنتهي الحرب في سوريا لنبدأ ببناء سوريا الجديدة".

قد نُقتَل!

الشاب داني القباني، (28 عاماً)، حاصل على شهاد البكالوريوس في قسم الأدب الإنكليزي عام 2011، وجد نفسه ناشطاً إعلامياً في مدينة المعضمية بريف دمشق بعد اندلاع الثورة السورية، وعمل في وسائل إعلامية مناهضة للنظام السوري، وهو يستخدم اسماً مستعاراً للحفاظ على سلامته.

يكتب داني قصائد ومنشورات سياسية على صفحته الخاصة على موقع الفيس بوك، ويشعر بالقلق حول الانقسامات الحاصلة في مدينة المعضمية، بين الراغبين بالمصالحة مع النظام السوري وبين رافضي ذلك، أخبرنا عبر دردشة على الفيس بوك: "هم يهددونا بين الحين والآخر، أنهم سيهاجمون المدينة إن لم نرضخ لطلباتهم ونواقف على المصالحة، وكل سكان المعضمية مشغولون هذه الأيام بالحديث عن إخلاء المدينة، ناهيك عن عملاء النظام الموجودين في المدينة والمشاكل التي يفتعلونها".

وأضاف داني، باختصار، المدينة لم تعد آمنة بالنسبة لي وللرافضين للمصالحة بعد اليوم، نحن قد نُقتل ببساطة.

وأرسل داني رسالة نصية يوم الثلاثاء، قائلاً: "إن الأوضاع أفضل قليلاً هذا اليوم، يمكنني سماع الموسيقى من ساحة العيد".

داني القباني، ناشط سوري من مدينة المعضمية بريف دمشق

 

مشكّكين، ولكنهم بانتظار السلام

خالد خليفة (52عاماً)، كاتب سوري معروف برواية "مديح الكراهية" حول انتفاضة الأخوان المسلمين عام 1982 وحملة القمع التي شنها النظام السوري آنذاك.

نشر السيد خالد على صفحته، صباح يوم الاثنين، عن خططه للعيد في دمشق، وتجاذب أطراف الحديث مع صحيفة نيويورك تايمز في بيروت، وقال: "لا يوجد عيد وعائلتي بعيدة، هم في حلب، في مناطق لكلا الطرفين ولا يريدون الرحيل، وهذا محزن جداً بالنسبة لي".

وأضاف، هنا الناس لا يصدقون أحد وليسوا مؤمنين بأحد، إلا أنهم ينتظرون السلام.

إلهام (32 عاماً)، متزوجة من موظف حكومي وأم لطفلين، استيقظت على هدوء يوم الثلاثاء في دمشق، وتحدثت لمراسل صحيفة التايمز باسمها الأول فقط للحفاظ على سلامتها: "يسعدني أننا قضينا الليلة الماضية دون أصوات القصف العالية، كانت الأصوات كابوساً بالنسبة لنا، تهتز لها أبنيتنا وتوقظ أطفالنا باكين، اليوم لدينا خطة بالذهاب إلى الحديقة لقضاء النهار في الهواء الطلق، نتناول بعض الشطائر، في حديقة جميلة في حي ركن الدين بالقرب من مخابز ابن العميد".

خالد خليفة، روائي سوري

جميعهم حفنةً من المجرمين

ذهب محمد نجدت قدور (31 عاماً) إلى بنش وهي منطقة خاضعة لسيطرة قوات المعارضة في مدينة إدلب، للتصوير عقب غارة جوية في مطلع الأسبوع، ولإجراء مقابلات مع الناجين، وقال في لقاء هاتفي مع صحيفة التايمز: "إنه لا يثق بالأسد أو فلاديمير بوتين، متسائلاً، هل تصدق هدنتهم؟ هل تعتقد أنهم جادّون؟ إنهم ليسوا إلا حفنةً من المجرمين".

وأضاف: "نظمنا احتفالاً لأطفال الشهداء، أقمناه في طابق سفلي خوفاً من القصف العشوائي، تخيل، بإمكانك سماع صلوات العيد في إدلب تتلوها أصوات القصف".

أنهكتهم الحرب

بشار سليمان (29 عاماً)، عمل كمدرّس في مدرسة ابتدائية بقرية شمال مدينة الرقة إلى أن سيطرت داعش على المدينة وجعلتها عاصمة لها، أما اليوم فيلازم بشار منزله ولا يخرج منه إلا لشراء البقالة، وتحدث لنا عبر الانترنت: "قبل الثورة السورية، اعتدنا أن نزور الأقرباء في العيد، ولكن معظم أقاربي غادروا المدينة هاربين إلى المدن السورية الأخرى تركيا أو أوروبا وليس لدي ما أفعله الآن سوى زيارة من بقي من الأصدقاء".

وأضاف، لا أشعر بأن تغييراً سيحدث في مدينة الرقة، لأن وقف إطلاق النار لا يسري على مناطق سيطرة تنظيم داعش، تعبنا من الحرب، ونأمل أن يكون هناك وقف حقيقي لإطلاق النار يغطي كامل سوريا".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق