فرات: الأسد قتل والدي وداعش دمر قبره

فرات: الأسد قتل والدي وداعش دمر قبره
تحقيقات | 30 أغسطس 2016

بعد ثلاث سنوات، عاد الشاب أحمد يوسف الجادر (فرات جرابلس)، إلى مدينته جرابلس المحاذية للحدود التركية، برفقة قوات المعارضة السورية التي طردت تنظيم داعش وسيطرت على المدينة الأسبوع الماضي.

هذه السيطرة كانت حدثاً سعيداً للسكان الذين عاشوا تحت حكم تنظم "داعش"، ولحظة عاطفية خاصة لـ أحمد الذي عاد لزيارة قبر والده يوسف الجادر (أبو فرات)، العقيد المنشق عن جيش النظام والقائد في الجيش السوري الحر، الذي قضى في حلب عام ٢٠١٢ ووري الثرى في مدينة جرابلس، لكن التنظيم كان قد دمر خلال فترة سيطرته، أجزاءً من قبره.

تنحدر عائلة فرات من جرابلس، إلا أنها عاشت لوقت طويل في مدينة اللاذقية. كان الشاب في بداية الثورة السورية يتابع المظاهرات من نافذة البيت مذهولاً. 

يقول فرات، في مقابلة مع صحيفة "داس بيلد" الألمانية: "لقد كنت مذهولاً، لقد وصفوا المتظاهرين جميعاً بالإرهابيين، على الرغم من أنّي رأيتهم يتظاهرون سلمياً". 

أحد أصدقاء أبو فرات، وهو ضابط أيضاً، كان في دورية في بانياس اكتشفوا خلالها رجلين يمتلكون قذائف مضادة للدبابات، ظنت الدورية أنهم "إرهابيين"، وعندما هجموا على الدورية أمر الضابط بإطلاق النار عليهم فأردوهم قتلى. وبحسب فرات: "عندما فتش الجنود الجثتين وجدوا بحوذتهما بطاقتين للمخابرات العسكرية. كانوا يرتدون زيّاً مدنياً، حيث أرادوا أن ينفذوا هجوماً للتشهير بالمعارضة ولاتهامهم بأنهم إرهابيون". 

في ذلك المساء أذاع التلفزيون الرسمي، أن الإرهابيين قتلوا عنصرين من المخابرات العسكرية. بعد هذا التضليل الإعلامي من قبل النظام قرر أبو فرات وصديقه الانشقاق عن النظام ‪وهربوا إلى تركيا. 

يروي فرات: "والدي الذي خَبِر النظام لم يخبرني حينها عن خططه. لقد قال لو تم اعتقالي ستكون لكمتان كفيلتان لأن أفشي كل شيء. وكان محقاً بذلك". 

عاد أبو فرات مجدداً إلى الشمال السوري حيث التقى بالقرب من مدينة الباب بالمجموعات الأولى من الجيش الحر التي تشكلت لتوها، مجموعة من الجنود المنشقين والمتطوعين المعارضين للنظام. يقول فرات: "أرادوا أن يستولوا على كافة القواعد العسكرية للنظام في مدينة الباب".

أقنع أبو فرات جنود الجيش الحر ألا يهاجموا بشكل مباشر وغير منسق قواعد النظام، بل وضع خبرته العسكرية كقائد كتيبة دبابات في دراسة مواقع تمركز النظام ووضع خطة محكمة، يوضح فرات: "لم يستغرق الأمر أسبوعاً حتى تمت السيطرة على القواعد العسكرية للنظام، حيث انتهت هجمات النظام العنيفة".

في مقابلة مع أبو فرات عبّر فيها عن شعوره تجاه هذه الحرب، قائلاً: "هؤلاء الجنود إخوتنا، أقسم بالله أنني أشعر بالحزن كل مرة  أرى فيها أحداً يُقتَل، سواء من طرفنا أم من طرفهم. لو رضي الأسد بالرحيل لكانت سوريا أفضل بلد في العالم".

بعد فترة وجيزة من هذه المقابلة قضى أبو فرات في حلب. يقول فرات: "كنت حينها في جرابلس، حيث توافد كثيرون إلى منزلنا، فقد انتشرت شائعة بأن أبو فرات قد أصيب، سافرت إلى حلب حيث علمت أنه مات بعد استهدافه بقذيفة، أنهرت حينها، ظننت أنه مصاب فقط". 

دفن أبو فرات في جرابلس بالقرب من نهر الفرات، وشارك الآلاف بجنازته قادمين من منبج والباب وحلب.

القصف المتواصل من قبل قوات النظام على المدنيين، بالإضافة لقلة الدعم الغربي للجيش الحر، دفع لظهور الجماعات المتطرفة التي لا علاقة لها بما قاله أبو فرات. حيث انتشر الجهاديون في جرابلس، يقول فرات: "وقعت اشتباكات في جرابلس بين الجيش الحر وداعش، وكان على الجيش الحر أن ينسحب بعد أيام عدة". 

اعتقل فرات من قبل تنظيم داعش، "قالوا أنني جدفت باسم الله. إنها ذريعة شائعة عندما يريد داعش قتل أحدهم، تم تعذيبي بالضرب وبالكهرباء، يقول فرات، ويضيف: "كانوا يقومون بالتعذيب كما النظام تماماً. كنا نسخر قائلين إنهم يستولون فقط على مؤسسات النظام أما الآن فهم يستولون أيضاً على أدوات التعذيب".

تم إطلاق سراح فرات بعد عشر أيام من التعذيب، حيث لعب أصدقاء فرات دور الوسيط مع أمير داعش في جرابلس الذي اشترط على فرات أن يبايع البغدادي. هرب بعدها إلى تركيا حيث على مساعدة أشقائه الأصغر منه سناً.

قام داعش عام ٢٠١٤ بتحطيم المقبرة في جرابلس فالقبور محرمة في عقيدة التنظيم، خلالها تعرض أيضاً قبر أبو فرات للتخريب. استطاع فرات بعد ثلاث سنوات من هروبه من المدينة أن يعود مجدداً برفقة الجيش الحر، يقول: "إنه شعورٌ غريب، فأنا سعيد وحزين في آنٍ معاً". لم يستطع فرات دخول منزل العائلة فقد قام داعش بتفخيخ المنزل بالعبوات الناسفة. تابع فرات رحلته إلى المقبرة وزار قبر والده المدمر، "وجدته حجارة مدمرة فقمت ببنائها من جديد".

يأمل فرات أن يتذكر السوريون كلمات والده: "فالهدف من ثورتنا كان الحرية والكرامة لكل السوريين".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق