"عارف كريز"، لاجئ سوري في تركيا، (24) عاماً، هادئ ذو شعر مصفف، وملابس أنيقة، ولحية خفيفة مشذبة بعناية، يواجه عقبات البيروقراطية أثناء محاولة الحصول على وثائق صادرة عن الحكومة التركية، تثبت ان ابنته "بيرلا"، هي ابنته فعلاً، بحسب تقرير نُشر على موقع (Parallels News).
طفلته "بيرلا"، ذات العامين، لديها وضع قانوني غامض في تركيا، يحدّ من حقوقها وفرصها المستقبلية، مثل الكثير من الأطفال السوريين الذين ولدوا في تركيا من آباء لاجئين.
استقبلت تركيا عدداً كبيراً من اللاجئين، مقارنة مع غيرها من الدول منذ بدء الصراع في سوريا عام 2011 - 2.7 مليون لاجئ سوري- وذلك وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، إلا أن تركيا لا تسمح لهؤلاء بإلقاء جذورهم في الأرض وبدء حياة جديدة.
ويقيم السوريون في تركيا تحت مسمّى "ضيوف" وليس لاجئين، وهذا ما قلّص من حقوقهم وعقّد وضعهم القانوني فيها، ومُنع الأطفال المولودون في تركيا من الحصول على الجنسية التركية، حتى أنهم واجهوا مصاعب في الحصول على وثيقة الهوية الأساسية.
في بيته الصغير بمدينة "غازي عينتاب"، العاصمة الفعلية للمجتمع السوري اللاجئ في تركيا، يروي عارف تفاصيل المصاعب التي تواجهه أثناء محاولة الحصول على الأوراق الرسمية.
"أنا قلق جداً"، قالها وابتسم لابنته التي كانت تؤدي رقصة ارتجالية، وتابع: "لا أريدها أن تبقى عالقة في هذا النظام الملتبس طيلة حياتها، أريد أن تحصل على فرصتها في تحقيق أحلامها"، ولن تتمكن "بيرلا" من مغادرة البلاد بشكل قانوني في المستقبل، للعمل أو الدراسة، بدون وضع قانوني واضح المعالم.
وثائق تشير إلى أحد الوالدين فقط
يتم التعرف على الأم فقط بشكل قانوني، وذلك بعد الولادة في المشافي التركية، تاركين الأطفال في مأزق قانوني يحدّ من خيارات الأسرة في المستقبل.
يقول "كريز" أن ابنته ليست مسجّلة قانونياً من قبل الحكومة التركية، وقال إنه يخاف من السفر بين المحافظات التركية برفقتها، خوفاً من الوقوف على نقاط التفتيش، حيث لن يستطيع إثبات علاقته بها.
الصعوبات في التعريف عن الطفلة سوف تتفاقم في وقت لاحق، بموجب القانون الحالي في تركيا، حيث لا يمكن للأطفال الحصول على جواز سفر تركي، مما يجعل ترك البلاد والعودة إليها بشكل قانوني، امراً مستحيلاً.
يقول عارف: "أن تكون سوري يعني أنك مجرم"، مضيفاً أن هناك من هم أسوأ حالاً من وضعهم، ممن لا يحملون أي نوع من الأوراق التعريفية، قائلاً: "إنهم مثل النكرات، لا سفر، لا عمل، ولا احترام."
الطريق إلى الحصول على الأوراق الرسمية المطلوبة يبدأ من إبراز دفتر العائلة للسلطات التركية، وحامل دفتر العائلة السوري سوف يتمكن من الحصول على نظيره التركي.
وثيقة أخرى للسوريين في تركيا، وهي بطاقة "تسجيل ضيف" والمعروفة باسم "الكملك"، والتي تعطي حاملها حق الحصول على الرعاية الطبية والخدمات الحكومية الأخرى مثل التعليم. وهي متاحة نظرياً لكل سوري يصل إلى تركيا حاملاً هويته السورية أو أي معرف شخصي عنه، إلا ان نظام الكملك بطيء جداً بتزويد السوريين بهذه الوثيقة، والمسؤولون الأتراك يعترفون أن النظام غارق بالطلبات.
عملية الحصول على الأوراق الرسمية أكثر صعوبةً لهؤلاء الذين اضطروا للهروب من سوريا بدون أي أوراق تعرّف بهم.
هؤلاء يواجهون صعوبات هائلة، لا يمكن حلّها في أغلب الأحيان إلا بدفع المال للموظفين المسؤولين، أو العثور على أحد بإمكانه العودة إلى سوريا لجلب الهويات أو دفتر العائلة، وقد تكلف هذه العملية صاحبها مئات أو آلاف الدولارات، ومعظم اللاجئين لا يملكون المال.
لا وثائق .. لا فرص
"طاهر حمادة"، مهندس زراعي (34) عاماً، هرب من الاقتتال في حلب مع زوجته، التي أنجبت طفلتهم "تمارا" منذ أربعة أشهر في تركيا.
حمادة، جاء إلى تركيا بدون جواز سفر أو دفتر عائلة، وهذا يعني أنه لن يتمكن من الحصول على دفتر العائلة التركي، مما يعيق قدرته على التخطيط لمستقبل عائلته، لذا فهو يفكر بشراء جواز سفر من السوق السوداء، مقابل 8000 دولار.
يطمح حمادة أن يستطيع أن يؤمّن لابنته تمارا التعليم الجيد وحرية التنقل في المستقبل، وهذا يبدو بعيد المنال مالم يتمكن من الحصول على وثائق من شأنها تسوية وضع ابنته القانوني في تركيا.
كما وتفتح الوثائق الرسمية أمامه أيضاً المجال للحصول على عمل جيد كان قد عُرض عليه في المملكة العربية السعودية، ولكن أياً من أفراد العائلة لا يحمل جواز سفر ساري المفعول.
لكن حمادة وبالرغم من كل الصعوبات، مازال متفائلاً وممتناً، إذا أخذ بعين الاعتبار كم كان حالهم أسوأ في وطنه سوريا.
"كيف سيتمكن الناس هناك من البقاء على قيد الحياة؟" ويضيف: "أنا محظوظ".
" مهند نجار"، باحث يعمل في مجلة إخبارية ألمانية، وصل إلى تركيا مع شهادة زواج محلية فقط، تثبت علاقته بزوجته.
وبدون دفتر العائلة سيكون هناك أملاً ضئيلاً بالحصول على نسخة الدفتر التركية، والتي تثبت علاقته بأبنائه قانونياً.
في الوقت الراهن لديه عمل براتب ثابت، إلا أنه يفكر جدياً بالسفر إلى أوروبا على متن قارب متحدياً المياه التركية، بدلاً من الدخول في تعقيدات عملية استخراج أوراق رسمية.
"ليلاً أفكر بأن آخذ عائلتي إلى أوروبا على متن القارب"، ينفض الفكرة من رأسه في الصباح، وهو يعرف أنه لا يريد المجازفة بحياة أطفاله، ويعلم أيضاً انه لن يتمكن من خوض الرحلة وحده، فبدون أوراق رسمية لن تتمكن عائلته من الانضمام إليه فيما بعد.
يقول مهند: "لا أعلم كيف بإمكاني أن أكون متفائلاً بكل ما هو قادم."