"اعملوا أو ارحلوا".. سوريون يواجهون الاضطهاد في دير الأحمر اللبنانية

بلدة دير أحمر اللبنانية
بلدة دير أحمر اللبنانية

اجتماعي | 17 أغسطس 2016 | منار حداد

الواحدة بعد منتصف الليل، ومعظم سكان المخيّمات أشعلوا الضوء الأحمر الذي يعمل على أمبير واحد من الكهرباء والتزموا منازلهم، الخروج لأي سبب يعتبر ضرباً من الجنون، فوضع اللاجئين السوريين ليس على ما يرام في بلدة "دير أحمر" اللبنانية!

اقرأ أيضاً: سوريون يواجهون العنصرية في لبنان


في هذه البلدة الصغيرة التابعة لمحافظة بعلبك شمال شرقي لبنان، ارتفعت وتيرة اضطهاد اللاجئين السوريين مؤخراً، فلم يشفع لهم عملهم الشاق لتأمين قوتهم اليومي.

ليلة عنصرية

يوم 20 من تموز الماضي، داهمت 4 دوريات تابعة للمباحث اللبنانية، مخيّمات اللاجئين السوريين على أطراف بلدة "دير الأحمر" اللبنانية، واعتقلت 98 لاجئاً، بحجّة عدم امتلاكهم لأوراقهم الثبوتية المتمثّلة بـ"الكفالة" من مواطن لبناني، إضافة لتجوّلهم بعد الثامنة مساء، حيث يُحظر على السوري التجّول في هذه الفترة.

"منذر" لاجئ سوري ينحدر من ريف تلكلخ بمحافظة حمص وسط سوريا، كان أحد اللذين طالتهم موجة الإعتقال في تلك الليلة.

يصف منذر تفاصيل تلك الحادثة كما عايشها:" خلال عملية الاعتقال، قاموا بسحب رجل خرج لتوّه من عملٍ جراحي، فحملوه إلى السيارة وقاموا برميه داخلها بقوة، واتجهوا نحو فرع أمني قريب من المدينة، تبيّن بعد تحقيقهم معنا بالضرب والشتائم، أن عشرة أشخاص من ضمن المعتقلين يحملون أوراقاً قانونيةً، ورغم ذلك لم يتم الإفراج عنهم حتى الإنتهاء من التحقيقات مع الجميع".

ويضيف الشاب:" خلال إرجاعنا إلى المخيّمات وضعونا في صناديق السيارات وبدؤوا يزيدون السرعة ثم يتوقفون فجأة ونحن ننقلب على أعقابنا متكدّسينَ داخل السيارة".

إضراب سوري!

بعد عملية الاعتقال والضرب المبرح الذي تلقّاه المعتقلون السوريون، أعلن لاجئو دير أحمر البالغين حوالي 1000 عائلة، إضراباً عن العمل بحقول المنطقة الزراعية، والتي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لمدينة دير الأحمر، وتعتمد بشكل رئيسي على اليد العاملة السورية.
اقرأ أيضاً: حرق طفل سوري في لبنان.. والجناة بلا عقاب!

ويعمل السوريون هناك نحو تسع ساعات يومياً في حقول التبغ بالمنطقة. جميع السوريين يجب أن يعملوا رجالاً ونساءً، في أسلوب يعود إلى زمن الإقطاعيين الذين يشغّلون لديهم آلاف المرابعين مع عائلاتهم مقابل القوت فقط.

يقول عماد -اسم مستعار- ويعمل مدرّساً في مخيم دير أحمر:" طلب سكان المنطقة منّا العودة للعمل فرفضنا أكثر من مرة بدء العمل حتى إلغاء قرار منع التجّول بعد الساعة الثامنة مساء"، ويوضح أن رئيس البلدية في المنطقة هدّد السوريين بالعمل تحت شرط منع التجّول أو الرحيل عن المنطقة فوراً، حيث خاطب اللاجئين: "لن نسمح بوجود لاجئين عاطلين ببلدتنا، عليكم العودة للعمل أو الرحيل".

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "روزنة" من داخل البلدة، يحصل الشاب السوري العامل على مبلغ 15 ألف ليرة لبنانية ما يعادل "10 دولارات"، فيما تحصل المرأة السورية على 10 آلاف لقاء عملٍ شاق طوال اليوم بزراعة التبغ.

ويوضح عماد أن "عمل النساء امتد لخدمة منازل اللبنانيين مقابل مبالغ مادية متدنّية، مستغّلين حاجة السوريين للعيش"، ويتابع: "هم يبنون اقتصاد بلدتهم بأيادي السوريين ثم يمنعونهم من التحرّك داخل المدينة. اللاجئون السوريون يدفعون 200 دولار شهرياً ايجار المساكن الحديدية، التي تم بناؤها على أطراف المدينة، يضاف إليها أجور الكهرباء والمياه، ولا حقًّ للبنانيين بطرد السوريين كونهم يدفعون إجرة إقامتهم، لذلك رفضوا الرحيل."

ممنوع التجّول!

"يمنع على العمال الأجانب والأخوة السوريين التجول داخل مدينة دير الأحمر تحت أي ظرفٍ كان"، وُضعَت هذه اللافتة داخل المدينة، تماشياً مع عدة بلديات تقع في البقاع اللبناني، حيث اتخذت قراراً بمنع تجوّل السوريين ليلاً، بعد رار سلسلة تفجيرات انتحارية استهدفت مناطق البقاع في 28 تموز الماضي.

يقول عماد، إن جميع اللاجئين السوريين يعيشون بأربعة مخيمات متلاصقة بعيدة عن مركز دير الأحمر، ويعملون طوال اليوم، يحتاجون لشراء وتأمين حوائجهم المنزلية بعد العمل، "فكيف ننهي عملنا في السابعة ونُمنع من التجول في الثامنة؟" يتساءل عماد.

يصف اللاجئ حالة والدته عندما سقطت أرضاً وكُسر حوضها في وقت متأخر من الليل، "توسلت للبلدية بأن أسعف والدتي دون جدوى، حتى اتصلت بأحد معارفي اللبنانيين داخل المدينة ورافقني بسيارته إلى المشفى بعد ساعتين".

عماد يردف أن إدارة المشفى تركت والدته تئنّ على السرير، ورفضوا علاجها قبل الحصول على 2000 دولار ثمن جهاز الحوض الصناعي، كون الأمم المتحدة لا تدفع ثمن هذه الأجهزة عن اللاجئين، فاستدان مبالغ من زملائه المدرّسين معه، ليتمكّن من دفع الأطباء للبدء بعملية العلاج.

انتهاكات مستمرة

"ابتعد من هنا أنت داعشي.. إذهب إلى بلدك لا نريدك هنا"، لم يعد غريباً أن يسمع أي سوري هذه الجملة من اللبنانيين في منطقة "دير الأحمر".

تلقّى موقع "روزنة" عشرات الشكاوي عن مضايقات وانتهاكات تعرّض لها السوريون قُبيل حادثة الاعتقال والإضراب، بداية بمنع السوريين من أداء صلاة التراويح في رمضان المنصرم، مروراً بمداهمة منازلهم ليلاً من قبل عناصر البلدية أكثر من مرة، وليس نهايةً عند عمليات سرقة دراجاتهم النارية وهواتفهم في الشارع علنا،ً في حال أقدم أحدهم على التجوّل لأمرٍ طارئ بعد الثامنة ليلاً.

أبو عزام لاجئ من ذوي الاحتياجات الخاصة، يعيش هناك:" لو كان بإمكاننا العودة إلى بلدنا لعدنا منذ زمن، الحياة تحت البراميل باتت أسهل بكثير من الذل الذي نعيشه هنا كل يوم".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق