أكد ناشطون في الأحياء المحاصرة بمدينة حلب، أن "المعابر الإنسانية" التي أعلن النظام السوري أنها مفتوحة لخروج المدنيين، لم تُفتح بالكامل، منذ بدء النظام حصاره الشهر الماضي.
مسلسل سينمائي بدائي لا يمتلك أدنى درجات الدقة أو الاحتراف، قدمه إعلام النظام والإعلام الروسي خلال استقباله المسلحين الذين "هربوا من بطش الارهابيين وعادوا إلى حضن الوطن".
يأتي ذلك، بعدما عرضت التلفزيونات الرسمية التابعة للنظام وقناة روسيا اليوم، في 2 آب الجاري، تقارير متلفزة تواكب ما قالت إنه خروج لمسلحين معارضين من حلب، بعد التعبير عن ندمهم وإشادتهم بـ"حسن الضيافة".
وتظهر التقارير أخطاء ومشاهد تمثيلية، تحدث عنها الكثير من السوريين، منتقدين فيها الأداء الساذج وغير المقنع.
تبادل أدوار بين هارب ومحتضن
تكشف "روزنة" في هذا التقرير حقيقة تلك التسجيلات المصورة، بعد التواصل مع أشخاص من داخل مدينة حلب، وتحليل الفيديوهات المعروضة.
اقرأ أيضاً: انفلات أمني في حلب بعد مرسوم العفو العام!
في تحليل مقاطع الفيديو الواردة من وسائل إعلام النظام، تظهر عدة جوانب، أبرزها أن النظام أسرع في إنتاج هذه الفيديوهات، ولم يدققها، حيث ظهر ضعف التنسيق بين وسائل الإعلام المواكبة.
وظهر على شاشة التلفزيون السوري الرسمي، مسلّحٌ ملثّم بقطعة قماش وضعها على وجهه، يسأله المذيع عن عودته، فيجيب بسلسة جمل يبدو أنه حفظها عن ظهر قلب، قبل خروجه إلى تمثيل المشهد.
وما إن طرح عليه المذيع سؤاله، حتى قال بدون تركيز:"نحن فداء لسيادة الرئيس بشار الأسد الذي أصدر عفواً عن المسلحين، وأنصح المسلحين بمغادرة البلد لأنهم لن يحصّلوا أي مكاسب منها، أخدونا من بيوتنا ورموا بنا على الجبهات، تعرضت للإصابة ولم يسعفوني، وجدت منهم الذل والقهر والآن أنصحهم بالعودة إلى حضن الوطن".
تحدّث من يُفترض أنه مسلح معارض، بهذه الكلمات بنغمة واحدة وطريقة مركّزة وكأن أحداً يلقنه الكلام عبر مذياع أو شاشة أمامه، عاود المذيع سؤاله حول حسن الضيافة، رغم أن التلفزيون عرضه فور وصوله إلى مناطق النظام ولم يعرف شيئاً عن الضيافة بعد، فتحدّث المسلح عن حسن الضيافة والمكرمة دون أي تردد.
وظهر في مقطع الفيديو الذي نشره تلفزيون النظام، أحد الشبّان اليافعين على أنه من بين المسلحين الفارين من المناطق المحررة، ليعود ويظهر الشخص ذاته على قناة روسيا اليوم، على أنه أحد المدنيين الذين يعيشون في مناطق النظام، وقدموا إلى المعبر لاستقبال المسلحين والعائلات المتجهة نحو مناطقهم، وهو ما يشير إلى عدم وجود تنسيق بين القنوات التي حبكت القصة.
وعرضت قناة "الاخبارية السورية" مقطع فيديو لخروج المدنيين من قرية "عسان" الواقعة على طريق مطار حلب الدولي، علماً أن القرية تخضع لمناطق النظام أساساً ولا تحتوي على أي معبر مع المناطق المحررة.
لم يغادر أي مسلح أو مدني!
تواصلت "روزنة" مع عدد من النشطاء في الأحياء المحاصرة بمدينة حلب، والتابعة للمعارضة، فأكد ثلاثة أشخاص متواجدين بشكل دوري عند المعابر التي تفصلهم عن مناطق النظام، أن المعابر لم تُفتح نهائياً منذ بدأ الحصار على مدينة حلب في السابع من تموز الماضي.
اقرأ أيضاً: عمليات سرقة واسعة في حلب… من المسؤول عنها؟
عمر عبد الرزاق، مصور وعامل بتوزيع المواد الغذائية داخل مدينة حلب، أكد في حديث لـ "روزنة"، أن الأحياء المحاصرة لم تشهد أي حالة انتقال إلى أحياء النظام، ولا سيما أن المعابر لم تُفتح نهائياً.
وأضاف عبد الرزاق: "جلتُ على معابر الشيخ رز وصلاح الدين وبستان القصر وجميعها كانت مغلقة بدشمٍ كبيرة من التراب وسواتر قماشية، لإعاقة حركة القناصة".
وأوضح المصور الموجود في المدينة منذ خمسة سنوات، أن هناك بعض المدنيين برزت لديهم رغبة في الخروج إلى مناطق النظام في حلب، وكانوا ينتظرون أن يتم فتح معبر بشكل رسمي وآمن للخروج، لكن لا توجد أي حالة خروج ولا تسليم أحد من المقاتلين أنفسهم حتى كتابة هذه السطور، مشيراً إلى أن النظام روّج قبل تصوير الفيديو بيومٍ واحد لخروج عائلات من خلال معبر صلاح الدين.
وتابع: "لكني كنت هناك والتقطت العديد من الصور للمعبر، بالتزامن مع ادعاء النظام أنه مفتوح أمام المدنيين".
مطالبات بفيديو أكثر احترافية
ضحك يوسف جبسة كثيراٌ، وهو أحد سكان حي "الصاخور" بمدينة حلب، عندما سمع بخبر تسليم المسلحين أنفسهم وندمهم على "التحاقهم بالإرهابيين".
يقول يوسف في حديثٍ لـ "روزنة"، أنه كان بإمكان المسلحين المفترضين أن يسلموا أنفسهم، ضمن مقطع فيديو أكثر احترافية.
وعلّق صحافي سوري مقرب من النظام ويقيم في دمشق خلال منشور بصفحته على موقع "فيسبوك": "المخرج مطلوب حيّاً أو ميتاً".
"دعنا نعتبر أن هذه الفيديو صحيح، وأنه ليس تمثيلية، أريد أن أعرف من أي معبر خرج المسلحون ولأي فصيل ينتمون؟"، هذا ما قاله مواطن مقيم بالأحياء التي يسيطر عليها النظام بمدينة حلب.
وأضاف المواطن الذي رفض الكشف عن اسمه لـ "روزنة": "في هذه الحالة يتم عمل لقاءات موسعة مع هؤلاء المسلحين، وتُنتج لهم فيديوهات خاصة ومقابلات معمقة ليتحدّثوا عن ندمهم وتفاصيل التغرير بهم من قبل الإرهابيين فأين هذه المقاطع حتى الآن؟".
وفيما ينتج إعلام النظام تقاريره المصورة تلك، بغض النظر عن مشاكلها الصحفية والمهنية، تصل التقارير إلى الرأي العام الغربي. وهنا، يبرز التساؤل عن دور وسائل الإعلام السورية الجديدة، والتي وُلدت بعد الثورة، في إيصال الأصوات الحقيقة من الداخل، لتؤكد ما يحدث على الأرض فعلياً!