في سوريا، يعرض الأطفال حياتهم للخطر من أجل الجلوس على مقاعد الامتحانات النهائية في المدرسة، اسمع قصص ستة أطفال عبروا خطوط النزاع لمواصلة تعليمهم، أملا ببناء مستقبل أكثر إشراقا لبلدهم.
دمشق، 25 تموز 2016 - ماذا كنت ستفعل لو كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها التقدم لامتحانات الشهادة الثانوية، هي السفر لمدة 13 ساعة عبر نقاط التفتيش التي لا تعد ولا تحصى، والتي يحرسها مقاتلون مدججون بالسلاح؟ كيف ستشعر لو ضاع 12 عاماً من عملك الشاق للحصول على الدبلوم بسبب الحرب التي لا يبدو أنها ستنتهي؟
هذه بعض الحقائق القاسية التي تواجه الأطفال في المدارس السورية اليوم، في (تقرير) نشره موقع اليونيسيف الالكتروني.
"يقول هادي، في الصف التاسع ، والذي خاطر بحياته في رحلة استغرقت 13 ساعة من منزله في ريف حلب للوصول إلى مركز الامتحانات في مدينة حلب، "كانت الرحلة مكلفة جدا، حيث اضطرت عائلتي لدفع ما يقارب 15،000 ليرة سورية لعبور خطوط النزاع."
لم يتمكن هادي من الوصول إلى حلب في المحاولة الأولى، بسبب قطع الطريق نتيجة القتال المستمر. لكنه كان مصمماً على تقديم امتحاناته وظل يحاول، وقرر أن يخوض مغامرة أخرى، وطريقا أطول هذه المرة، وتأخذ هذه الرحلة 4 ساعات عادة في أوقات السلم، أما الآن، فقد استغرقه الوصول ثلاث محاولات على الطرق المحفوفة بالمخاطر قبل ان ينجح.
في أيار وحزيران من هذا العام، قام 10530 الطلاب السوريين في الصف الثالث الإعدادي والثالث الثانوي باتخاذ قرارٍ خطرٍ بعبور خطوط الصراع النشطة للوصول إلى مراكز الامتحانات لتقديم الامتحانات الوطنية السنوية. ودعمت اليونيسيف الطلاب الذين جاؤوا من المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، وذلك من خلال توفير المنح الدراسية والسكن الآمن والفرش والصابون وغيرها من لوازم النظافة، وكذلك دروس المراجعة للتحضير لامتحانات.
كل رحلة للطلاب شملت مخاطر مختلفة، منها مواجهة أو تجنب الجماعات المسلحة الذين لا يريدون أن يصل الطلاب إلى امتحاناتهم.
معظم الطلاب سافروا على الطرق الخطرة، المتضررة من النزاع، وواجهوا حواجز لا تعد ولا تحصى، حيث تم استجوابهم باستمرار من قبل رجال مسلحين. وكان العديد من أهالي الطلاب يضطرون لاقتراض المال من الأقارب لتغطية نفقات الرحلة وذلك قبل الرحلة بأسابيع أو حتى شهور في بعض الأحيان. واحتاج الأمر إلى شجاعة هائلة من البنات والبنين في مناطق النزاع كي يصروا على حقهم في التعليم.
عقبات في التعليم
في سوريا اليوم، أصبحت الخيارات العادية حول إرسال الطفل إلى المدرسة أو إلى الملعب غالباً تؤدي إلى قرارات مأساوية وتراجيدية، وذلك في ظل الاستهداف المتواصل للمدارس والملاعب بالقذائف وتعرضها للقصف. فمنذ بداية الصراع وقبل أكثر من خمس سنوات، تحققت اليونيسيف من أكثر من 4000 هجمة على المدارس، حيث أصبح أكثر من ربع المدارس خارج عن الخدمة بسبب دمارها أو استخدامها كملاجئ للأسر النازحة الهاربة من مناطق الصراع.
وفقد قطاع التعليم في سوريا أكثر من 52،000 معلما، كما فقدت البلاد عقدين من سير العملية التعليمية.
واضطر أكثر من مليوني طفل سوري على الانقطاع عن الدراسة بسبب النزوح الناجم عن القتال، وتدمير أو إغلاق المدارس، وعدم وجود المعلمين. ويجبر الصراع الأطفال على ترك تعليمهم بطرق أخرى أيضا: كأن يصبح الطفل معيلا للأسرة بعد فقدان والده خلال الحرب، أو عندما تجبر الفتيات على الزواج المبكر من قبل عائلتها الذين يأملون أن يساعد زواجها على إبقائهم أكثر أمانا من العنف.
لكل طالب قصة كفاح
للطلاب الذين تغلبوا على هذه العقبات الخطيرة، قصص مختلفة عن شغف التعلم والتعليم، وتصميم جماعي على التقديم للامتحانات، والحصول على شهاداتهم وتقديم مساهماتهم في بناء مستقبل أفضل لسوريا.
هادي، البالغ من العمر أربعة عشر عاماً، اضطر لترك المدرسة قبل الصف التاسع من أجل العمل لإعالة أسرته. يقول: "في العامين الماضيين، كنت أحضر للامتحانات وأعمل في نفس الوقت" ويضيف: "أنا أعتمد على كتب التعلم الذاتي في تحضيري للامتحان."
واضطر آخرون مثل غدير من مدينة الرقة، إلى الزواج، لأنه لم يكن هناك أي خيار آخر أمامها في ظروف الحرب الصعبة. تقول: "كان من الصعب على الفتاة أن تخرج للدراسة في مدينتي"، وأضافت: "لقد فقدت ثلاث سنوات دراسية، لذلك قررت أن أترك المدرسة وأتزوج حتى أتمكن من إعالة أسرتي."
"كان عليّ الانتظار لمدة أربع سنوات للجلوس على مقاعد الامتحانات" تقول فاطمة، التي تمكنت من الوصول إلى مركز الامتحان في مدينة الحسكة المجاورة، جنبا إلى جنب مع غدير. وتضيف: "خلال هذه السنوات الأربع درست بجد، لأعلم فيما بعد أن الامتحانات ألغيت في مدينتي! شعرت حينها أن جهودي باءت هباء منثورا".
بتول، من مدينة إدلب، توضح مخاطر التعليم في مدينتها قائلة: "فاتني المدرسة لمدة شهر لأنني كنت خائفة جدا على نفسي وعلى والدي." وعندما فرضت الجماعات المسلحة ضوابط جديدة على التعليم في منطقتها، تم إغلاق أبواب المدارس وإدخال تغييرات على المناهج الدراسية الرسمية.
لم تكن بتول الوحيدة التي واجهت العقبات هي وأسرتها، وقالت إن والديها كلاهما من المعلمين وهم مهددين باستمرار، وهذا ما جعل بتول تخوض رحلة خطرة مع والدتها من إدلب إلى حماة للجلوس على مقاعد امتحانات الصف التاسع في شهر أيار.
وهناك أيضا آخرون مثل أحمد، مصممون على التعلم على الرغم من الحصار الخانق والقصف العنيف الذي يعيشونه. وأوضح أنه في بعض الأحيان يعاني الأطفال من الجوع لدرجة أنهم يفقدون التركيز على الدراسة.
"درسنا في ظل الحصار، وكنا جياع معظم الأحيان، واضطررنا إلى الدراسة في ضوء النهار لأنه لم يكن هناك كهرباء، ولا حتى شموعا تتيح لنا الفرصة للقراءة أثناء الليل"، قال أحمد، البالغ من العمر 19 عاماً والذي أعد لامتحانات الصف الثالث الثانوي في ظل أصعب الظروف.
ويضيف: "العديد من أصدقائي أصيبوا بالدوار بسبب حاجتهم للبروتين، ورأيت أستاذ الرياضيات خافت ذات يوم أيضا بسبب الجوع، ولكنه استمر بالقدوم إلى المدرسة ليعلمنا."
يقول مازن، من ريف دمشق، "رسبت العام الماضي في امتحانات الصف التاسع" ويضيف: "في ظل القتال كان من الصعب بالنسبة لي أن أدرس، حيث كنت أبدأ بالدراسة كل صباح في وقت مبكر لمدة ثلاث ساعات فقط قبل أن يبدأ القصف."
وبالعودة إلى غدير، التي كانت حامل بطفل عندما قررت العودة إلى الدراسة، تقول: "اقترضت المحاضرات والكتب من طلاب آخرين للتحضير للامتحانات."
سافرت غدير من الرقة إلى الحسكة مع طفلتها البالغة خمسة أشهر، وبرفقة جدتها التي عرضت تقديم المساعدة في رعاية الطفلة، بحيث تتمكن حفيدتها غدير من إكمال تعليمها.
تقول الجدة التي لا تعرف القراءة والكتابة: "إعطاء حفيدتي فرصة لاستكمال الامتحانات يعطيني سعادة كبيرة."
وتضيف: "هؤلاء الفتيات يجب أن يحصلن على مستقبل أفضل من مستقبلنا، وهذا لن يتم إلا بالتعليم."
هادي، غدير، فاطمة، بتول، أحمد، ومازن هم مجرد نماذج عن 7.5 مليون طفل في سوريا، ممن يواصلون محاولة البقاء على قيد الحياة والحفاظ على أحلامهم على قيد الحياة على الرغم من الصراع المميت من حولهم وبالنسبة لهم، التعليم هو الأمل الوحيد بمستقبل أفضل."
"التعليم هو سلاحنا من أجل مستقبل أفضل"
بحلول نهاية شهر حزيران، سلك أكثر من 10،000 طفل هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر، أكملوا امتحاناتهم وحضروا أنفسهم للسفر عودةً إلى مناطقهم عبر خطوط النزاع مرة أخرى، والكثيرين عادوا بكل فخر لمعرفة أن أحلامهم قد تحققت، حاملين شهاداتهم مع خطط مستقبلية للدراسة، وبعد أن التقوا بأصدقاء جدد وألهم بعضهم البعض.
وتقول بتول، بينما كانت تستعد إلى مدينتها: "أريد أن أبعث برسالة إلى الأطفال في جميع أنحاء، التعليم هو سلاحنا، ولن نتمكن من وضع حد لهذه الحرب والمعاناة إلا إذا واصلنا التعليم."
رسالة أطفال سوريا واضحة، إنهم يريدون التعلم، ونحن مدينون لشجاعتهم وتصميمهم على دعم أحلامهم في بناء مستقبلهم.