تستعد مريم لاستقبال عيد الأضحى في حلب، ولا تفارق ذاكرتها صورة ابنها المعتقل في سجون النظام السوري منذ عام 2012، "لم تعد للعيد فرحته كما في السابق بسبب الحرب الدائرة في البلاد، وبسبب كثرة القتلى والمعتقلين" تقول مريم.
يحل عيد الأضحى السادس على السوريين هذه العام، وكالعادة هو عيد يختلف كثيراً عن الأعياد السابقة قبل عام 2011.
اقرأ أيضاً: كيف بدا عيد الفطر في سوريا هذا العام؟
مريم علي أم لستة أولاد، كأمهات سوريات كثر، فقدت الاستمتاع بالتحضير للعيد كما السابق، موضحة: "لم يعد بالإمكان شراء الحلويات بأنواعها كما في السابق، بسبب قلة المردود المادي لزوجي المغيب عن وظيفته منذ اندلاع الثورة في البلاد، منذ قرابة الثلاثة سنوات وأنا أصنع بعض الأنواع من الحلويات في المنزل مثل كعك العيد، وأنواع بسيطة ذات كلفة قليلة أقوم بصنعها مع قدوم العيد".
الأضحية تتأثر بالدولار!
يبدو واضحاً أن العيد فقد الكثير من طقوسه في سوريا، لا يوجد بيت إلا وفيه غصة على أحد مفقود، مقتول، أو مجهول المصير.
مع ارتفاع سعر الدولار وانهيار الليرة السورية أمامه، تضاعفت أسعار المواد الأولية بعشرة أضعاف لتحضير حلويات العيد، كما أن أسعار الأضحية أصبحت مرتفعة جداً.
يتراوح سعر الخاروف الواحد في حلب بين الـ80 والـ100 ألف ليرة، ولم يكن يتجاوز السبعة آلاف قبل عام 2011، وسعر البقرة بين 650 والـ700 ألف ليرة حالياً، ولم تتخطَّ الـ80 ألفاً قبل عام 2011.
وقد يصل سعر الجمل الواحد للمليون ونصف المليون ليرة سورية، بينما كان سعره 300- 350 ألف ليرة قبل ست سنوات.
لا يختلف الحال في العاصمة دمشق كثيراً، حيث التقينا مواطنين في سوق الزبلطاني، الذي يعد شريانها التجاري الشعبي لبيع الأضاحي، شبهوا الأسواق بطنجرة الضغط التي تغلي فيها الأسعار، حيث وصل سعر الخروف الذي يزن 50 كغ ما يقارب 70 ألف ليرة، وكان لا يزيد سعر الخروف الصالح للأضحية عن 8 آلاف ليرة في 2011، وتختلف الأسعار طبعاً حسب نوع الخاروف ووزنه وصنفه، وجودة المرعى وأصل منشأ الكبش وصغر أو كبر سنه.
ووصل سعر العجل الذي يزن 200 كيلو غرام نحو 520 ألف ليرة، وكان سعر مثيله 40 ألف ليرة في 2011.
وفي سياق ارتفاع أسعار السلع بشكل عام وارتفاع أسعار اللحوم خصوصاً، ارتفع إيجار ذبح الأضحية، حيث تضاعفت تكاليف ذبحها ونقلها لتصل إلى 5000 ليرة بعد أن كانت لا تزيد عن الـ500 ليرة سورية في 2011.
محاولات تأقلم
اقرأ أيضاً: بين الرقة والحسكة.. أمنيات العيد تغلبت على أحزان الشرق السوري
رغم الظروف المادية الصعبة التي يعيشها معظم السوريين بالداخل، لكن ثمة بعض الأجواء الموجودة الخاصة بالعيد. فالعديد من العائلات التي فقدت أحد أبنائها تستمر بطقس تقديم الأضحية في العيد، وتوزيع اللحوم على العائلات الفقيرة.
أبو محمود أحد نازحي مدينة حمص ويقيم في نهر عيشة بدمشق يقول: "لم تتمكن الظروف القاسية من إبعاد الناس عن قيمهم الدينية، ولم تقف ضائقتهم المادية عائقاً أمام مساعدة بعضهم البعض، وبرغم تعاظم أعداد المحتاجين والنازحين والفقراء أمام ميسوري الحال، إلا أنّ قسماً كبيراً منهم يتحضر لشراء الأضاحي، رغم أن نيران التشرد تقاذفتنا من مكان لآخر، وأفقدتنا الكثير، ونحاول جاهدين سدّ الفجوة التي كبرت ما بين العطاء والحاجة".
وتأقلماً مع الواقع، تغيرت بعض التفاصيل، وخاصة في حلويات العيد، فأم إبراهيم بالعاصمة دمشق، استغنت عن الفستق الحلبي في صناعة معمول العيد، واستبدلته بمواد أخرى كالتمر.
وأيضأً، فاطمة المحيميد المقيمة في ريف حماة، غيرت بعض العادات، موضحة: "كنا نجهز الحلويات والمعجنات ونبتكر عدة أنواع للضيافة، أما الآن اقتصرت على القهوة المرة فقط لا غير، الطقوس التي استمرت رغم الظروف هي زيارة المقابر ووضع الريحان والورود على القبور".
أين الأطفال في العيد؟
تفتقد الكثير من المدن والشوارع في سوريا، لساحات العيد، التي تجمع الأطفال ليلعبوا ويمرحوا. لكن حالياً، وفي المدن المعرضة للقصف، أصبح اللعب في تلك الساحات خطراً كبيراً على الأطفال.
بسبب الحرب، يحن الأطفال السوريون لألعابهم، "الألعاب المفضلة هي الأرجوحة والزحليطة، أخاف من القصف والانفجارات، ومن قصف الطيران ومدفعية النظام على ضيعتنا" تقول الطفلة آلاء، ابنة ريف حماة.
عبد الرؤوف الشيخ عبد الله، يبلغ من العمر 13 عاماً، مقيم وعائلته في مناطق المعارضة بحلب، يتذكر الألعاب المفضلة لديه، والتي لم تعد موجودة حالياً، كالسيارات في الملاهي.
يقول الطفل: "اليوم نلعب بالألعاب العادية الموجودة في الساحات العامة كلعبة الميزان والقلابة والدويخة، رغم عدم وجود المرح فيها كما الموجود في الملاهي". مضيفاً:" اليوم نخاف من أي شيء يصدر ريحاً قوية تشبه أصوات البراميل والصواريخ والقذائف عندما تسقط على بيوتنا، العديد من المرات وأثناء تواجدي مع إخوتي في الساحة العامة عند الألعاب يقوم الطيران بقصف المناطق المحيطة بنا بالصواريخ".
عيد اللاجئين السوريين
اقرأ أيضاً: كيف كان عيد الأضحى في السويداء؟
بلغ عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون لاجئ، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويتوزعون في تركيا، العراق، الأردن ولبنان.
في لبنان والأردن، يتوزع السوريون بين المخيمات والمدن، نقلوا بعض طقوسهم في العيد إلى خيم اللجوء، فيمكن أن تجد ساحات للعيد في المخيمات، لكنها بأبسط الإمكانيات.
أكبر التجمعات السورية بدول الجوار، هي في تركيا، حيث يبلغ عدد السوريين إجمالاً أكثر من مليونين ونصف المليون، بين المخيمات الحدودية مع سوريا والعديد من المدن التركية.
أحمد عساف سوري مقيم في مدينة غازي عنتاب التركية، يقول: "العيد بهجة نفسية، في سوريا العادات المتعارف عليها في العيد يمكن أن يتم قضاء بعضها في تركيا، مثل أن نضحي في العيد الأضحى أو نزور بعض الأقارب، لكن في سوريا يجتمع الأقرباء في منزل الجد أو الجدة، وهذا النقص نشعر به في تركيا".
ويتابع، أن زيارة القبور عادة لا يمكن أن يقوم بها السوريون في تركيا، وبالنسبة للأضحية "لا أظن أن الكثير من العائلات سوف تضحي بسبب الالتزامات المادية المفروضة عليهم في تركيا" يضيف عساف.
ماذا عن اللاجئين في المخيمات التركية؟، يقول عبد الجليل المقيم بتركيا: "في المخيمات الوضع قد يختلف عما هو في المدن التركية، فهناك صلة متينة بين الناس، خاصة أن من يقطنها كلهم سوريون، فالناس يستقبلون الأعياد ببهجة أكبر، لكن هناك غصة نفسية ترافقهم وتتعلق باليوم الموعود الذي يعودون فيه إلى سوريا ويحتفلون بالعيد هناك".
ويتابع عبد الجليل: "الأطفال يخرجون للعب بين الكرفانات، والأهالي يعيّدون بعضهم بعضاً، فهناك عائلات تعرفت على غيرها من القاطنين في مخيم كيليس منذ فترة طويلة، فأصبحت بينهم علاقة وطيدة ومتينة ربما عوضتهم عن جزء من المعاناة التي يتعرضون لها".
التأثير السوري في بلاد اللجوء
"أحلى الأمور التي لاحظتها في تركيا، أصبح الشامي يعايد على الإدلبي والحمصي يعايد على الحلبي، أي أصبح هناك خليط من جميع المحافظات السورية، وكل ما نرى أحد السوريين في الطرقات بعنتاب، نلقي عليه تحية العيد" تقول مرح جاويش، وهي سوريا مقيمة في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا.
يلخص حديث مرح تطورات جديدة طرأت على طقوس العيد السوري، أيضاً، نقل السوريون معها الكثير من عاداتهم إلى بلدان اللجوء.
في مصر مثلاً، يتواجد أكثر من 130 ألف لاجئ سوري، ما زال الكثير منهم يقوم بطقوس اليوم الأول من العيد، يزورون أقرباءهم، وتجتمع العائلة في بيت أحد أفرادها.
ونقل السوريون معهم إلى مصر، ضيافة العيد متل المبرومة والبقلاوة الأقراص والمعمول المحشي بالعجوة أو الفستق والهريسة، فضلاً عن السكاكر والملبس لتقديمها للزوار المعايدين، ومشروبات مثل الجلاب والعرقسوس وقمر الدين و التمر هندي.
عادة شراء ملابس للعيد لم تعد أساسية لأنها مكلفة، رغم ذلك تحاول معظم العائلات السورية أن تشتري ملابس للأطفال حصراً كي يحاولوا إدخال البهجة لهم، وكي لا يحسوا بالفرق بينهم و بين باقي الأطفال.
طقوس ناقصة!
لجأت نور إلى مصر بحثاً عن حياة جديدة، بعد دوران آلة الحرب في سوريا، تغيرت عليها العديد من الطقوس والعادات، ولا سيما تلك الخاصة بالعيد.
"أكيد العيد ما ألو طعمة في بلاد الغربة وحتى لو كنت بدولة عربية"، تقول نور بلكنتها السورية المحلية، مضيفة: "أنا كسورية مغتربة، أيام الأعياد أشعر بالحزن لما يجري في بلدي من قتل وتدمير وتهجير وأتذكر أيام الأمان والاستقرار، وماذا كنا نفعل بأيام الأعياد".
تؤكد نور أن العيد يتمثل بلمة الأهل والأصدقاء، ولكن أهلها موزعين في عدة دول بعيدة عنها، لذلك، وبحسب رأيها، ليس للعيد بهجة كما السابق.
ماذا عن أوروبا وأميركا؟
اقرأ أيضاً: عيد الأضحى حيٌّ في أوروبا وغائب في لبنان!
بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وصل 1.5 مليون مهاجر غير شرعي إلى دول الاتحاد الأوربي، بطرق مختلفة، بين البحر والبر والجو. ثلثهم سوريون.
ويبدو أن اللاجئين السوريين في أوروبا، هم أكثر من يفتقد لطقوس العيد، من باقي السوريين في الداخل وبلاد الجوار السوري، فلا وجود للكثير من التفاصيل والعادات السورية.
إلهام سيدة سورية لاجئة في النمسا، تؤكد: "لا يوجد عيد في أوروبا مثل الذي كنا نعيش أجواءه في سوريا، لقد فقدنا أجواء الساحات العامة التي تكتظ بأراجيح الأطفال، كما فقدنا زيارات الأقارب والأصدقاء، وإن وجدت هنا فهي قليلة جداً".
لكن رغم ذلك، نقل بعض السوريين الحلويات التي تقدم خلال العيد، فلا تزال العديد من العائلات تقوم بإعداد المعمول وكعك العيد والبرازق وتقديمها للضيوف، وإن بنسبة قليلة.
يؤكد أحمد علي 40 عاماً، لاجئ سوري في النمسا، أنه يعيش أجواء العيد فقط في المساجد خلال الصلاة، لكن عندما يخرجون من المسجد، ينتهي العيد، بحسب تعبيره.
ماذا عن نظرة المجتمع الأوروبي لذبح الأضحية في العيد؟ يجيب علي: "بالنسبة إلى نظرة الأوروبيين للأضحية، نحاول شرح ذلك من خلال وجهة النظر الإسلامية، التي تحدد شروط الأضحية، فالبعض يظن أن هدف تقديم الأضحية بقصد تناولها فقط، وليس تقديمها للفقراء، والبعض الآخر يظن أن ذبح الأضحية يكون لصغار المواشي، وهذا لا يجوز في الدين الإسلامي، بعض الأوروبيين يتقبل ذلك وبعضهم الآخر لا يتقبل".
ولا يبدو وضع السوريين في بلاد القارة الأميركية بعيداً عن أوروبا، حول ذلك، يتحدث نضال نجار وهو سوري مقيم في كندا:" للأسف لا نتمكن من الاحتفال بالعيد كما كنا نفعل في سوريا، كوننا نعمل أيام العيد وليس لنا عطلة رسمية، بعد صلاة العيد يتوجه الأهل للعمل ويعود الأولاد إلى البيت وفي اليوم الثاني يعودون إلى مدارسهم. ننتظر يومي السبت أو الأحد حتى نلتقي بعائلة واحدة".
ويضيف: "غالباً ما تتم المعايدة عن طريق اتصال هاتفي أو إرسال رسالة معايدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يذكرنا بالعيد هو الحلويات التي نشتريها وبكميات قليلة بسبب قلة عدد الزائرين".