يسرى مارديني.. الموهبة التي أنقذت صاحبتها

يسرى مارديني.. الموهبة التي أنقذت صاحبتها
تحقيقات | 07 أغسطس 2016

بعد نجاتها من الغرق في مياه البحر المتوسط وحصولها على اللجوء في ألمانيا، استطاعت السباحة السورية الشابة، يسرى مارديني، من المشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، والذي افتتح مساء يوم الجمعة بالبرازيل، ضمن فريق اللاجئين الأولمبي، وهو فريق خاص أعلنت عنه اللجنة الأولمبية الدولية ليكون حاضراً في الأولمبياد. 

وسبق للشابة السورية أن أحرزت لقب بطولة سوريا في مسابقات 200 و400 متر سباحة حرة وأيضا في سباق 100 و200 متر فراشة. في هذه المقابلة التي أجرتها "بوريانا ايفانوفا" من موقع "دي تسايت" الألماني، تتعرفون أكثر على مارديني، وقصة وصولها إلى ألمانيا، ومشاركتها في الأولمبياد.

قلتِ لي أننا لا نملك الكثير من الوقت للمقابلة. نقف هنا في صالة السباحة في برلين حيث تقومين بالتدريبات. الساعة الآن التاسعة، خرجتِ للتو من المسبح وعليكِ الذهاب مباشرةً إلى المدرسة.  كيف وصلت إلى ألمانيا؟

غادرت دمشق مع عائلتي في شهر آب الماضي، ثم سافرت وأختي إلى تركيا. أخذنا المهرب إلى غابة على شواطئ إزمير، تركونا ومن ثم عادوا إلينا بعد ثلاثة أيام. اعتقدنا أننا سنموت هنا. لم يكن لدينا طعام ولا ماء، كل ما كان بحوزتنا هو الشوكولا. غمرتنا الفرحة حين رأينا المهرب يظهر من جديد وبحوزته قارب، وفي الوقت نفسه غنتابنا الخوف من ما قد يحدث الآن. وبالفعل تعطل محرك القارب بعد ربع ساعة من الانطلاق، واعتقدنا بأننا سنغرق، بدأ الجميع بالصراخ.  لكنني فكرت أن بإمكاننا النجاة، وعلينا أن نتعاون. 

قفزت أختي في الماء وبدأت بسحب القارب، ثم قفزت وراءها. في هذه اللحظة لم أعد أتمكن من التفكير، رأيت شريط حياتي يمر أمامي، وبعد انقضاء ثلاث ساعات وصلنا إلى جزيرة ليسبوس في اليونان. لم يستوعب أحد ما حدث. ثم تابعنا مسيرنا لنقطع نصف أوروبا حتى وصلنا هنا إلى برلين. تم إيواءنا في الفترة الأولى مع 400 لاجئ آخر بمخيم في منطقة شبانداو. 

أنتِ واحدة من اللاجئين العشرة المشاركين في أولمبياد ريو تحت علم اللاجئين، كيف تمكنت من تحقيق ذلك؟

تواصلت بالصدفةمع نادٍ للسباحة. لم يكن الأمر سهلاً، أحياناً أستيقظ الخامسة صباحاً من أجل التدريب، وأتدرب يومياً من السابعة حتى التاسعة ومن ثم أذهب إلى المدرسة، لأعود الثالثة ظهراً  لمتابعة التدريب، وفي بعض الأيام لا أستطيع العودة إلى البيت قبل التاسعة مساءً. أريد إنجاز الكثير لذلك أبذل قصار جهدي.

ما الذي تعنيه لك السباحة، وما الذي تعنيه لك المشاركة في الأولمبياد؟

عندما لا أسبح أشعر بأنّ شيئاً ينقصني في الحياة، أشعر بالذنب. السباحة بالنسبة لي هي عالمٌ آخر. هنا أستطيع أن أظهر من أنا على وجه الحقيقة. عندما عَلِمتُ بالسماح لي بالمشاركة في أولمبياد ريو، أخذت أقفز فرحاً. لا يسَعني أن أصف هذا الشعور، لقد كان مدهشاً. أعرف بأن والديّ سيشعرون بالفخر. يوجد 60 مليون لاجئ حول العالم، وأرغب بأن أجعل كل فرد منهم فخوراً. 

لم تشعرين بالذنب عندما لا تسبحين؟

السباحة شغفي. أمّا الآن فهي تعني المزيد، كثيرون يراقبونني، ويريدون مشاهدتي كيف أنجز الأمر، لذلك أرزح تحت ضغطٍ كبير. لا أرغب بأن أصيبهم بالخيبة. إنها مسؤولية كبيرة بالنسبة لفتاة في الثامنة عشر. وأعلم أيضاً أنني لا أستطيع تحقيق كل الآمال. السباحة بالنسبة لفتاة سورية أمر مختلف عما هو عليه الأمر بالنسبة لفتاة أوروبية. ينتقدني الكثير من السوريين لأنني أرتدي لباس السباحة. أحترم رأيهم وآمل أيضاً أن يفهونني، لدي هدف أريد تحقيقه، ولا أستطيع أن ألتزم بكل بالتقاليد السائدة. 

سبحتِ في آب الماضي من أجل حياتك، والآن تسبحين في الأولمبياد. هل يمكن المقارنة بين الحالتين؟ 

تنطوي الحالتين قطعاً على أوجه تشابه. الأولمبياد هو تجربة فريدة. وكذلك الأمر لأن تسبح من أجل الحياة.  إلا أنّ فرقاً كبيراً بين الحظ والنجاح والخطر والموت. عندما قفزت من القارب، تملكني مثل هذا الخوف، لم أعرف إن كنت سأنجو أم لا. منحني التأهيل الأولمبي الشجاعة. يبدو الأمر كأعجوبة أن أقف اليوم هنا. المعاناة الأعظم التي عشتها في حياتي هي ذاتها من أوصلني إلى هذا المكان. أحيانا تفتح الحياة لنا أبواباً عندما ننتظر القليل منها. 

كنتِ وأختكِ في سوريا سباحتين معروفتين. كيف تمكنتم من القيام بالتدريبات في سوريا؟ 

بدأت السباحة في الرابعة من عمري. ودائماً ما كانت المشاركة في الأولمبياد يوماً ما حلماً لي. كنت أتدرب في سوريا مرة في اليوم. بعد اندلاع الحرب لم نتمكن دائماً من الذهاب إلى المسبح. الحرب مرعبة، إلا أنني تمكنت من الهرب والآن لدي الفرصة لأحقق حلمي. أعتقد أن الحياة تكافئ الشخص عندما لا يستسلم. 

ما الدور الذي لعبته السباحة في اندماجك في ألمانيا؟

في البداية، كانت الحياة كلاجئة قاسية نوعاً ما. يعتقد الجميع أن اللاجئين لن يصنعوا شيئاً. عشت في سكن مع مئات من اللاجئين. كان صعباً أن تلفت الانتباه وأن تحصل على فرصة. إلا أن الكثيرين منا استطاع التحمل ليؤسسوا حياةً جديدةً. يعود الفضل للرياضة كوني الآن هنا.  أعيش حياةً طبيعيةً، تعيش عائلتي في منزل، أذهب للمدرسة وللتدريب. في الماء لا أكون سورية أوألمانية، الكفاءة فقط ما يؤخذ بالحسبان، وأستطيع أن أُظهر أهميتي. لقد اكتفيت من وصفي بلاجئة، أرى نفسي سبَّاحة، فقط. سألني يوماً أحدهم: "كيف تشعرين كلاجئة في الماء؟" وجدته حقاً سؤالاً مضحكاً. أفكر فقط ما مدى سرعتي في السباحة، لا أكثر. 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق