تعمل هديل يومياً على صنع مواقد من الطين، متحدية غلاء أسعار جرر الغاز في منطقة الحولة، شمال حمص.
دفع الحصار بعض الأهالي في مناطق سورية عديدة، إلى العودة بالتاريخ لزمن الأجداد، خصوصاً وأنهم استخدموا ابسط المواد المتوفرة، في تأسيس قواعد العيش وتأمين الخدمات، فالحصار يعني انعدام كل الوسائل، وندرة في كل الموارد.
تعيش هديل في قرية "تل ذهب" بسهل الحولة، استعادت فكرة من ذكريات الطفولة، عندما كانت جدتها تتحدث عن المواقد القديمة، فلمعت فكرة المواقد وبدأت بالعمل مستغلة توافر الطين.
"خطرت على بالي فكرة صناعة المواقد من حكايا جدتي لنا، التي كانت ترويها عن زمانهم، قبل نحو ستين عاماً، من دور الأجداد، ونحن أخذنا الطريقة وأحييناها"، تقول هديل.
تبن وخيش.. مواد أولية
تصنع هديل يومياً أكثر من موقد، وتبيع الواحد منها بمبلغ يصل إلى 1000 ليرة سورية، وبمعدل وسطي يصل إلى 40 موقداً شهرياً.
تخلط التبن مع الطين أو الخيش وتبنيها بشكل مناسب، ثم تتركها لليوم الثاني لتجف تحت أشعة الشمس، لتصبح صالحة للاستعمال. ويمكن تشغيل الحطب تحتها لتسخن وتكون جاهزة للطهو.
تشرح هديل عن طريقة صنع الموقد: "أخلط الطين مع التبن أو الخيش وأبنيها بشكل يستطيع الشخص أن يضع عليها مايريد"، مضيفة: "المواد هي التبن والطين وخيطان الخيش والاكياس المصنوعة من خيطان القطن، ويفضل أهالي المنطقة المواقد المصنعة من الخيش حيث كان يستخدمها الأجداد لصناعة التنور، وذلك لقدرتها على تحمل حرارة عالية، في هذه الحالة أطلب ممن يرغب بصنع موقدة الخيش أن يحضر لي أكياس الخيش من ثم أقوم بتقطيعه ودقه لصنع الموقد".
تعميم الفكرة
استفاد من موقد هديل الكثير من العائلات، خصوصاً وأنها عممت تجربتها على أهالي سهل الحولة الذين قاموا بزيارة هديل لتعلم كيفية صنع الموقد ومساعدتهم.
تقول "لقد استفادت 500 عائلة من المواقد وذلك بسبب غلاء أسعار الغاز، يقوم الأهالي بأخذ الموقد واستخدامه بكل مايلزم، انتشرت فكرة الموقد لكثير من العائلات هناك بعض الأشخاص أتوا إلى مكان صنع المواقد ومعهم الطين من الآبار ليتعلموا كيفية صنعه".
أم محمد، إحدى المستفيدات، تقول لروزنة: "دائماً اشتري المواقد من هديل وأطبخ عليها وأصنع الشاي وكل شي، واشتري كل عام واحدة لأن الموقد تصبح غير صالحة للاستعمال بسبب اعتمادي عليها بشكل كبير، ويبلغ سعر الموقد الذي اشتريه 500 ليرة سورية، لكن أسعار المواقد تختلف من 500 لـ1000 ليرة حسب حجمها ومكونات صنعها".
وتعتمد ام محمد على الموقد بسبب غلاء الغاز الذي يصل سعر الجرة الواحدة منه لـ9000 ليرة سورية، في الحولة، إن وجد!
من جهتها، تقول أم حسان: "هديل أصبحت معروفة لدينا في القرية أنها تصنع المواقد وأسعارها معروفة ومقبولة عدا عن الجودة"، مضيفة: "الآن في كل بيت ترى موقداً إلى جانب جرة الغاز، لأنه في حال انقطع الغاز نستخدم الموقد بدلاً عنه".
ربة منزل ومعيل
بهذه الطريقة تعيل هديل أطفالها الستة، وزوجها العاطل عن العمل نتيجة انعدام كل ممكنات العمل في ظل الحصار المطبق الذي يمارسه السوري على سهل الحولة منذ أكثر من 8 أشهر.
توضح هديل "أكبر أطفالي في سن الثانية عشر وأصغرهم في سن السادسة، دوامهم في المدرسة متقطع بسبب الخوف من القصف والأوضاع الراهنة، يقوم زوجي بمساعدتي وهو يفتخر بي".
وتؤكد هديل في حديثها، أنها سعيدة بعملها لأنها استطاعت تأمين كل شيء لعائلتها، فهي واحدة من السوريات اللاتي قررن كسر الأطر الاجتماعية لمواجهة الحياة.