هل تحسن الطقس في تركيا؟

هل تحسن الطقس في تركيا؟
القصص | 23 يوليو 2016

"الإسلام ينتصر على العلمانية"، هكذا وصف بعض الإسلاميين ما حدث في تركيا منذ أيام حين استطاع الشعب اسقاط  انقلاب العسكر. للدلالة وتوثيق ما حصل فإنهم يضعون صورة لبعض الHتراك الساجدين شكراً لله، مع تعليق يقول "السجدة، أفشلت الإنقلاب".

هل هذا ما حصل فعلاً؟.

لنتناسى الحقائق التي تقول أن الإنقلابيين إسلاميون ايضاً، يتّبعون "الداعية" الإسلامي التركي "فتح الله غولن"، وأن أكبر الأحزاب العلمانية التركية رفضت الانقلاب. ولنفترض أن "السجدة ودعاء آلاف الامهات التركيات" هما اللذان صنعا الفارق فعلاً.. لماذا تنجح الوصفة في تركيا، وتفشل في مصر؟!.

قام العسكر بالانقلاب التركي، كما قام العسكر بانقلاب مصر.

أطاح العسكر المصريون بحكم الإخوان المسلمين، وحاول فرعهم التركي الاطاحة بالفرع التركي للإخوان ممثّلاً بحزب "العدالة والتنمية". كلا الشعبين عانى الويلات من استبداد العسكر، ولا شك أن نصيب المصريين منه أكبر بكثير.

خاطب الرئيس التركي شعبه عبر الموبايل وطلب اليهم النزول للشوارع ففعلوا. وناشد الرئيس المصري شعبه ليفعلوا شيئاً قائلاً: "ثورتكو بتتسرء منكو"، لكنهم لم يفعلوا!.

كيف عاد "البسطار" العسكري الى مصر، وتمزق في تركيا؟!. لا اعتقد أنهم في مصر أقل سجوداً ودعاءً من الأتراك. هل السبب أن الطقس في مصر أكثر حرّاً من تركيا يا ترى؟!.

وفقاً للمفكر الفرنسي الشهير "مونتسكيو" فإن حرارة الطقس المصري تُفسّر الامر!. "مونتسكيو" صاحب المبدأ الشهير "لابدّ للسلطة أن تحدّ السلطة" الذي اقترح بموجبه فصل السلطات، تساءل منذ ثلاثة قرون في كتابه "روح الشرائع" عن سبب قبول الناس للعيش تحت الاستبداد رغم أنهم بطبيعتهم ينفرون من الطغاة ويحقدون عليهم!، فوجد أن أحد أهم أسباب قيام الاستبداد هو الشهوات الإنسانية، التي تزداد في الأقاليم الحارّة، حيث تنمو الشهوة مبكراً!.

قد نقبل تبريرات "مونتسكيو" على اعتبار أنه "فهيم" لولا أنه هو نفسه يصنف تركيا في خانة الدول الحارّة التي يجب أن تقبل الاستبداد، بدليل أنه "في تركيا يبدأ البلوغ في الخامسة عشرة من العمر"، فهل تغير سن البلوغ عندهم في القرن الواحد والعشرين؟!.

في القرآن الكريم مقاربة مختلفة.. خذل اليهود موسى أيضاً ورفضوا الدخول إلى الأرض المقدّسة، وقالوا لموسى "اذهب أنت وربك فقاتلا، إنـّا ههنا قاعدون"، ورغم أن موسى قادهم لثورة انتقلت بهم من عبيد إلى سادة، وأعتقتهم من استبداد الطاغية فرعون، الذي كان "يُذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم"، إلا أنهم فشلوا في اخذ المبادرة وتحمّل المسؤولية للقضاء على القوم "الجبّارين"، عندها قال الله لموسى "فإنّها مُحرّمة عليهم أربعين سنةً، يتيهون في الأرض".

لماذا الأربعون سنة؟!. وفقاً لبعض المُفسرين فإن فطرة بني إسرائيل التي خرّبها طغيان فرعون واستبداده، لم تكفيها معجزات موسى للتخلص من "ذهنيّة" الخنوع وقبول الاستبداد والاستسلام له، كان الأمر بحاجة لزمن.. أربعون سنة في حالتهم، ليستعيدوا فطرتهم السليمة وينفضوا عنهم آثار الطغيان والعبودية.

لم تبدأ التجربة الديمقراطية التركية مع وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة، فالبذور ترجع إلى أربعينات القرن الماضي حين حصلت أول انتخابات حقيقية تنافست فيها الأحزاب، حاول الجيش أن يقوّض التجربة الديمقراطية أربع مرات بدءاً من مطلع ستينات القرن العشرين وحتى نهاياته، نجح فيها جميعاً، خلال تلك الفترة وما بعدها، كان المجتمع التركي يقاوم الاستبداد وينزع جذوره في المجتمع، فكما يقول "مونتسكيو" نفسه "كل بيت في الدولة المستبدّة، امبراطورية مُنفصلة" والتربية على عيش الانسان مع الآخرين محدودة جداً، وتقتصر على بث الخوف في قلوب الرعيّة وتلقين بعض مبادئ الدين البسيط.

بعد بداية القرن الجديد ازداد وعي الأتراك لفكرة "العقد" مع السلطة، وأركانه وشروطه.. ولك أن تعود لطبيعة الانتخابات التركية والحياة السياسية خلال السنوات الماضية لتتبيّن تطور فهم الشعب لسلطته ودوره.

"لسوء حظ الإنقلابيين" فقد حدث الانقلاب الأخير قبل أيام، وقد بلغ الشعب التركي سن البلوغ الديمقراطي.

في مصر، كانت ثورة يناير ثورةً عظيمةً ألهمت شعوب المنطقة -كما فعلت الثورة التونسية قبلها- وظنّ الكثيرون أن الديمقراطيّة أخذت طريقها إلى "أم الدنيا" متناسين أن الديمقراطية ليست قراراً ولكنها طريقة حياة، تحتاج إلى زمن للنضوج، والزمن في حياة الأمم يُقدّر بالأجيال لا بالسنين.

حصل انقلاب الجنرال السيسي ولمّا تبلغ ديمقراطية مصر سنّ التكليف للقضاء عليه، فوقف المصريون حائرين، وانقلبت الأحزاب السياسية "الديمقراطية" -ومنها إسلامية- على ديمقراطيتها!، وأيّدت المستبد حين قتل "الثور الأبيض"، قبل أن يجهز عليها ايضاً.

هل يعني ذلك أن الشعب المصري يجب أن ينتظر أجيالاً أخرى؟.

من سهر ليلة الخامس عشر من تموز/يوليو وشاهد الشعب التركي يواجه الدبابات يُدرك أن الأمر اليوم مختلف.

من الجدير بالسيسي وصاحبه الأسد وأربابهم الذين خطّطوا لهم ولانقلاب تركيا الفاشل، أن يقلقوا، فشعوب المنطقة لم تنم ليلة الجمعة وهي تشاهد "انتصار الديمقراطية"، وما كان يحتاج الى أربعين سنة، قد يصبح بوجود الإعلام، أقرب بكثير.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق