في أحد شوارع مدينة دوما بريف دمشق، وقف أبو محمد محاولاً الاتصال بشبكة الانترنت، لكن مجموعة تابعة لجيش الإسلام، اعتقلت الرجل ووضعته في السجن بتهمة "الخيانة والعمالة لصالح النظام السوري".
يقول أبو محمد بحسرة: "من سخرية القدر أن أجد نفسي في معتقلات جيش الإسلام لمدة شهر ونصف، وأنا الذي شاركت في الثورة السورية ضد الظلم منذ اندلاعها، ذقت الأمرين وتعرضت للضرب والتعذيب بتهمة لا يد لي فيها، ورأيت الكثير من المظلومين أمثالي، ولم يفرج عني إلا بعد أن كفلني بعض الأهالي".
محسوبيات!
في مدينة دوما المحاصرة من قبل قوات النظام السوري منذ أكثر من 3 سنوات، يشكو بعض الأهالي ظلماً آخر بات يمارس عليهم، وكأن حرمانهم من أبسط مسوغات الحياة، والجوع الذي أمسى زائرهم الوحيد، لم يعد كافياً لإغراقهم بالعذابات، ولا مفر أمامهم من آلة موت واعتقال أخرى.
فراس أحد شبان المدينة، اعتقل مدة شهر كامل لدى جيش الإسلام، بتهمة انزعاجه من ضجيج مولدة كهربائية يملكها أحد جيرانه النافذين في المخفر، ولم تجدِ الشكوى التي قام بتقديمها ضده، بل على العكس تحول من صاحب حق إلى محقوق.
يروي الشاب: "في البداية حاولت التفاهم مع جاري بشأن ضجيج مولدته الذي هز منزلي، وعندما لم يبد أي اهتمام، قدمت شكوى ضده، وفوجئت لدى علمي بأن أحد العاملين في المخفر هو قريب له، وببساطة سجنت أنا بدلاً عنه بتهمة التعدي عليه وتحطيم المولدة".
"عند الله ما بيضيع حق"
لم يفرج عن فراس، إلا بعدما تنازل عن حقه مرغماً، فانتشار المحسوبيات في المخفر، كاد أن يودي بحياته ويلصق به تهمة الكفر كما يقول، فاضطر أخيراً للتغاضي عن الذل والضرب الذي وقع عليه، والقبول باعتذار عناصر المخفر الذين أكدوا أن ما حصل برمته كان بالخطأ، وبأن عند الله لا يضيع حق.
يضيف بسخرية: "خرجت من السجن ووجدت أن المولدة لم تبارح مكانها، إلى أن سقطت قذيفة هاون في أحد الأيام وهمشت المنزل والمولدة، يعني نحن والمولدة طلعنا من البيت".
لا يحبذ سكان دوما المحاصرة الحديث عن أي اعتقال، مفضلين التزام الحيطة والحذر، إلا أن أبو عدي الذي التقيناه وسط المدينة، أبدى رأيه بصراحة تامة، وأكد لنا أن "لا خيار أفضل لدى الأهالي سوى التعايش مع مأساوية الحياة والمحسوبيات التي أصبحت منتشرة في قضاء المدينة، فمحظوظ هو من كان على معرفة بأحد المشايخ، حتى يتمكن من عمل ما يرغب به".
تعتيم إعلامي
حتى الآن لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد المعتقلين القابعين في سجون جيش الإسلام، بحسب الناشط الإعلامي "أبو خالد"، والذي لفت إلى خطورة حديثه بتلك القضية المعتم عليها إعلامياً.
يقول أبو خالد: "الاعتقالات التعسفية تحدث في عموم الغوطة الشرقية، بعض المعتقلين السابقين في سجون جيش الإسلام، حدثوني عن مدى سوء الأوضاع الإنسانية في معتقلاته عموماً وفي سجن التوبة خصوصاً، إلى حد لا تقل فيه عن معتقلات النظام، كذلك أشاروا إلى بقاء العديد من المعتقلين لأشهر متواصلة دون محاكمات، والله وحده يعلم أوضاع هؤلاء".
بعد الممارسات التي بات بعضها يؤدي إلى القتل تحت التعذيب، تصاعدت حدة الاحتجاجات ضد جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، وكان آخرها في حزيران يونيو العام الفائت، حينما خرجت عشرات من نساء دوما، أمام مقرات الاعتقال التابعة لجيش الإسلام، مطالبات بفك أسر أبنائهن وأزواجهن من معتقلاته، ومن سجن التوبة التابع له.
وتم توجيه تهم إلى جيش الإسلام من قبل منظمات دولية وإنسانية حول اعتقال مدنيين وناشطين، وفي مقدمتهم الناشطة الحقوقية رزان زيتونة ورفاقها أثناء عملهم بالغوطة نهاية 2014، لكن الجيش أنكر أي صلة باختطافها ولم يعرف مصيرهم حتى الآن.