بدأ زيدان حياة جديدة، بعدما وصل إلى مدينة غازي عنتاب التركية هرباً من الحرب، وتحول من تاجر في ريف حلب، إلى جامع للخردة في بلد اللجوء!
تحوّل كبير!
اقرأ أيضاً: كندا: لاجئ سوري يبدع بتحويل الخردة لقطع فنية
اضطر العديد من السوريين الذين نزحوا إلى تركيا، للعمل في أشغال مجهدة وقليلة الدخل من أجل تحصيل لقمة العيش لذويهم، مثل الشاب زيدان، ابن الثمانية والعشرين عاماً.
يقول زيدان: "كنت أعمل في التجارة لكن فقدت عملي بسبب الأوضاع المعيشية السيئة، وبعد نزوحي لعنتاب لم أجد فرصة عمل جيدة لي، فقررت أخيراً أن أعمل بمجال جمع الخردة مثل النايلون والكرتون، من الشوارع والحدائق والأماكن العامة الأخرى، وفي آخر اليوم أذهب بها إلى التاجر الذي أتعامل معه كي يشتري مني ما جمعته".
يؤكد زيدان أن لا عيب في عمله، رغم نظرة محيطه إليه، فأقاربه ينتقدونه كثيراً بسبب العمل في جمع الخردة، لكن همّه الوحيد أن يطعم عائلته ويؤمن دراسة أطفاله.
"الكيلو الواحد من النايلون يصل إلى 10 قروش تركية، أما الكرتون فسعره يصل إلى 20 قرشاً للكيلو الواحد، وكلما جمع الشخص كمية أكبر كلما زاد ربحه، لكن بطبيعة الحال بالكاد أجمع الـ 25 ليرة تركية باليوم". يشرح زيدان طبيعة عمله.
مسنّ وجامع للخردة!
اقرأ أيضاً: عنتاب.. "جامع كرتون" سوري يلقى حتفه طعناً بسكين
لم تفرق مصاعب الحياة بين من نزح إلى تركيا، فالجميع بمختلف أعمارهم تعرضوا لمشقات عديدة تجسدت في التزامات عائلاتهم التي تفوق ما يتم جنيه من أعمالهم، ومثل ذلك، حميد أبو محمد، صاحب الـ65 عاماً من العمر.
"اضطررت للعمل بمجال جمع الخردة لأطعم الأطفال، لدي أطفال يتامى والدهم توفي في وقت سابق، وأنا جدهم أرعاهم حالياً"، يقول أبو محمد.
ويتابع: "لم أكن أتصور أن أعمل بهذا المجال، لكن شاءت الأقدار أن أصبح كذلك، ورغم ذلك لا أعتبر هذا العمل معيباً، لا عيب في أي عمل يجعلني أكسب قوتي من عرق جبيني".
لا يستطيع العم حميد أن يعمل بشكل متواصل في مجال جمع الخردة، فيساعده ابنه في العمل، أما هو فتقتصر مهمته على جمع الخردة في محيط منزله والشوارع القريبة منها.
وعن الدخل الذي يحققه، يجيب العم: "كل ما أجنيه في الأسبوع لا يتعدى الـ 150 ليرة تركية - ما يعادل 50 دولاراً - أي بالكاد ينقذنا بتحمل أعباء المصاريف المعيشية".
تجارة مربحة!
أثناء التجول في مدينة عنتاب، التقينا بالتاجر التركي رمضان، والذي يعمل حميد لديه ويجمع له الخردة، وحسب ما تحدث به رمضان بلغة عربية ضعيفة تعلمها خلال تعامله مع العمال السوريين، يقول: "هذه المصلحة اسمها خردجي باللغة التركية، أي جمع الخردة وإعادة تدويرها، وأنا منذ زمن طويل أعمل بهذا المجال، وأتعامل مع عمال سوريين وأتراك، يأتون إلي كل يوم وهم يحملون ما جمعوه من خردة".
ويوضح طبيعة عمله قائلاً: "إن ما يتم جمعه في مخزني، يذهب إلى تجار أتراك، لديهم معامل كبيرة تختص بإعادة تدوير النفايات".
وحاولنا أن نعرف عن طريق رمضان تفاصيل العملية التجارية التي يقوم بها، لكنه رفض البوح بذلك، مؤكداً أن الأسعار تتغير كل فترة وفترة وليس هناك دخل ثابت ومستقر.
من جانبه، يقول حذيفة وهو شاب سوري مطلع على هذه التجارة: "إن السوريين الذين يعيشون في عنتاب، تحملوا أمرّ ظروف الحياة، لا يزال هناك آلاف منهم عاطلون عن العمل، بينما هناك أشخاص يعملون بشكل متقطع، مثل ورشات الدهان والبلاط والصيانة وما إلى ذلك، أما من يعمل في المعامل التركية، فيتم استغلاله بشكل كبير، لكن الكثير من السوريين يتجهون للمعامل لسبب واحد وهو أن الراتب مستقر رغم قلته".
وبحسب حذيفة، فإن بيع وشراء الخردة مهنة لا تحدد أجراً يومياً مستقراً للعامل بها، بل يحكم الأمر نشاطه في شوارع المدينة لجمع أكبر قدر ممكن وبيعه.
ويتابع: "فإن جمع طناً من الكرتون فقد يصل سعره إلى 200 ليرة تركية، لكن هذا الوزن يحتاج لأيام كي يتم جمعه، ومعظم العاملين في هذا المجال يتجهون للعمل بمجال جمع الكرتون لأن سعر الكيلو أفضل من البلاستيك".
ويقطن مدينة غازي عنتاب أكثر من 300 ألف مواطن سوري، العديد منهم استقروا في المدينة وفتحوا منشآت اقتصادية ومحال تجارية متوسطة وصغيرة، بينما لا يزال يعمل غالبيتهم لدى الأتراك بأجور زهيدة دون أن يمتلكوا حتى إذن عمل يمكنهم من حفظ حقوقهم، كالتأمين الصحي ونيل الحد الأدنى من الراتب والحقوق المتعلقة بإذن العمل الأخرى.